حضر خطر تفشّي فيروس كورونا وضرورة الالتزام بموجبات الوقاية في كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المخصصة أساساً لقضية القرار القضائي بإخلاء العميل عامر الفاخوري، ومن ثم تهريبه على متن طوافة عسكرية تابعة للمارينز من السفارة الأميركية في عوكر، وفي هذه القضية وزّع السيد محاور كلمته، على مناقشة نظرية الصفقة التي روّج لها الكثيرون، خصوصاً الذين يناصبون المقاومة العداء والخصومة ويريدون زرع الشكوك بينها وبين جمهورها، ولا يزعجهم أصلاً أن يتم الإفراج عن العميل ولا أن تنتهك واشنطن سيادة لبنان، ونفى السيد نصرالله وجود صفقة، ليس من زاوية شراكة المقاومة التي أكد أنه من المؤلم أن تجد نفسها في موقع الدفاع عن نفسها من تهم كهذه، بل أيضاً من زاوية مبدأ شراكة أحد آخر في الدولة بالتورّط في مثل هذه الصفقة، واضعاً الأمر في إطار سقوط مواقع قضائية تحت الضغوط الأميركيّة فيما صمدت مواقع أخرى، فاتحاً الباب للتساؤل حول الأمر الذي لا يقلّ خطورة وهو استعمال السفارة الأميركية كمعبر غير شرعي، لتهريب مطلوب للعدالة، لم يقفل ملفه القضائي وبحقه قرار منع سفر، واضعاً الأمر برسم السياديّين الذين أشاعوا مناخ التشكيك في المقاومة، لكنهم لم يسجلوا كلمة اعتراض على ما فعله الأميركي من انتهاك للسيادة.
على محور موازٍ ناقش السيد نصرالله كل الدعوات التي تلقاها حزب الله عبر الإعلام، لمقترحات في التعامل مع القضية من موقع التشكيك والاتهام، مسجلاً رفض الحزب لكل من يدّعي الأخوة والصداقة ويعامله بهذه الطريقة، مشرحاً هذه المقترحات والأفكار وما تحمله من أخطار على البلد وعلى القضية نفسها. وفي المحور الأخير من القضية دعا السيد نصرالله إلى تشكيل لجنة تحقيق قضائية او برلمانية لكشف ملابسات القضية ببعدَيْها، القضائي والسيادي، ليعرف الرأي العام كيف حدث كل ما حدث.
في السياق نفسه اقترحت مصادر برلمانية جمع تواقيع 65 نائباً على عريضة نيابية تطلب من رئاسة المجلس النيابي تكليف لجنة الإدارة والعدل النيابية بمهام لجنة تحقيق كاملة الصلاحيات لكشف ملابسات الإفراج عن العميل عامر الفاخوري وتهريبه عبر المعبر غير الشرعي في عوكر. وذكرت المصادر بأن رئيس اللجنة هو نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان وفيها كل الألوان والأصوات النيابية، الحزبية والمستقلة، والموالية والمعارضة، فمقرّر اللجنة هو النائب إبراهيم الموسوي أما أعضاؤها فهم النواب إبراهيم عازار، بوليت يعقوبيان، بلال عبدالله، جورج عطالله، جورج عقيص، سمير الجسر، علي خريس، غازي زعيتر، نديم الجميل، هاني قبيسي، هادي حبيش، شامل روكز، علي حسن خليل، علي عمار، حكمت ديب، وجميل السيد. وقالت المصادر إن ذلك سيكشف نيات الجميع تجاه قبول مهمة التحقيق تحت عنوان الإفراج عن عميل وتهريبه، وإن تهرب البعض من المهمة ستسقط المزايدات، وإن قبلت المهمة ستنكشف الكثير من الحقائق، والأهم ستكون فرصة لتوجيه رسالة بالإجماع اللبناني للقضاء حول تحصينه بوجه الضغوط وللأميركي حول التمسك بالسيادة اللبنانية.
وأكد السيد نصر الله أن لا وجود لصفقة مقايضة في إطلاق سراح العميل الفاخوري، موضحاً أنه منذ بداية اعتقاله بدأت الضغوط الأميركية بشكل قويّ على أغلب المسؤولين في الدولة. وأشار السيد نصرالله إلى أن الضغوط تمّت ممارستها على كل مَن يستطيع أن يقدّم تسهيلات، ثم تهديد بفرض عقوبات متنوعة ومنع مساعدات، وذلك من أجل إطلاق سراح العميل من دون قيد أو شرط، لافتاً إلى أن الضغوط بشكل أساسي وقعت على القضاة الذين صمد بعضهم، بينما استسلم آخرون. وكشف أنه خلال الشهرين الأخيرين ناقشت جهات في الدولة اللبنانية مع حزب الله القضية في ضوء التهديدات الأميركية، حيث تم رفض إطلاق سراحه انطلاقاً من كونها صاحبة قضية وليست طرفاً حيادياً.
كما كشف السيد نصر الله أنه علم بخبر إطلاق سراح الفاخوري عبر وسائل الإعلام، موضحاً أنه بعد قرار منع السفر حاول الأميركيون تهريبه من مطار بيروت لكن الجهات الأمنية المعنية رفضت، وعلى الرغم من ذلك أخرجوه باعتداء سافر على السيادة اللبنانية.
كما جدّد التأكيد على أنه منذ اليوم الأول لاعتقال الفاخوري رفض حزب الله اسقاط التهم عنه وطالب بالحكم العادل، كما أنه لم يكن على علم بجلسة المحاكمة التي صدر خلالها قرار إطلاق سراح العميل. وجزم السيد نصر الله أن حركة أمل لا علم لها أيضاً بما حدث في قضية الفاخوري.
ولفت الى أن من يصرّ على تحميل حزب الله مسؤولية إطلاق الفاخوري إنما يصرّ على البقاء في دائرة العدو والخصم، وسأل: “هل مصلحة البلد ومصلحة المقاومة أن نعمل 7 أيار من أجل الفاخوري؟”. وأوضح أن قرار إطلاق سراح العميل الفاخوري لم يُناقش في الحكومة ولم يُتخذ قرار بشأنه في داخلها، وأن كل ما قدّم من أفكار لم يحمل أبداً أي مصلحة وطنية. وداعياً إلى متابعة الملف قضائياً، إذ يتوجب على القضاء اللبناني أن لا يعتبر أن الملف قد انتهى، باعتبار أن الفاخوري مطلوب هارب. كما أيّد الدعوات التي انطلقت في لبنان لتشكيل لجنة تحقيق قضائية وأخرى برلمانية.
وشدّد السيد نصر الله على أن المقاومة تقبل من أصدقائها النصح والاقتراح والانتقاد في العلن، لكن هناك حدّان غير مقبولين الأول هو التشكيك بالمقاومة والثاني هو الشتيمة والإهانة، ومَن يتعدّاهما فليخرج من الصداقة. وتابع أن هذه المقاومة هي أشرف وأنبل وأعقل مقاومة في العصر الحديث، ومن نكد الدهر أن يأتي يوم يضطر أن يدافع عن حزب الله بشأن عميل قتل وعذب أخواننا وأخواتنا.
وقبيل إطلالة السيد نصرالله أعلن رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن حسين عبدالله تنحيه، وقال “احتراماً لقسمي وشرفي العسكري، أتنحّى عن رئاسة المحكمة العسكرية التي يساوي فيها تطبيق القانون إفلات عميل، ألم أسير، تخوين قاضٍ”. فيما تساءلت مصادر عن السبب الذي أثنى رئيس المحكمة عن الاستقالة قبيل إصداره الحكم إذا لم يستطع تحمل الضغوط الأميركية عليه! ولكان بذلك وفّر على البلد هزة قضائية وأمنية وشعبية وسياسية كان بغنى عنها في ظل الظروف الاقتصادية والحياتية والصحية الحالية الصعبة وأنقذ نفسه من دائرة الاتهامات بالتورط بتهريبة الفاخوري وحصن نفسه من أي تحقيق وملاحقة قضائية يمكن أن يتعرّض لها فيما لو شكلت لجنة تحقيق قضائية أو برلمانية.
وإذ لم يُصدر عن الحكومة أي موقف رسميّ لتفسير ما حصل في ملف الفاخوري رغم شكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب لها على إطلاق الفاخوري، غرّد رئيس الحكومة حسان دياب عبر تويتر بالقول: “لا يمكن أن تُنسى جريمة العمالة للعدو الإسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بـ “مرور الزمن”.
واقتصر الردّ الرسمي والحكومي على مبادرة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي استدعاء السفيرة الأميركية في لبنان. واستمع منها إلى شرح حول حيثيات وظروف إخراج عامر الفاخوري من السفارة الأميركية في عوكر إلى خارج لبنان. لكن لم تتخذ الخارجية أي إجراءات بحق الاعتداء الاميركي على القوانين والسيادة اللبنانية.
كما أعلنت وزيرة الدفاع زينة عكر عبر على تويتر أنها “ستعمل على إعداد وإقرار تعديل لقانون العقوبات بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان (المواد 273-274-275) وأيضاً إدخال الجرائم ضد الإنسانية ضمن أحكامه وهي بالمفهوم القانوني العام غير مشمولة بمرور الزمن”.
فيما تساءلت مصادر سياسية وقانونية عن سبب تقصير المجلس النيابي في تحصين القضاء عبر تعديل للقوانين التي تسمح بسقوط الجرائم لا سيما العمالة والخيانة والقتل بمرور الزمن العشري، وبالتالي كان على المجلس النيابي والقوى السياسية الوطنية ومنذ دخول الفاخوري الى لبنان التحسّب لهذا الأمر تجنباً لاختراق أميركي للقضاء عبر هذه الثغرة القانونية والمبادرة الى سدّها بتعديلات على القوانين. وأشارت المصادر لـ”البناء” الى ضرورة سد الثغرة القضائية لكي لا تتكرّر هذه الأحكام لتبرئة عملاء آخرين وتصبح سابقة قانونية وتكرّ بعدها سبحة تبرئة مئات العملاء ما يشجعهم على العودة الى لبنان لتبييض سجلاتهم وتبرئة ذممهم ما يفتح المجال أمام اختراقات أمنية للمنظومة الأمنية اللبنانية والمنظومة الثقافية للمجتمع اللبناني الداعمة للمقاومة بأغلبها الأعم.
وبدأت تداعيات فضيحة “جزار الخيام” القضائية بالظهور في مجالات متعددة، منها ملف الموقوفين في السجون. وفي حين ينفذ عدد كبير من الموقوفين في سجن رومية اضراباً عن الطعام منذ خمسة ايام للمطالبة بإخلاء سبيلهم فضلاً عن تزايد خطر مرض الكورونا عليهم. كما بدأ ذووهم بالتحرك في الشارع، إذ أقدم شبان على قطع طريق الجناح بالإطارات المشتعلة للمطالبة بالعفو العام.
كما لم تصدر قيادة الجيش أي موقف إزاء عملية القرصنة الجوية الأميركية لتهريب الفاخوري عبر الطريق الأمنية العسكرية، وأعلنت قيادة الجيش أنها غير معنية بما يُنسَب إليها عبر مصادر عسكرية أو أمنية وأن المصدر الوحيد للأخبار المتعلقة بالمؤسسة البيانات الصادرة عن القيادة.
على صعيد آخر، عقد لقاء في السرايا الحكومية أمس بين رئيس الحكومة ووفد من جمعية المصارف برئاسة سليم صفير، وتم خلال اللقاء الاتفاق على ان تخصص المصارف مبلغ 6 ملايين دولار لشراء 120 جهاز تنفس متخصصاً لمعالجة المصابين بفيروس “الكورونا”، وسيتم تقديمها لعدد من المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات اللبنانية، كما تم الاتفاق على تجهيز الأجنحة الخاصة التي ستوضع فيها هذه الاجهزة لتلبية حاجات المواطنين في حال تم ادخالهم اليها على ان ينجز هذا المشروع في أسرع وقت ممكن.
وبعد قرار مجلس الوزراء رد مشروع قانون “الكابيتال كونترول” لإعادة النظر فيه، أفادت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن المشروع كما طرح على المجلس لن يمر لأنه يمس بودائع المواطنين لا سيما تقييدهم بسقف معين للسحوبات والتحويلات والأخطر تشريعه لعملية دفع المصارف للودائع بالدولار بالعملة اللبنانية بعد 3 سنوات. ونفى وزير المال ما ذكر عنه في عنوان صحيفة الفاينانشال تايمز في ما يتعلق بحقوق المودعين وأموالهم، مؤكداً أن سياسته تقتضي بالحفاظ على هذه الأموال. في ظل عجز الحكومة ووزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف حتى الآن عن ضبط سعر صرف الدولار المسؤول الاساسي عن غلاء الأسعار الجنوني. رغم تحرّك استخبارات الجيش لتوقيف بعض الصرافين غير الشرعيين، إلا أن سعر الصرف بلغ ذروته أمس في السوق السوداء وتراوح ما بين 2550-2650 ليرة لبنانية. وذلك بسسب إقفال محال الصيرفة المرخصة ما أدى الى تنشيط السوق السوداء وغياب الرقابة الرسمية، بحسب ما قال خبراء ماليون.
الى ذلك يرتفع منسوب الخطر حيال انتشار فيروس الكورونا في مخيمات اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري في لبنان، وعلمت “البناء” أن إجراءات أمنية وصحية مشددة تتخذ في المخيمات وسط تقصير واضح للمنظمات الدولية المعنية بأوضاع المخيمات، حيث طالب وزير الداخلية العميد محمد فهمي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين القيام بعمليات تطهير دورية لمخيمات النازحين وتوزيع مواد التطهير عليهم في إطار مواجهة كورونا. فيما أفيد عن حالات فرار من المخيمات الى مناطق أخرى بسبب تفشي الكورونا في مخيمات النازحين السوريين، ما دفع بعدد من البلديات في مختلف المناطق الى اتخاذ إجراءات لعدم دخول هؤلاء الاشخاص الى بلداتهم تخوفاً من إصابتهم بالفيروس.
وإذ برزت مخاوف رسمية من تردي الاوضاع الحياتية والاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين بسبب شلل الحركة الاقتصادية التي تعم كل لبنان والعالم، بدأت إحدى وجوه التفلت الأمني بالظهور في بعض المناطق لا سيما عمليات السرقة، حيث سجلت أمس عملية سطو مسلح على محطة محروقات في محلة الروشة في بيروت، إذ أقدم شخصان على شهر السلاح في وجه عاملين سوريين لإعطائهم “الغلة”.
وبعد مشادة كلامية ورفض العاملين طلبهما أطلق المسلحان النار ما ادى الى مقتل عامل وجرح آخر. وحضرت القوى الأمنية وباشرت التحقيقات لمعرفة ملابسات الجريمة وملاحقة فاعليها.