بعد إعلان الدولة اللبنانية قرارها عدم سداد الديون المستحقة اليوم والتفاوض لإعادة جدولتها، من المنتظر أن يحمل الأسبوع الحالي جملة تطورات على جبهات عدة. إذ من المرتقب أن تظهر التداعيات الداخلية والخارجية للقرار الحكومي في موازاة البدء بترجمته عبر انطلاق جولة التفاوض بين الشركات الممثلة للدولة والشركات الممثلة للدائنين للاتفاق على آليات إعادة الجدولة.
أما التطور الثاني فهو إعلان جملة إجراءات إصلاحية كما نُقل عن رئيس الحكومة حسان دياب في اطار الخطة الإصلاحية الاقتصادية التي تنكبّ الحكومة على إعدادها وإعلانها والبدء بتطبيقها. كما من المتوقع أن تظهر وجهة جولة الزيارات التي يعتزم الرئيس دياب القيام بها خلال الأسبوع المقبل.
وفي أول موقف دولي من قرار الحكومة بدّد حملة التهويل التي سوقت لها قوى سياسية ووسائل إعلام بالتبشير بتداعيات كارثية فور إعلان القرار. أشار المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش على تويتر الى أن «الكلام الصريح للرئيس دياب حول فشل النموذج الاقتصادي السابق يفتح المجال أمام الخروج من الأزمة. أشجع الدائنين على العمل مع الحكومة لتفادي التخلف عن السداد غير المنظم بعد تعليق دفع سندات اليوروبوند التي تستحق في 9 آذار التي تمليها حالة البلاد الحرجة».
وأثار قرار الحكومة جدلاً مالياً وسياسياً واسعاً وانقساماً بين القوى السياسية. وإذ لم يصدر موقف رسمي من الرئيس سعد الحريري أو من تيار المستقبل انتقدت مصادر المستقبل كلام دياب واستمرت في ضخ أجواء تشاؤمية لجهة إمكانية الخروج من الازمة مقللة من أهمية القرار بإعادة جدولة الديون السيادية، معتبرة أن الحكومة لم تقدم خطّة متكاملة للنهوض وأن عمليّة الخروج من الوضع الحالي شبه مستحيلة وتتفوّق على قدرة حكومة حسان دياب». في حين رأت مصادر «البناء» أن «سلوك تيار المستقبل من حكومة دياب واضح وهو محاولة عرقلة عملها قدر الإمكان من دون أن يظهر ذلك علناً امام الرأي العام»، مضيفة أن «دياب يعمل على إصلاح الأخطاء والسياسات العشوائية والفوضوية للحكومات المتعاقبة ولا سيما حكومات الحريري والسنيورة والرئيس نجيب ميقاتي»، متسائلة: هل تمكنت حكومات الحريري من تحقيق إنجازات اقتصادية ومالية كي تتهجم على حكومة دياب اليوم»، مضيفة: من الذي وفر الغطاء السياسي والحكومي لسياسات حاكم مصرف لبنان وتمادي المصارف في نهب أموال اللبنانيين؟ ومن الذي يستمر اليوم في الدفاع عن دولة المصارف؟ أليس الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط اللذان رفضا قرار المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم لضبط تمادي المصارف؟».
اما الحزب الاشتراكي فلم يصدر عنه موقف رسمي، إلا أن عضو «اللقاء الديمقراطي» فيصل الصايغ أوضح في تصريح أنّ «دياب أعطى برنامجًا إصلاحيًّا بعموميّة كبيرة، ويشبه كل البرامج المطروحة في الحكومات السابقة، الّتي انتقد الأخطاء الّتي ارتكبتها».
وبرز موقف للقوات اللبنانية مؤيد للقرار الحكومي ومنتقداً سياسة رياض سلامة والمصارف، إذ أكّد عضو تكتل القوات النائب جورج عدوان، أنّ «قرار دياب بعدم دفع سندات «اليوروبوند كان صائبًا، ولم يكن هناك أي خيار آخر، والسبب أنّهم أخفوا الحقيقة». ولفت الى أنّه «كان يجب على حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة أن يوقف تديين الدولة، ويقول إنّني وصلت إلى مكان لم يعد يمكنني التديين، لأنّه أصبح هناك خطر على الودائع المصرفية وعلى الوضعين المالي والنقدي».
وأيد التيار الوطني الحر القرار الحكومي، وأعلن في بيان أن «ضبط القِطاع المصرفي لا يستهدف إطلاقاً وضع اليَد عليه أو إقفاله بل لجم جشع البعض فيه وتحميل هذا البعض قانونياً مسؤولية أي ارتكاب قاموا به على حساب مصلحة الدولة والمودعين اللبنانيّن، واستعادة الأموال المُحَوَّلة إلى الخارج أو المَوهوبة، وذلك من خلال القضاء العادل غير المسيَّس، لا من خلال إجراءات عشوائية تبدو كأنها ثأريّة».
أما حزب الله، فأعلن على لسان عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق أن «البلد كان على حافة الانهيار، والحكومة بادرت إلى اتخاذ قرارات جريئة مالياً واقتصادياً وقضائياً لإنقاذ البلد، والمطلوب أن لا يعرقل أحد عملها، وإذا كان هناك من لا يريد أن يساعدها من بعض القوى السياسية، فعليه أن لا يعرقل وأن لا يحرض، علماً أن بعض القوى السياسية تراهن على فشل الحكومة حتى لو كان ثمن ذلك انهيار البلد، وهذا أبعد ما يكون عن المسؤولية الوطنية». وأكد أن «حزب الله يرحب بأي مساعدة خارجية شرط أن لا يتم التسلل لفرض وصاية وهيمنة خارجية على لبنان، فنحن لا نريد أن نرهن اقتصادنا ومجتمعنا ومستقبل أهلنا لجهات خارجية، وفي الوقت نفسه حريصون على الإصلاحات التي تشجع الجهات الخارجية على تقديم المساعدات. لبنان دخل في مرحلة جديدة، لأن الحكومة تعمل بنهج جديد ورؤية جديدة تضع لبنان على مسار الاقتصاد المنتج صناعياً وزراعياً، للخروج من أزماته».
وأكد الرئيس دياب أمس، مواصلة العمل من أجل معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية. وقال خلال لقاء جمعه مع رؤساء مجالس ادارة ومسؤولي محطات التلفزة اللبنانية للبحث في الوضع الإعلامي والتعاطي مع الازمات الراهنة: «إن موضوع سندات «اليوروبوندز» اصبح في ملعب الدائنين الأجانب والمصارف اللبنانية، وستقوم الحكومة بالتفاوض معهم للتوصل الى حل مناسب يُرضي كل الاطراف، ويضع اسساً جديدة للتوصل الى آلية للخروج من الازمة الراهنة».
وكان قصر بعبدا شهد السبت الماضي سلسلة اجتماعات ولقاءات بدأت باجتماع سياسي مالي ترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حضره رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة وعدد من الوزراء وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف والشركات المالية وبعض المستشارين. ثم تلته جلسة لمجلس الوزراء برئاسة عون استهلت بعرض للواقع المالي والنقدي تولاه الاستشاريون الدوليون الثلاثة والمسؤول عن التواصل وأجابوا على بعض أسئلة واستيضاحات الوزراء ثم ناقش المجلس بالتفصيل مسألة اليوروبوند في ضوء عرض الخبراء. وتم اتخاذ القرار بالإجماع بحسب ما علمت «البناء» ولم يبحث المجلس بموضوع الضرائب ولا بالخطة الاقتصادية على أن يُصار الى دراستها لاحقاً ومناقشتها في جلسات متتالية للحكومة في السرايا الحكومية.
ويعقد مجلس الوزراء جلستين هذا الأسبوع يحدّد موعدهما بالتشاور بين رئيسي الجمهورية والحكومة، الاولى عادية بجدول اعمال، والثانية لاستكمال البحث بالاوضاع المالية والاقتصادية. وعلمت «البناء» ان التفاوض مع الدائنين سينطلق اليوم فور تبلغهم قرار الحكومة. كما علمت أن «الشركات الممثلة للدائنين باتت مقتنعة بالتفاوض ومتفهمة لقرار الدولة اللبنانية كما أن المجتمع المالي الدولي متفهم أيضاً وسيشجّع الدائنين على التفاوض»، فيما أشار خبراء الى أن «لا مصلحة للدائنين بسلوك طريق مقاضاة الدولة لعلمهم أنها لن تصل الى نتيجة بل المصلحة تقتضي التفاوض مع الدولة لتحصيل اموالهم ولو بعد حين لا سيما أن كلام دياب شكل مصدر اطمئنان للدائنين وللمجتمع الدولي بأن الدولة ستدفع ديونها عندما تتمكن من ذلك». كما لفتت مصادر الانتباه لكلام دياب بأن الدولة ستنفق من إيراداتها الداخلية ما يعني توقف الحكومة عن الاستدانة.
وفي غضون ذلك، يتزايد الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي ودمج مصارف مع اخرى لتجنب إفلاسها، ولفت خبراء اقتصاديون إلى وجود «ما يزيد من 60 مصرفًا لأربعة مليون لبناني، ودمج المصارف ممكن، أي أن تُصبح المصارف المتعثرة أكثر من غيرها، مستحوذة من مصارف غير متعثرة». وأوضحوا أنه «بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والنقديّة وانكشاف المصارف على الدين السيادي والقروض المتعثرة، أصبحت رساميل المصارف صفراً، لأنّ رساميل المصارف هي تقريبًا 20 مليار دولار، والخسائر المحقّقة وغير المحقّقة بسندات الدين والقروض المتعثرة تفوق الـ20 مليار دولار». كما لفتوا الى أنّ «الدمج ليس كافياً، وعلى المصارف مواكبة الدمج بإعادة رسملة».
على صعيد أزمة كورونا، أعلن مستشفى بيروت الحكومي الجامعي، في تقريره اليومي عن تسجيل 4 إصابات جديدة بالفيروس، وبالتالي ارتفاع عدد الحالات الإيجابية في لبنان إلى 32 مصاباً: وضع 29 منهم مستقر، و3 في وضع حرج. وأكد أن «وضع المصابين بفيروس كورونا المستجد مستقر ما عدا 3 حالات وضعها حرج، وجميعهم يتلقون العناية اللازمة في وحدة العزل».