حضرت التشكيلات القضائية في المشهد السياسي بقوة مع رد وزيرة العدل لمشروع التشكيلات الذي أرسله مجلس القضاء الأعلى، مرفقاً بملاحظات لا تتضمن أسماء القضاة كما أوضحت وزيرة العدل، بل تتضمن ملاحظات منهجية تتصل بالمعايير المعتمدة في التشكيلات، وبصورة خاصة عدم مراعاة التوازنات الطائفية، وسنوات الخبرة والدرجات القضائية، واستطلاع رأي وزيرة الدفاع بتشكيلات القضاء العسكري. وتوقعت مصادر على صلة بالملف القضائي أن يدرس مجلس القضاء الأعلى ملاحظات وزيرة العدل، وأن يسعى لملاقاتها في نقطة لا تشكل تعديلاً يبدو أنه يخضع التشكيلات لمعادلات الاسترضاء السياسي، بل يحصّن التشكيلات التي وضعها بتنقيتها من بعض الحالات التي تشكل نقاط ضعف فيها. وتساءلت المصادر عما إذا كانت قضية القاضية غادة عون ستشكل مصدراً لأزمة يرفض مجلس القضاء التراجع فيها ويتمسك التيار الوطني الحر بالمقابل بموقفه منها، ما يفتح العلاقة بين الحكومة ومجلس القضاء على أزمة، بينما تحتاج الحكومة لإثبات صدقية التزامها بعدم التدخل في التشكيلات القضائية، كخطوة في طريق استقلال القضاء. وهذا يحرص رئيس الحكومة على بلوغه في تعاطيه مع الملف، كما قالت المصادر، لأن الحكومة التي تواجه على جبهات عدة وفي ظروف شديدة الصعوبة بغنى عن أزمة يكون عنوانها قابلاً للتحول إلى مصدر اتهام لها بالعودة لسياسة المحاصصة التي التزمت بمواجهتها.
في ملف المواجهة مع فيروس كورونا، حيث سجلت وفية جديدة وبلغت الإصابات 68 إصابة، بقي لبنان في دائرة مقبولة من التصنيف بين دول العالم، حيث المعيار الذي يؤشر للتراتبية في احتواء الفيروس هو نسبة الإصابات لعدد السكان، حيث تحسّن ترتيب لبنان من الرقم 19 إلى الرقم 23، وبقيت دول كبرى تعاني من قدرة أقل على الاحتواء، كما سجل مكانة جيدة قياساً بدول أخرى في المنطقة. ودعت مصادر حكومية لتعامل وطني فوق السياسة مع القضية، لأن التعامل السياسي لا الصحي كان شريكاً في خلق نقيضين لا مصلحة بوضع لبنان تحت تأثيرهما، الأول هو الاستهتار والثاني هو الذعر، والتعامل السياسي الذي مارس الاستهتار والشماتة والتشفي والتنمّر عندما كان المصدر الإيراني طاغياً، انتقل لبث الذعر عندما تغيّرت الصورة لجهة مصادر تسرّب الفيروس، وفي الحالتين كانت المواقف نابعة من الرغبة بالتشكيك بجدية الحكومة وإجراءاتها بدلاً من حال التضامن الوطني التي تفصل بين الوطني والسياسي، خصوصاً أن النسبة الرئسية من النجاح في المواجهة تتوقف على تعبئة الرأي العام بوجه الفيروس عبر التقيد بسلوك وقائي وإجراءات تحفظ السلامة العامة، ولا تفيد تعبئة الرأي العام بوجه الحكومة في تجنيب لبنان المزيد من الأذى.
ودخلت البلاد في حالة شبه الشلل التام مع زيادة منسوب الهلع لدى المواطنين إثر ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا لا سيما أن منظمة الصحة العالمية صنّفته كوباء عالميّ.
وسُجلت أمس، حالة وفاة ثانية بالفيروس في مستشفى بيروت الحكوميّ، وهو مارون كرم عمره 55 سنة. وبحسب المعلومات فإن كرم لم يكن يعاني من مشاكل صحية وقد تبين وفق مكتب وزير الصحة أن جهاز مناعته ضعيف جداً وقد انتقلت اليه العدوى من احد تلامذته الآتي من الخارج.
وأعلن المستشفى الحكومي في تقريره اليومي أن «العدد الإجمالي للحالات التي تمّ استقبالها في الطوارئ المخصّص لكورونا خلال الـ 24 ساعة الماضية: 133 حالة، احتاجت 14 حالة منها إلى دخول الحجر الصحيّ، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي وغادر المستشفى 16 شخصاً كانوا في منطقة الحجر الصحي بعد أن جاءت نتيجة الفحص المخبري سلبية وهناك 18 حالة في منطقة الحجر الصحّي، أما العدد الإجمالي للحالات الإيجابية داخل المستشفى فهو 36». كما لفت التقرير الى أن «وضع المصابين بكورونا مستقر ما عدا حالتين وضعهما حرج، وجميعهم يتلقون العناية اللازمة في وحدة العزل».
في المقابل أعلنت وزارة الصحة عن أول حالة شفاء للمواطنة ر. ز. كانت مصابة بالفيروس وأدخلت الى المستشفى الحكومي حيث تلقت العلاج، وغادرت أمس، بعد التأكد من شفائها التام.
خطورة الأزمة استدعت اجتماعاً عاجلاً لخلية الازمة الحكومية برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب في السرايا الحكومية اتخذت خلاله جملة تدابير وإجراءات وقائية تلاها دياب وطلب «من الإدارات العامة والمؤسسات العامة وضع جدول مناوبة بحد أدنى من الموظفين بما يؤمن سير المرفق العام ومعاملات المواطنين». وأعلن دياب وقف جميع الرحلات الجوية والبرية الى إيطاليا، كوريا الجنوبية، الصين وإيران، ووقف دخول جميع الاشخاص القادمين من الدول التي تشهد انتشاراً للفيروس مثل فرنسا ومصر وسوريا والعراق والمملكة المتحدة وإسبانيا.
وأوضح في هذا الإطار انه تم إعطاء مهلة 4 ايام للبنانيين الراغبين بالعودة والبعثات الدبلوماسية واليونيفيل.
وأشار رئيس لجنة الصحة النيابية د. عاصم عراجي لـ«البناء» الى «أهمية القرارات التي اتخذتها خلية الازمة رغم أنها تأخرت، لكن أن تتأخر خير من أن لا تأتي ابداً»، لكن الأهم بحسب النائب عراجي هو تطبيق هذه الإجراءات من الوزارات المعنية والتزام المواطنين بها وبالإرشادات الوقائية العامة».
وعلمت «البناء» في هذا السياق أن «وزارة الصحة ولجنة الصحة النيابية والمعنيين لمسوا لامبالاة شديدة من المواطنين لجهة الالتزام بالإجراءات الوقائية، اضافة الى أن الوافدين من الخارج لم يلتزموا بإجراءات الحجر الصحي المؤقت».
كما نفت مصادر رسمية لـ«البناء» اتجاه الحكومة الى اعلان حالة الطوارئ وحظر التجول، مشيرة الى أن هذه الخطوة تتخذ وفق تقديرات الجهات الصحية وإذا استدعت الحاجة»، لكن عراجي لفت في هذا المجال الى أنه اذا استمر انتشار المرض بالوتيرة نفسها لمدة 48 ساعة والتأكد من عدم التزام المواطنين بالإجراءات وبالحجر الاختياري فيجب ان تعلن الحكومة حظر التجول لمدة أسبوعين لحصار الفيروس والتقليل من حجم الإصابات مع الإبقاء على محال المواد الغذائية الأساسية مفتوحة لتلبية حاجات المواطنين اليومية». وأمس شهدت المتاجر في مختلف المناطق إقبالاً كثيفاً على شراء المواد الغذائية الأساسية للتموين تحسباً لإعلان حظر التجول وإغلاق المحال التجارية».
كما أوضح عراجي الى أن «الخطورة تكمن في عدم قدرة المستشفى الحكومي على استقبال حالات كثيرة بسبب النقص في الأسرة وغرف العناية والآلات والفرق الطبية».
اما تخصيص مبلغ 3 ملايين دولار من قرض البنك الدولي في مصرف لبنان لدعم المستشفى الحكومي فتبين أنه يحتاج الى «موافقة الواهب او تعديل القانون لتغيير وجهة استعماله».
وتعقد لجنة الصحة النيابية اليوم اجتماعاً طارئاً مع وزير الصحة العامة حمد حسن، للبحث في تداعيات الحد من انتشار الفيروس. واشار رئيس اللجنة لـ«البناء» الى ان «اللجنة ستطلب زيادة الدعم للمستشفى الحكومة لانه يمثل خط الدفاع الصحي الاول لا سيما بآلات التنفس والأسرة والفرق الطبية».
ودعا عراجي المستشفيات الخاصة الى «عدم الوقوف متفرّجين إزاء هذا الخطر الصحي الوطني والعالمي، وان كانوا يتذرّعون بخطر انتقال العدوى الى مرضاهم لرفض استقبال حالات مصابة بالكورونا فالحد الأدنى من الواجب الوطني ان تقدم دعم ومساعدات متعددة كالآلات والمعدات التقنية والفرق الطبية وغيرها».
بدوره، أشار رئيس لجنة الصحة الأسبق د. اسماعيل سكرية لـ«البناء» الى أن «مرحلة انتشار المرض خطيرة وتحمل معها ظهور أضعاف من الاصابات نتيجة الاحتكاك بين الاشخاص في المنازل والأماكن العامة ودخول عدد من الاشخاص من دول عدة في الخارج براً او جواً يحملون فيروس كورونا»، واوضح سكرية أن «التدابير الحكومية جيدة وتؤدي الى الحد من انتشار المرض لكن تطويق المرض او احتواءه أمر في غاية الصعوبة بعد تفشيه في المجتمعات وإصابة عدد كبير من المواطنين اضافة الى عدم تقيد المواطنين التام بإجراءات وزارة الصحة والارشادات العامة». وبين أن «اعتبار منظمة الصحة العالمية المرض كوباء عالمي دليل على خطورته وضرورة تعاون كافة المؤسسات الحكومية والبلدية والمجتمع المدني لمواجهته»، مضيفة أن «ايطاليا اتخذت كافة التدابير الصارمة والحازمة لمواجهة المرض، لكنها لم تتمكن من القضاء عليه او وقف انتشاره».
وحذّر سكرية من امكانية دخول بعض المختبرات ذات السوابق على خط فحص PCR لكورونا بإغراء تسعيرة مخفضة، والتي كانت تعطي نتائج مطمئنة لفيروسات الكبد B&C كما السيدا، تاركة حامليها للتحرك «قنابل اجتماعية موقوتة»، داعياً الى «تشديد الرقابة عليها والتشدد في محاسبة من يتورط بأعمال «جرمية» كهذه تهدد صحة المواطن والوطن».
وأعلنت لجنة مستخدمي ومتعاقدي وأجراء المستشفى الحكومي في بيان الإضراب الفوري والتوقف عن العمل بدءاً من صباح اليوم على أن تعلن موقفها لوضع النقاط على الحروف وشرح وضع الموظفين ومعاناتهم اليومية.
وفيما غاب النشاط السياسي والحكومي عن الواجهة بسبب الانشغال الرسمي بمواجهة مرض الكورونا، برز الى الواجهة ملف التشكيلات القضائية، بعد إرسال مجلس القضاء الأعلى المرسوم الى وزارة العدل. وسط معلومات تحدّثت عن رفض بعبدا لعدد من المناقلات والتشكيلات وعدم مراعاتها للمعايير الموحدة والموضوعية واستبعاد بعض القضاة السابقين كالقاضية غادة عون.
وبحسب قناة «ال بي سي» فإن «وزيرة العدل ماري كلود نجم ردت مشروع التشكيلات القضائية الى مجلس القضاء الأعلى مع 3 ملاحظات رئيسة. والملاحظات هي، عدم اعتماد المعيار الطائفي، وإعادة النظر بمعايير توزيع القضاة، وعدم إعطاء وزيرة الدفاع رأيها باختيار قضاة المحكمة العسكرية». إلا أن الوزيرة نجم أوضحت أنه «لم يحصل أي ضغط أو تدخل معي بموضوع مشروع التشكيلات القضائية الذي فيه الكثير من الايجابيات ولم أرد المشروع بل أبديت ملاحظات عليه. وهذا من واجبي».
وكررت القول إن «وزير العدل ليس صندوق بريد ومن واجبه ان يقوم بالاطلاع والتدقيق وإعطاء الملاحظات، والبعض يظن انها تدخل سياسي، ولكن هو في طبيعة الحال باب للتحسين». وأشارت نجم الى انها «وجهت كتاباً لمجلس القضاء الاعلى، اعطت من خلاله الملاحظات»، وشددت على انها «لم ولن نتدخل بتاتاً بموضوع الأسماء، وانا لست بمواجهة مع مجلس القضاء الأعلى، ولكن يجب الذهاب الى ابعد من هذا الامر، ومجلس القضاء هو من يضع الاسماء والملاحظة التي طرحتها تتعلق بالمعايير الموضوعة».
وإذ لفتت معلومات «البناء» الى أن مجلس القضاء الاعلى وضع التشكيلات بمعزل اي تدخلات سياسية مراعياً التوازنات المعروفة والسائدة مع احترام مبدأ الكفاءة والنزاهة، استغربت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» «الحملة السياسية والاعلامية على وزيرة العدل، وذلك بهدف استهداف رئيس الجمهورية وتحميله مسؤولية التدخل في التشكيلات او عرقلتها»، مشيرة الى أنه على جري العادة أن يعرض مجلس القضاء التشكيلات على وزير العدل الذي يبدي ملاحظاته في أغلب الأحيان، فلماذا التركيز على ذلك اليوم».
وأوضح وزير العدل السابق د. ألبير سرحان لـ«البناء» الى أن «التشكيلات القضائية باب أساسي للإصلاح القضائي ولمكافحة الفساد، لكن شرط ان تحترم معايير الموضوعية والكفاءة بعيداً عن المؤثرات والتأثيرات الخارجية أو ما يسميها البعض محاصصة ومحسوبيات وطائفية وسياسية». فالهدف من التشكيلات التي تعتمد بصورية دورية بحسب سرحان «وضع القاضي المناسب في المكان المناسب وثانياً ضخ دم جديد ونشاط في عروق هذا المرفق القضائي الأساسي في بناء الدولة وتكريس العدالة».
واوضح أن «إعداد التشكيلات من صلاحية مجلس القضاء الأعلى لكنه يصدر بمرسوم عادي يوقعه وزير العدل ويحيله لوزير الدفاع بموضوع قضاة المحكمة العسكرية والى وزير المالية لانه يرتب نفقات ومترتبات مالية ثم يحال الى رئيس الحكومة ثم الى رئيس الجمهورية»، موضحاً أن «التشكيلات مرسوم عادي لا يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء».
وأوضح سرحان أن «وزيرة العدل امامها خياران: إما توقيع المرسوم ليأخذ مجراه القانوني وإما إبداء ملاحظات عليه. وفي هذه الحالة مجلس القضاء الاعلى أمام خيارين: إما الأخذ بملاحظات الوزيرة إذا ارتأى ذلك مناسباً وإما يستطيع رده عبر التصويت بأكثرية 7 من أعضائه، وبالتالي يحال المرسوم فوراً الى رئيس الحكومة ليوقعه ثم الى رئيس الجمهورية».
السيد نصرالله يطلّ مساء غد
يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء يوم غد الجمعة ليتحدّث عن آخر المستجدات والتطورات.