عَبَرَ لبنان أمس، إلى مرحلة التعبئة العامة في مواجهة فيروس كورونا المستجد، بمظاهر عَكَسَتْ ارتياحاً إلى الإجراءات الرسمية بإزاء ضرورة تحصين «المناعة» الداخلية تَفادياً لـ «كارثة» صحية.
ورغم الأهمية القصوى التي اكتسبها دخول لبنان فعلياً أمس، نادي الدول المتعثرة مع انتهاء فترة السماح (أسبوع) التي أعقبتْ قرار بيروت تعليق دفْع سندات «اليوروبوند» بدءاً من إصدار 9 آذار/ مارس، فقد كان «دقُّ النفير» على جبهة «كورونا» أقوى وقْعاً من مآلات التخلّف غير المنظّم عن الدفْع من ضمن عملية إعادة هيكلة للدين بالعملات الأجنبية (نحو 31 مليار دولار) مفتوحة على شتى احتمالات «التفاوض على الحامي» مع الدائنين أو على… البارد.
ولم يكن عابراً في هذا الإطار أن يبدو العبء المالي وتعقيدات التخلص من الحمولة الزائدة التي يشكّلها الدين العام (من ضمن مسارٍ لا مفرّ من أن يصل «مقصه» إلى المودعين أقلّه الكبار) أخفّ وطأة من وضعية «التعبئة العامة» التي أعلنتْها الحكومة حتى 29 الجاري ارتكازاً على قانون الدفاع الوطني والتي تشتمل على سلسلة إجراءات غير مسبوقة بينها إقفال مطار رفيق الحريري الدولي والمرافئ البحرية والبرية اعتباراً من يوم غد ووقف العمل في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمؤسسات الخاصة والمحلات التجارية مع استثناءاتٍ تقتضيها موجبات تسيير العجلة في بعض القطاعات ولو بالحدّ الأدنى.
وفي حين كان رئيس الجمهورية ميشال عون يؤكد «ضرورة التشدد في تطبيق الاجراءات المُتَّخَذة حفاظاً على السلامة العامة بانتظار انحسار الوباء الذي بلغت إصاباته 109 بينهم 3 وفيات، شكل يوم أمس اختباراً أولياً لمدى فاعلية التدابير والقدرة على جعْل البلاد تنضبط تحت سقف ما يشبه «منْع التجوّل» الناعِم تحت عنوان «التزموا المنازل»، وسط معلومات لـ «الراي» عن إرباكات تعانيها الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية في التعاطي مع حركة الشارع نتيجة عدم وجود قرار صريح بحظر التجوّل.
واتّجهتْ الأنظارُ في أول أيام خطة الطوارئ الصحية إلى مجموعة محاور ذات صلة بـ «الحرب» على «كورونا» أبرزها:
* مدى الالتزام بقرارات مجلس الوزراء التعبوية، وسط ملامح استجابة واسعة وإن غير كاملة في غالبية المناطق التي شهدت تسيير دوريات أمنية لضمان إقفال المحال ومنع التجمعات بالتوازي مع عمليات تعقيم كبيرة، وصولاً إلى إصدار محافظ بيروت القاضي زياد شبيب قراراً دعا فيه أهل العاصمة والمقيمين «لالتزام منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، والطلب من الشركات والمؤسسات الخاصة والمحال التجارية التوقف عن العمل، مع مراعاة حالات الضرورة القصوى» مع استثناء المطاحن والأفران وكل ما يرتبط بتصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية.
* بدء تكيُّف قطاعاتٍ مع «زمن كورونا» مثل السوبرماركت التي «صفّحت» نفسها عبر توفير «عُدّة» الوقاية للعاملين فيها والزبائن، من مواد التعقيم والقفازات وتفادي دخول مجموعات كبيرة معاً، وأيضاً الصيدليات التي باشر العديد منها اعتماد عوازل زجاجية يتم من خلالها تلبية طلبات الزبائن وعدم إدخال أكثر من شخص بحال كان ثمة حاجة لذلك.
* ارتفاع عدد الملتحقين بحملة التبرع بمبالغ مالية ورواتب مارس للصندوق الوطني لمكافحة «كورونا» من وزراء ونواب، كان آخِرهم وزيرة الإعلام منال عبدالصمد ووزيرة المهجرين غادة شريم ووزير الصحة حمد حسن.
وفي موازاة ذلك، شخصتْ الأنظار إلى مسألتيْن بارزتيْن:
* الأولى، تلافي نشْر «خريطة انتشار كورونا» والإصابات بالفيروس وفق نطاقها الجغرافي.
ولا تقلّ إثارةً للهواجس في إطارٍ متصل، تحذيراتُ أوساط سياسية محسوبة على المعارضة من إمكان جنوح السلطة تحت ستار «التعبئة العامة» وما تتيحه قانوناً من إجراءات، مثل مصادرة الأشخاص والأموال، إلى مدّ اليد على أموال المصارف من ضمن سياقٍ يرتبط بالحملة على القطاع المصرفي وتحميله مسؤولية الأزمة المالية.
* والثانية الخشية من «قنابل موقوتة» يمكن أن تباغت كل مسار «مكافحة كورونا»، وتحديداً احتمال أن يفلت عدّاد الإصابات من السيطرة سريعاً، مع ما سيعنيه ذلك من انهيارٍ للنظام الصحي ذات القدرات الاستيعابية المحدودة، وسط موقف بارز لوزير الصحة الذي اعتبر «ان هذين الأسبوعين هما الأخطر، وأكبر دليل على ذلك هو قرار مجلس الوزراء ولا سيما الاجراءات التي اتخذت في المطار والملاحة الجوية».
وكان لافتاً في إطار المسار المتدحْرج للإصابات، تسجيل حالتين في كافتيريا مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، أحدهما طاهٍ والثاني يعمل معه وقد انتقل إلى البقاع في «فان» للركاب، في موازاة إعلان الرهبانية اليسوعية، أمس، أنه «حتى هذا اليوم هناك 11 يسوعياً من رهبان ديري بيروت وبكفيا مصابون بفيروس كورونا المستجد، 4 منهم يتلقون العلاج في المستشفى».
من جانبه، نفى المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، أمس، الأنباء التي ادعت أن ممثل شركة «لازار» للاستشارات المالية نقل العدوى إلى حسان دياب وبعض الوزراء، بعدما كان في لبنان الأسبوع الماضي.
وذكر في بيان: «تبيانا للحقيقة، فإنّ ممثّل لازار غير مصاب بفيروس كورونا استناداً إلى التحاليل الطبيّة الّتي أجراها في فرنسا، وبالتالي فإنّ هذا الخبر لا يمت إلى الحقيقة بصلة».
وفي سياق «الفتائل المخيفة» نفسها، قفزت الى الواجهة مسألة السجون و «الكابوس» الذي قد يشكله تسلُّل «كورونا» إليها رغم الإجراءات الوقائية المعتمدة، خصوصاً في ظل واقع الاكتظاظ الكبير، وسط مؤشراتٍ لاحتجاجاتٍ في بعض السجون وحال غضب في السجن المركزي (رومية) حيث أعلن المساجين إضراباً عن الطعام مع المطالبة بالعفو العام الموعود.