كانت تداعيات القرار القضائي الذي صدر عن المحكمة العسكرية بالإفراج عن جزار الخيام العميل عامر الفاخوري في صدارة الأحداث الداخلية، خصوصاً بعدما قامت السفارة الأميركية بنقل الفاخوري ليلاً إلى مبنى السفارة، بعد تسلّمه على وجه السرعة من المستشفى الذي كان يقيم فيه في جونية بداعي مراقبة حالته الصحية كمريض بالسرطان. وكان التطوّر الأبرز يوم أمس هو ثبوت فشل محاولة نقل الفاخوري إلى مطار بيروت، حيث كانت تنتظره طائرة خاصة لنقله إلى واشنطن، بعدما نجحت الملاحقات القضائية المتعددة والإجراءات الأمنية المرافقة، بإنهاء إمكانية سفره من مطار بيروت أو أي معبر حدوديّ رسميّ، بعد وضع قرار بمنعه من السفر على كل المعابر الحدودية وفي مقدّمتها مطار بيروت. وقالت مصادر متابعة إن الخيار الوحيد المتاح أمام السفارة الأميركيّة هو القيام بنقله بصورة غير قانونية عبر إحدى طائرات الهيلكوبتر التي تتحرّك بين السفارة الأميركية في عوكر والقاعدة الأميركية في قبرص، بموجب تسهيلات خاصة بالتفاهم مع قيادة الجيش، واستخدام هذا الخط لعمل مناقض للقوانين اللبنانية سيُحرج قيادة الجيش اللبناني كثيراً، وسيعرّض التعاون العسكري بين الجيشين اللبناني والأميركي لتعقيدات تستبعد المصادر المتابعة مخاطرة الأميركيين بها، بعدما فرضوا أمراً واقعاً بامتلاك قاعدة عسكرية وتسهيلات عسكرية، على الساحل الغربي للبحر المتوسط تعنيهم وتهمّهم، وليس سهلاً التفريط بها.
كانت أهمية التطورات التي عطلت نقل الفاخوري، ما لم يتم تهريبه وفتح الباب لأزمة من نوع مختلف، أنها نفت نظرية وجود صفقة وراء قرار المحكمة العسكرية، وأن المسار الذي بلغته القضية بصورة مفاجئة جاء نتيجة الثغرات التي تراكمت في المتابعة، والنصوص القانونية، مقابل الجهوزية الأميركية القانونية والضغوط التي مارسها الأميركيون، بما فيها ما قيل من مصادر موثوقة عن تهديد القضاة في المحكمة العسكرية بإنزال عقوبات مالية ومنع سفر بحقهم وحق أولادهم وأقربائهم، وأن عدداً منهم لديه أولاد يدرسون في جامعات أميركيّة، ما سهّل الرضوخ للضغوط ووفّر فرصة صدور القرار.
على الصعيد الحكومي، حيث المتابعة مستمرّة لتطورات المواجهة مع فيروس كورونا، احتلّ الملف المالي مركز الصدارة، حيث تمّ كسر الجليد بين وزير المالية وجمعية المصارف بتدخل من النيابة العامة المالية بشخص رئيسها القاضي علي إبراهيم، ونجح اجتماع الوزير غازي وزني مع جمعية المصارف بالتوصّل إلى حلّ في منتصف الطريق حول كيفية فتح المصارف أبوابها وتسهيل الأمور المالية في مرحلة التعبئة العامة عبر المناوبات، بينما توقفت مصادر مالية أمام مشروع القانون الخاص بالكابيتال كونترول الذي أعدّته الحكومة، بعد تعديلات طالت النسخة التي قدمها وزير المالية، وقالت إن الغموض في كيفية قياس بعض المعايير سيفتح باب الاستنسابية التي جاء القانون بعنوان إنهائها. وأشارت إلى غياب حوافز للمودعين في تحويل ودائعهم بالعملات الصعبة التي لا يمنحهم القانون حق سحبها ويعيد إخضاعهم للاستنساب بشأنها، إلى الليرة اللبنانية بسعر تشجيعي يقارب سعر السوق ولفترة محددة، كما لا ينص القانون على حوافز مشابهة لتشجيع الذين يحملون أموالهم في بيوتهم بالدولار لتحويلها إلى الليرات اللبنانية بسعر السوق في المصارف، وإيداعها بفائدة جيدة، ومثلها تشجيع حاملي ودائع بالليرة اللبنانية على شراء الدولار من البنوك بالسعر الرسميّ مقابل تجميدها لثلاث سنوات أو خمس على سبيل المثال. وقالت المصادر إن توضيح الغموض وإضافة الحوافز ستكون مهمة مجلس النواب الذي ينتظر أن يستعين بخبراء يشاركونه قراءة ودراسة مواد القانون.
وأثار قرار إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري حملة استنكار واسعة لدى الأحزاب القوى والشخصيات الوطنية وموجة اعتراض شعبية واسعة، فبعد بيان حزب الله أصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً اعتبر فيه أن «إطلاق سراح العميل المجرم عامر الفاخوري يقوّض ما تبقى من ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم القضائية. فهذه المؤسسات يفترض بها تطبيق العدالة، وإنزال أشدّ العقوبات بالخونة والعملاء. وذلك تطبيقاً للدستور اللبناني الذي ينص على عقوبة بالإعدام بحق «كل لبناني دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته»، وهذا ينطبق على العميل الفاخوري الذي لم يكتفِ بمساعدة العدو على فوز قواته، بل ارتكب جرائم قتل وتعذيب بحق مئات اللبنانيين في معتقل الخيام. ورأى الحزب في القرار خروجاً على مادة واضحة في الدستور اللبناني، لا تلحظ على الإطلاق عامل «مرور الزمن» على جرائم العمالة للعدو وخيانة الوطن. وطالب مؤسسة القضاء بكل تفرعاتها، أن تتحمّل مسؤولياتها الوطنية والاخلاقية والدستورية، وأن تنقض هذا القرار المشؤوم لكي تسهم في استعادة ثقة المواطنين، التي اهتزت بل تقوّضت نتيجة إحكام جائرة وغير مبررة صدرت في العام 2017 بحق رموز قاومت العدو الصهيوني وعملائه، ونتيجة قرار إطلاق العميل الفاخوري.
ودعا الحزب القومي القضاء اللبناني إلى اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لإبطال قرار إطلاق العميل الفاخوري وإلى تطبيق العدالة بحقه، وتصحيح كل الأحكام الجائرة، وذلك من أجل استنقاذ سمعة القضاء، واحتراماً لكل من دافع عن سيادة لبنان، لا سيما الشهداء الذين ارتقوا في مواجهة العدو الصهيوني وعملائه، والأسرى والذين قُتلوا على أيدي العميل الفاخوري وغيره من العملاء الخونة. مؤكداً أن وظيفة القضاء هي تطبيق العدالة وفقاً للدستور، وليس الخضوع لابتزاز الإرادات الخارجية التي تضغط على لبنان لإطلاق العملاء.
وفي سياق ذلك، استنكر وزير الزراعة عباس مرتضى قرار إخلاء سبيل الفاخوري ولفت في حديث لـ«البناء» الى أن «جريمة العمالة لا تسقط بمرور الزمن لا سيما على العملاء الذين نكلوا بأهل الجنوب والخيام لعقود من الزمن. وهناك أدلة قاطعة على هذه الجرائم». واعتبر الوزير مرتضى القرار خالف كل القوانين لا سيما المواد 273 و274 و275 من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة الإعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة للعملاء»، مشيراً الى أن القرار شكل مفاجأة كبيرة للبنانيين الشرفاء ووصمة عار لمن دبر هذا القرار لا سيما أن لبنان دفع أثماناً باهظة نتيجة لنهجه المقاوم للعدو الاسرائيلي وحقق انتصارات كبيرة على اسرائيل». ودعا مرتضى لـ«فتح تحقيق لكشف خلفيات وملابسات القرار والمسؤولين عنه ومحاسبتهم».
ولفتت مصادر قانونية وسياسية مطلعة لـ«البناء» الى أن «ما حصل في قضية الفاخوري صفقة بين جهات في السلطة والولايات المتحدة الأميركية وذلك بعدما تعرّض لبنان لضغوط وتهديدات شديدة تطال أصوله النقدية الموجودة في الخارج ووضعه الاقتصادي والمالي الداخلي من عقوبات مالية وملاحقات قضائية من الجهات الدائنة للسندات وتحريك الشارع ضد الحكومة»، مشيرة الى أن «القضاء ليس الجهة التي خططت للصفقة بل هي الآلية والمنفذ».
وبحسب ما علمت «البناء» من مصادر قانونية مطلعة على الملف فإن «جلسة محاكمة الفاخوري في المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت كانت مقررة في 16 نيسان المقبل لكن محامي الفاخوري قدّموا دفوعاً شكلية لكف التعقبات عنه بسبب مرور الزمن وعلى اثر ذلك ترك مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس للمحكمة النظر بهذا الطلب ولم يتدخل، وفي وقت قياسي أي خلال 12 يوماً بما فيها من أيام عطل نهاية الأسبوع أي ثمانية أيام فعلية، نظرت المحكمة بالطلب رغم قرار وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين بعدم البت بأي قرار باستثناء إخلاء السبيل، وبعدما تقدمت جهات حقوقية بإخبار ضد الفاخوري بجرم خطف وقتل المواطن علي عبدالله حمزة، ارسلت المحكمة برقيات الى الامن العام والامن الداخلي ومديرية المخابرات للتحقق من مصير حمزة تبين لهم أنه متوفٍ، لكن المصادر شككت بذلك متسائلة اذا فعلاً توفي فأين جثته؟».
في المقابل ولاستكمال الإخراج الشكلي للصفقة، طلب النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات من محكمة التمييز العسكرية نقض القرار وإصدار مذكرة توقيف بحق الفاخوري وإعادة محاكمته من جديد بالجرائم المنسوبة اليه وهي خطف وتعذيب وحجز حرية مواطنين لبنانيين داخل معتقل الخيام وقتل ومحاولة قتل آخرين. وقد سجل طلب التمييز أمس، في قلم محكمة التمييز العسكرية رغم أن معلومات أخرى افادت ان محكمة التمييز العسكرية وقلم المحكمة لم يتسلّما التمييز من قبل القاضي غسان خوري لأنه لم يتضمّن ملف محاكمة فاخوري أمام المحكمة العسكرية.
وأصدر قاضي الامور المستعجلة في النبطية القاضي أحمد مزهر قراراً قضائياً أمس قضى بمنع الفاخوري من السفر خارج الأراضي اللبنانية جواً وبحراً وبراً لمدة شهرين من تاريخ القرار الراهن.
إلا أن أقصى مفاعيل طلب القاضي عويدات والمحكمة العسكرية التمييزية بتمييز القرار القضائي هو منع سفر الفاخوري وبالتالي أصبح لزوم ما لا يلزم بعد المعلومات التي سرت أمس، بأن الفاخوري نقل عبر طائرة خاصة وصلت أمس من أثينا الى بيروت.
إلا أن تداعيات القرار السياسية والقضائية والشعبية لم تنتهِ فكما أن القرار القضائي سيدفع الى تحركات شعبية واسعة عندما تسمح الظروف الصحية، فإنه فتح أبواباً مغلقة على الحكومة، لا سيما ملف قانون العفو العام وآلاف الموقوفين في السجون بجنح وجنايات لا ترقى بأفعال العميل الفاخوري ما دفع هؤلاء الموقوفين الى المطالبة بمساواتهم بالعملاء. وقد شهد سجن رومية أمس، حالات تمرد كبيرة أدت الى مواجهة مع القوى الأمنية التي عملت على ضبط الوضع بإطلاق الرصاص المطاطي على المتمردين. وطالب السجناء بالعفو عنهم أسوة بالفاخوري. فيما تخوفت مصادر من تحول قضية الفاخوري الى قضية طائفية، إذ ستطالب مرجعيات دينية وسياسية بإخلاء سبيل موقوفين من طوائف أخرى ومن ضمنهم اشخاص تورطوا بأعمال ارهابية كالموقوف احمد الاسير وغيرهم على قاعدة «ستة وستة مكرر».
وبحسب المعلومات فإن قانون العفو يطبخ على نار هادئة وتجري تجزئته الى دفعات.
إلا ان السؤال المطروح هل تمّت الصفقة من دون علم الحكومة؟ ولماذا يرضخ لبنان للضغوط الأميركية لإخلاء سبيل عميل لبناني كبير يحمل جنسية اميركية متورط بأعمال خيانة وقتل وخطف وتعذيب ولا يضغط لإطلاق سراح معتقلين لبنانيين في الولايات المتحدة يحاكمون بتهمة دعم حزب الله كرجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين الذي حكم عليه القضاء الأميركي بخمس سنوات سجن وكفالة 50 مليون دولار؟ علماً ان هناك ثلاثة شبان آخرين لا يزالون محتجزين في الولايات المتحدة بتهمة التعامل مع حزب الله من بينهم المواطن اللبناني علي كوراني إبن بلدة ياطر الجنوبية الذي حكم عليه بالسجن 40 سنة، وتتحدث مصادر «البناء» أن كوراني ألقي القبض عليه منذ عامين، ولم يُعرَف مصيره حتى الآن.
وإذ تجاهلت الحكومة فضيحة الفاخوري خلال جلستها أمس، بقيت الاهتمامات الحكومية منصبة على ملفين أساسيين: الاول أزمة فيروس كورونا وملف الديون، وأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نجد أن مجلس الوزراء اتفق على انشاء صندوق تبرعات لمواجهة أزمة كورونا. ونقلت عن رئيس الحكومة حسان دياب أنه «أكد ان الحكومة تعمل على حماية اللبنانيين من دون تقصير»، مطمئنًا في الجلسة إلى أن «نتائج الإجراءات جيدة وقرار التعبئة العامة لاقى ارتياحاً لدى المواطنين وتجاوباً جيداً». كذلك، كشفت عبد الصمد أنّه «تمّت الموافقة على مشروع قانون معجل لإعفاء المحكومين الذين أمضوا مدة الحكم ولا يزالون لحين دفع الغرامة وتعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية لغاية 30 حزيران». وحذّرت من أن «وزارة الاقتصاد ستراقب ارتفاع الأسعار وتتخذ التدابير اللازمة في هذا الإطار».
وأشار مصدر وزاري لـ«البناء» الى ارتياح رئيس الحكومة والحكومة لالتزام المواطنين بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة بناء على مرسوم التعبئة العامة، مؤكداً أن التقييم الحكومي ايجابي حتى الآن، لا سيما أن لبنان لا يزال من افضل الدول انتشاراً واصابة بالمرض نسبة الى الدول الاخرى، مضيفاً ان الحكومة متأهبة على كافة المستويات بكل مؤسساتها ووزاراتها التي وضعت امكاناتها بتصرف وزارة الصحة»، واوضح المصدر الوزاري أنه في حال تدنت نسبة الإصابات وتمت السيطرة على الوباء يمكن عودة دورة الحياة الى طبيعتها بعد 29 آذار أما اذا سجلت إصابات جديدة كل يوم فسيُصار الى تمديد قرار التعبئة العامة حتى زوال الخطر على لبنان مهما طالت مدة القرار». ورجّح المصدر أن تتدنى نسبة الإصابات بعد اجراءات منع الاختلاط ووقف عمل المطار وإقفال الحدود».
لكن بعض الجهات الحزبية عمدت الى مخالفة القرار بتنظيم مواكب سيارة في بعض المناطق كما حصل في الطريق الجديدة امس الاول، الا ان المعلومات كشفت أن قوى الأمن باشرت تحقيقاتها بالتجمع الذي حصل في كورنيش المزرعة وقد استدعت أحد المشاركين به لاستجوابه. كما علمت «البناء» أن إدارة Libon post رفضت إقفال مكاتبها لا سيما في صيدا ومستمرة في العمل وحذرت الموظفين من التغيب عن العمل، كما علمت أن عمليات التعقيم غير جيدة.
ودرس مجلس الوزراء ملف سداد الديون وبحسب معلومات «البناء» لم تتضح الرؤية النهائية بعد ولم يبدأ التواصل مع الجهات الدائنة رسمياً حتى الآن رغم أن النقاش مستمر مع شركة لازارد للاتفاق على آلية للتفاوض مع الدائنين، لا سيما مع وزير المالية غازي وزني الذي يحضر خطة بالتنسيق مع رئيس الحكومة حسان دياب للبدء بالتفاوض.