مع تجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد في لبنان عتبة المئة شخص بناء على الاحصاء الرسمي، في ما عدا اولئك الذين يحملون الفيروس والذين لم تظهر اعراضه عليهم بعد، أو الذين فضلوا الحجر المنزلي من دون الاعلان عن اصابتهم، شعرت الحكومة بالخطر الداهم، خصوصا مع بلوغه صفوف الوزراء اذ تبين ان ممثل شركة “لازار” للاستشارات المالية الذي قابل رئيس الوزراء وعددا من الوزراء مصاب بالفيروس ما استدعى عودته الى بلاده على عجل، وتخوف الوزراء من انتقال العدوى اليهم والى عائلاتهم بحيث بادر عدد كبير منهم الى اجراء الفحوص في اجواء من التكتم.
وفي أطول جلسة له امتدت أكثر من أربع ساعات، أقر مجلس الوزراء توصية المجلس الاعلى للدفاع باعلان التعبئة العامة وحالة الطوارئ الطبية بسبب خطر فيروس كورونا المستجد. ودعا الرئيس ميشال عون الى تعبئة عامة وتضامن وطني لمواجهة الوباء. واعلن رئيس الوزراء حسان دياب التزام التعبئة العامة حتى 29 اذار.
وعرضت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد تفاصيل القرار وفيه: اعلان التعبئة العامة للتأكيد على وجوب التزام المواطنين منازلهم وعدم الخروج منها الا للضرورة.إقفال المطار وجميع المرافئ البحرية والبرية والجوية اعتباراً من الأربعاء وحتى 29 آذار، وتستثنى منه قوات “اليونيفيل” والبعثات الديبلوماسية وطائرات الشحن. اقفال الادارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والمصالح المستقلة والجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والحضانات، وذلك على اختلافها، ويُستثنى من ذلك ما تقتضيه ضرورات العمل. تعليق العمل في المؤسسات والشركات الخاصة والمحلات التجارية ومكاتب أصحاب المهن الحرة مع مراعاة الضرورة القصوى المرتبطة بأوضاع العمل بالتنسيق مع نقابات هذه المهن الحرة باستثناء المطاحن والافران وتصنيع وتخزين المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والشركات والمؤسسات العاملة في مجال نقل البضائع.
وكان المجلس الاعلى للدفاع عقد اجتماعاً قبل جلسة مجلس الوزراء، بدعوة من الرئيس عون الذي استهله “بعرض سريع للاجراءات والتدابير الواجب اخذها في الاعتبار، في اطار الوقاية من فيروس كورونا، بحيث اعتبر ان الحالة اصبحت تؤلف حالة طوارئ صحية تستدعي اتخاذ الاجراءات التي تنص عليها المادة 2 من المرسوم الاشتراعي الرقم 1983/102 (الدفاع الوطني) المعمول به والمتمثلة بالتعبئة العامة”.
ويقفل لبنان مساء اليوم حدوده البرية مع سوريا، ويقلص رحلاته الجوية الى الحد الادنى بعدما الغت دول عدة وجهة بيروت. واعلنت جمعية مصارف لبنان اقفال الفروع الى نهاية الشهر الجاري مع الاستمرار في توفير الخدمات الضرورية والملحة. واقفلت دور العبادة على نطاق واسع.
وقد أحصت منظمة الصحة العالمية حتى مساء أمس 163,080 أصابة بفيروس كورونا المستجد في العالم، و6085 وفاة، بينما تعافى منه 76215 شخصاً.
واذا كان الكورونا صار الشغل الشاغل للجهات الرسمية كما للمواطنين، فانه لا يلغي انتهاء مهلة السماح المتاحة للحكومة لإطلاق المفاوضات مع الدائنين في شأن اعادة هيكلة سندات “الاوروبوند” التي استحقت في التاسع من آذار الجاري، مع فترة سماح تمتد اسبوعاً وتنتهي اليوم. ولم يعد في إمكان الحكومة الاستمرار في قرار تعليق الدفع، بل عليها ان تحسم أمرها في الدفع من عدمه. والاكيد ان لبنان قرر عدم السداد، في ظل تخبط وغموض حول المفاوضات مع الدائنين، ففيما أكد وزير المال غازي وزني ان المفاوضات انطلقت عبر شركات وسيطة، نفى وزير الاقتصاد راوول نعمه الامر، ما يعني عملياً ان لبنان يتجه الى اعلان التخلف غير المنظم عن الدفع، مع ما سيرتبه مثل هذا القرار في ظل عدم وجود أي تقدير رسمي لمحاذيره.
وكان لبنان أعلن السبت 7 اذار “تعليق” سداد سندات كانت تستحق بعد يومين (9 اذار)، في تخلّف عن دفع ديون للمرة الأولى في تاريخه، مع تأكيده السعي إلى التفاوض حول إعادة هيكلة الدين في ظل أزمة مالية تطاول الاحتياطات بالعملات الأجنبية.
ويستحق الدفع اليوم بعد انتهاء فترة السماح، وبذلك يتوجب على الدولة اللبنانية، نظرياً، تسديد 1,2 مليار دولار من سندات “الاوروبوند” وهي عبارة عن سندات خزينة صادرة بالدولار، وتحوز المصارف الخاصة والمصرف المركزي جزءاً منها.
وكان الرئيس دياب أوضح أنّ كامل المبلغ الذي يتوجب سداده في 2020 يبلغ “نحو 4.6 مليارات دولار من سندات الاوروبوند وفوائدها”. وقال: “ستسعى الدولة اللبنانية إلى إعادة هيكلة ديونها (…) عبر خوض مفاوضات منصفة وحسنة النية مع الدائنين كافة”.
أضاف أنّ “قرار تعليق الدفع (…) هو السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف وحماية المصلحة العامة”.