بقلم جورج عبيد-
بعد السابع عشر من تشرين الأول من سنة 2019، بيومين إمتطى أصحاب المصارف جواد الثورة وعمدوا على إغلاق المصارف لمدة ستة عشر يومًا، حوّلوا أثناءها الأموال لا سيذما أموال المودعين إلى الخارج، وباعوا السندات لصندوق أشمور وجنوا من عمليّة البيع ارباحًا لم يعرف إلى الآن أين وكيف صرفت، والمودعون لا يزالون إلى الآن يكتوون من ديكتاتوريتهم الغاشمة والمقيتة، والودائع ودائعهم وهي من جنى أياديهم وإبداع أفكارهم. إنها ديكتاتورية تمارس على ما لا يملكونه، وما قاموا به هو من قبيل السعي المباشر لتطويق العهد والحكومة والبلد من ضمن فعاليات الحرب الأميركيّة المالية على لبنان.
في زمن الكورونا فيروس، يمتطي أصحاب المصارف من جديد جواد الفيروس وكأنهم على صداقة متينة معه، ويعصون قرار الحكومة البارحة ووزير المال، فيقررون الإقفال إلى التاسع والعشرين من الشهر الجاري، من دون إحساس مطلق بالمودع وحاجاته من وديعته في زمن الأوبئة والأمراض والحجر في المنزل. ليتخوّف كثيرون من العارفين والمطّلعين بأن يعمد أصحاب المصارف من جديد إلى تحويل ما تبقّى من الأموال مستغلّين الواقع الوبائيّ المرضيّ المستجدّ في سبيل الضغط، لتبدو المصارف وجمعيّتها برئاسة سليم صفير أقوى من الدولة، ولتظهر قرارتها الثابتة فيما قرارات مجلس الوزراء المتحوّلة.
في بيان وتبيين، تطشف مصادر محدّدة بأنّ الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، سعى بكلّ قواه لكي ياتي قرار جمعيّة المصارف سلبيًّا وحازمًا إلى هذا الحدّ. وترتكز تلك المصادر على بيان جمعيّة المصارف كانت شاشة المؤسسة اللبنانيّة للإرسال البارحة قد سربته وكشفت النقاب عنه، ليخرج سليم صفير من صمته ويقوم بنفيه ويعتبر بأنّ هذا التسريب خاطئ في بيان أصدره البارحة، ليتبيّن اليوم بأنّ ما سربته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال كان هو البيان-القرار. وتظهر المصادر بأنّ سعد الحريري، اجتمع بعدد من المصرفيين واتصل ببعضهم، محاولاً إقناعهم بضرورة الإقفال فأقنعهم، وفي بعض الاتصالات كان علاء الخواجة واحدًا من الأفواه المقنعة بحسب ذمّة المصادر. وتقول تلك المصادر بأنّ الرئيس الحريري، الذي خرج من المعادلة السياسيّ بالكامل، والعارف بأنّ الحريريّة السياسيّة قد اندثرت يحاول من خلال ورقة المصارف تعويم نفسه بالضغط الماليّ-السياسيّ، ويحاول أيضًا الغلبة على الثنائيّ الكبير ميشال عون-حسّان دياب بتجويف القرار التاريخيّ الأخير الصادر عن مجلس الوزراء، كما حاول كسر قرار المدّعي العام الماليّ علي إبراهيم، في مسألة القرار الذي أتخذه سواء كان على خطأ أو صواب، وكما حاول كسر قرار القاضية غادة عون بمسالة التحقيق مع الرئيس نجيب ميقاتي ومن ثمّ في مسألة النائب هادي حبيش، وفي كليهما تخشى المصادر بأن يكون سعد قد سجّل نقاطًا واضحة على العهد والحكومة فجاء التجويف أداة تهميش وتهشيم.
تنظر تلك المصادر المعنيّة بريبة إلى هذا الشواذ المحكم والمتحكّم. وتطالب بشدّة وقوّة لكي:
1-يتوقّف تسييس القضاء بصورة جذريّة. وعلى هذا تعقد الآمال على همّة وزيرة العدل ماري كلود نجم، وهي من سلالة حقوقيين كبار من جهة الأب والأم. تسييس القضاء عقبة كأداء بوجه الحقّ وانبثاثه في لبنان. لقد بات لزامًا لكي يواجه القضاء أي عصيان أو شواذ، من أنى أتى. ذلك أنّ التلاشي المقيت الممتدّ بكلّ أبعاده وتوجهاته أوصل القطاعات على أنواعها لكي تبدو "بسلطانها" أقوى من الدولة، ونحن نعلم بأنّ لا شيء يعلو على هامة سيد العهد المريد لكلّ حقّ عادل والعامل على الإصلاح الجذريّ وقد أوضح خطوطها إلى جانب رئيس الحكومة الدكتور حسّان دياب. وهامة الرئيس عون لا تنحني إلاّ للخالق تبارك اسمه.
2-لا يبطل وزير المال الدكتور غازي وزني قراره باعتبار مقررات مجلس الوزراء إخبارًا للقضاء. ذلك أنّ القطاع المصرفيّ في لبنان حياة له وللبنانيين، مثلما القضاء والجيش. لبنان يقوم على ثلاثة أعمدة الجيش والقضاء والاقتصاد بكلّ أنواعه. فكيف تحجم المصارف عن فتح أبوابها في هذا الوقت العصيب بالذات الذي يحتاج فيه اللبنانيون إلى تأمين حاجياتهم من مأكل ومشرب ودواء، أو إلى طبابة، أو إلى القيام بواجباتهم، يقولون بأنّ المواطنين يستطيعون الارتكاز على الآلات الصرفيّة ماذا عن الذين لم يضعوا أموالاً فيها ضمن حساباتهم وهي فارغة، ماذا لو تعطّلت الآلات في لحظة معيّنة، ماذا يفعل المواطنون في مثل تلك الحالة؟ إنّ بيان جمعيّة المصارف الجوابيّ، هشُّ وغير مسؤول ومتوغّلُ بدوره في الاستلشاء بهول الكارثة، حيث زعموا بأنّ الموظفين بدورهم يخشون من انتقال عدوى الكورونا إليهم. ماذا نقول عن الأطباء والممرضات والممرضين حماهم الله وهم في قلب المواجهة مع الكورونا من خلال المبتلين به، ألا يخشون منه، اليست لديهم عائلات وأهل وأسر؟ ماذا نقول عن الجنود والأمنيين حماة الوطن والأمن، ألا يخشون بدورهم من تسلّل هذا العدوّ إلى داخل أجسادهم؟ هذا البيان يورّط المصارف في حمأة ما يبيّتون في تلك اللحظات من سلوكيات، وهم المساهمون بقوّة في ضرب العهد والحكومة وإسقاط لبنان في فراغ قاتل، فيما نحن في قلب العاصفة والحرب الجرثومية مع وعلى كورونا فايروس. واجب المصارف تامين حياة الناس بكرامتهم، وإعادة أموالهم من الخارج تحت طائلة الملاحقة القانونيّة النهائيّة والجذريّة.
3-يصار واستنادًا إلى الفقرة الثانية إلى إبطال مسالة الكابيتال كونترول في هذه الظروف بقوّة القانون والدستور اللبنانيّ. فهذه المالفة فيها مجافاة ومعاكسة للقوانين المرعيّة الإجراء وللدستور اللبنانيّ. إنّ المطلوب وفي لحظة الكورونا فايروس إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأول سنة 2019، وإلاّ فتلعلن المصارف اللبنانيّة عن وضع إفلاسها بحال بدت أنها مفلسة ولتصارح الناس بأسباب الإفلاس، فيما كثيرون من المطّلعين، وقد يكونون على حقّ، يشكّون بحتميّة إفلاس المصارف، ويكشفون عن تواطئ واضح بينهم وبين الصرّافين، إذ إنهم يبيعونهم الدولار بسعر 1515 فيما الصرافون يوم السبت الفائت باعوه ب2500 ل.ل. ولا ننسى بأن حاكم مصرف لبنان أصدر قرارًا بهذا الشأن ولم يلتزم به أحد إلى الآن.
4-ترسم الحدود لوحشيّة الصرّافين الممعنين بالتلاعب بسعر صرف الدولار الأميركيّة، وهم متواطئون بالتكافل والتضامن مع أصحاب المصارف كما أوضحنا في الفقرة 3. هؤلاء يستغلّون خوف الناس وهلعهم من كورونا فيروس ليكثفوا الضغوطات أكثر فأكثر. فهم جزء من هذا الوباء السياسيّ المحارب للبنان وللعهد، والمفترض أن تتم مقاضاتهم أمام القضاء بحقّ وعدل. لا يسوغ إبقاء هؤلاء طلقين بغيّهم وجشعهم، بل يفترض تطبيق القوانين الصارمة بحقّهم.
5-تقوم وزارة الاقتصاد هذه المرّة وبحزم فائق، بكبح جماح وحش الغلاء المهيمن على حياتنا. إن هذا الوحش بقوّته وقدرته يتمكّن من اللبنانيين في أبسط لقمة عيشهم وامتداد حياتهم. إذا رمنا التضامن في مواجهة المرض المتوحّش فابسط المور أن تعمد وزارة الاقتصاد إلى ملاحقة التجار العامدين على استغلال هذا الوضع لتوطيد جشعهم المزري على حساب الناس.
الحكومة برئاسة الدكتور حسان دياب على المحكّ، ومن عرف دولته أكّد بأنّه لا يلين ولا يستكين. هذا بدا منذ اللحظات الأولى لتسلمه رئاسة الحكومة وسيكمل بهذا الحزم الصارم والعادل، حتى يبقى لنا هذا الوطن قويًّا ومتينًا بعهد صلب كالصخر ورئيسه شامخ كالجبل، وحسان دياب سيكون بحقّ منارة مضيئة وحارقة في آن لهؤلاء المتعمّدين على إنهاء لبنان. وليتذكّر سعد الحريري ما قاله والده ذات ما حدا أكبر من بلده. ولبنان كبير بنا جميعًا.
ألا حمانا الله من هذين الدائين. داء الكورونا وداء المصارف والتجار والصرافين، وقدّم لنا جميعًا الخلاص والنجاة.