رقمان موجعان جَعَلا لبنان يرتجف أمس، خشيةَ الانزلاقِ إلى السيناريو المُفْجِع: الأوّل هو ارتفاعُ عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد إلى 230، والثاني هو الزيادة القياسية في الحالات المثبتة ليوم واحد.
وأمام طلائع انفجار «كورونا» من خلف «خطوط الدفاع» التي وضعتْها الحكومة بإعلانها التعبئة العامة الأحد الماضي (حتى 29 مارس)، وجد لبنان الرسمي نفسه بعد شهر بالتمام والكمال على تسجيل أول إصابةٍ بالفيروس مضطرّاً للجوء إلى خياراتٍ زاجرةٍ لضمان تطبيق «الإقامة الجبرية» التي كانت فُرضتْ بطريقة جعلتْها أقرب إلى الطوعية تحت عنوان «الزموا المنازل ولا تخرجوا إلا للضرورات القصوى».
ومع تسجيل 81 إصابة خلال 48 ساعة ما رفع الحالات الإيجابية إلى 230، حتى بدا لبنان في شبه «حال طوارئ» فعلية، باتت غالبية مفاعيلها قائمة، وتُوِّجت مساءً بإطلاق مسارٍ لتطبيق «الحجر العام» بيد من حديد عبر الاستعانة بالجيش والقوى الأمنية، وفق ما أعلن رئيس الحكومة حسان دياب.
… نداءاتٌ من قادة سياسيين على طريقة «الاستغاثة» راوحت بين مناشدة السلطة إعلان حال الطوارئ وحظْر التجول واستحداث أماكن لدفن ضحايا وبين «تَوَسُّلِ» المواطنين التزام مَنازِلهم تَدارُكاً لـ «الأسوأ»، ومناطق تمارس «العزل الذاتي» عبر حصْر الدخول إليها مَنْعاً لتسلُّل «الفيروس»، واجتماعات واتصالات لضبْط التفلّت الكبير في الانضباط تحت سقف التعبئة العامة، في مشهدٍ صادِم وصاخِب لم يكن معه مكانٌ لـ «الورد» في عيد الأمهات الذي خبا عَبَقُه أمام أشواك «كورونا» التي زنّرت البيوتات وتركتْ «ست الحبايب» وحيدة خلف الجدران تتوسّل الـ «video call» لمعايدات عن بُعد.
وعلى وقع توقّعاتٍ سرت بأن دخول البلاد المرحلة الرابعة من انتشار «كورونا» سيُقابَل بإعلانِ منْع التجوّل وحال الطوارئ بحلول أولى ساعات المساء، وهو ما استبعدتْ أوساط متابعة أن يتم اللجوء إليه لأنه يستدعي انعقاد مجلس الوزراء كما أن دونه اعتبارات تتصل بعدم رغبة السلطة في جعل البلاد بإمرة الجيش مع ما لذلك من تداعيات ذات أبعاد سياسية، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من الجيش والقوى الأمنيّة الحدّ من التجوّل على الطرق والتواجد في الأماكن العامة لمنع انتشار «كورونا»، قبل أن يطلّ رئيس الحكومة حسان دياب عند السابعة مساءً ليعلن سلسلة تدابير جديدة تحت سقف التعبئة العامة وبما يشبه «التدبير الرقم 2 ونصف» (أي قبل حال الطوارئ الوطنية في قانون الدفاع) وعلى أن يترافق ذلك مع تنسيق بين وحدات الجيش ورؤساء البلديات لضبْط الوضع وإلزام المواطنين بالعزْل المنزلي.
وارتسمت بوضوح في سبت «دقّ النفير» ملامح الخوف الكبير من أن يكون لبنان أمام النموذج الإيطالي المُبْكي والمأسوي، وسط قلق من أن يكون الواقع الديموغرافي في جانبه العائلي المتين كما ضُعْف النظام الصحي المُنهَك أساساً والذي تفاقمت أزماته مع الانهيار المالي وشحّ الدولار وعدم جهوزيته للتعاطي مع أي «طوفان» بالمصابين، باباً لفصْل كارثي تتحطّم معه النسب المقدّرة للوفيات بالفيروس (نحو 3.5 في المئة) على غرار ما حصل في إيطاليا حيث بلغت النسبة نحو 9 في المئة، وهو الرقم الذي يرجَّح أن يرتفع كلما تناقصت إمكانيات القطاع الصحي لاستيعاب الحالات التي لا يقتلها «كورونا» بل إغراق المستشفيات وعدم توافر أدوات الإنقاذ ولا سيما أجهزة التنفس الاصطناعي (في لبنان 165 جهازاً وسيزيد عددها إلى 275 وجمعية المصارف أعلنت أنها ستقدم مبلغ 6 ملايين دولار لشراء 120 جهازاً).
وكانت مؤشراتُ انفلات «كورونا» من الضوابط تدرّجت كالآتي:
• إعلان وزارة الصحة أنه «تم تسجيل 24 إصابة جديدة (عن الجمعة) مثبتة بفيروس «كورونا» بما يرفع عدد الحالات إلى 187»، قبل أن يصدر بيان ثانٍ بعد وقت قصير يؤكد أنه «بعد ورود نتائج مخبرية من المستشفيات الخاصة الجديدة التي انضمت حديثاً الى لائحة مختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة، بلغ المجموع النهائي للحالات المثبتة 206، كما وردت خلال الفترة الأخيرة 24 حالة جديدة من مختبرات خاصة ستتم إعادة التأكد من نتائجها في مستشفى رفيق الحريري الجامعي»، معتبراً «أن هذه الأرقام تشير إلى بدء مرحلة الانتشار».
• دعوة رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي لإعلان حال الطوارئ، معلناً «ذاهبون إلى مشكلة أكبر في موضوع فيروس(كورونا)».
• توجيه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري نداء توجّه فيه إلى «كل الأهل والأحبة» بأن «أستحلفكم بالله العظيم أن تلتزموا البيوت وأن تتعاملوا مع الحجر المنزلي باعتباره خط الأمان الوحيد والدواء الذي لا بد منه»، وذلك بعدما كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط طالب «بإعلان حالة الطوارئ كما فعلت كل الدول ومنع الناس بأي ثمن من التجول وإلا تفقد السيطرة التي حتى الان كانت مقبولة»، مضيفاً: «الوباء قاتل لا يرحم وإذا أتت الساعة فإن أهمّ شيء الدفن في حفرة تحت الأرض والتأكد أن الجثة معزولة تماماً. من التراب والى التراب نعود، وضرورة إيجاد أماكن للدفن في المشاعات بعيداً عن القرى. ونحن في بداية طريق الجلجلة وقد تطول لأكثر من سنة».
وفي موازاة ذلك، كان لبنان الرسمي يسعى للحصول على مساعدات دولية في حربه مع «كورونا»، حيث برز في هذا الإطار الاجتماع التنسيقي الخاص بما سمي «مبادرة الكورونا» الذي عُقد الجمعة برئاسة دياب وشارك فيه عبر «سكايب» سفراء عدد من الدول الغربية بينها الولايات المتحدة، وسط تقارير تحدثت عن مناخات مشجعة لجهة مد اليد إلى «بلاد الأرز»، وعن أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا كشفت أنها أرسلت طلباً الى وزارتيْ الخارجية والدفاع في واشنطن لتقديم المساعدات وأنها تنتظر الردّ.