الحالات الـ 31 التي ثبُتت إصابتها بفيروس الكورونا في لبنان، تؤكد ما كان يُخشى منه وما كانت حذّرت منه جريدة “الأنباء” منذ أيام، فقد بات هذا المرض اليوم للأسف محليّ الانتشار أو ما يعرف بـ local circulation، وأصبح بحكم الضروري جدًا التشدد في كل الإجراءات والتوصيات التي اتخذتها اللجنة الرسمية المكلفة متابعة هذه الأزمة، وفي مقدمة ذلك تخصيص مراكز للفحوص والعزل الصحي في المناطق، وتعميم بل فرض إجراءات الوقاية، وتعقيم الأماكن العامة والمؤسسات والسجون، وتضافر الجهود في تتبع المصابين ومحيطهم، والمراقبة الدقيقة عبر كل المعابر، بالإضافة الى جهود المجتمع الأهلي في السعي لدفع المواطنين إلى وقف الاستهتار بأهمية الوقاية وبتنفيذ التعليمات، حيث بدا هذا الاستهتار في قمته لدى عدد كبير من الملاهي والحانات التي قررت كسر قرار وزارة السياحة بالاقفال، ما اضطر القوى الأمنية إلى إقفالها بالقوة.
وما زاد من تعقيد الأمور تأكيد منظمة الصحة العالمية أن الفيروس ليس موسميًا، ما يعني أن التهديد الصحي لن ينتهي مع بدء فصل الدفء، فيما حذرت جهات طبية عبر “الأنباء” من مغبة إنتقال المرض فجأة في لبنان من حالة الانتشار الى حالة الوباء وذلك بعد تزايد عدد الإصابات المكتشفة بنسبة الثلث تقريباً في غضون 24 ساعة، واعتبرت أن ذلك بمثابة الإنذار الأخير لأنه بحالة تفشّي الوباء لن تكون مجدية على الإطلاق الإجراءات المتخذة حتى اللحظة، وسيكون الوقت متأخرًا للانتقال الى خطوات أعلى، داعية الى التحرك الرسمي على كل المستويات لمؤازرة وزارة الصحة ودعم المسشتفيات بما يلزم من أجهزة ومواد طبية، وتنفيذ التوصيات المعمول بها في مثل هذه الحالات قبل فوات الأوان.
وفي تحدٍّ آخر يواجهه لبنان، أثار قرار الحكومة تعليق دفع سندات اليوروبوند التي تستحق في التاسع من الحالي، ردود فعل مختلفة من القوى السياسية، رغم أن رئيس الحكومة حسان دياب ربط قرار تعليق الدفع بمفاوضات مع المدينين، وبقرارت إصلاحية تنوي الحكومة اتخاذها، وقد اتسم خطابه بإطلاق الوعود دون أن يقدم أي اقتراح واضح بشأن ما تنوي الحكومة فعله في هذا السياق.
وتعليقاً على ذلك أكد عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله لـ”الأنباء” أنه “من الواضح أن هناك إرباكاً في السلطة على كل المستويات، وأن كل المحاولات التي قامت بها الحكومة من خلال استشارة صندوق النقد الدولي والاستعانة بمستشار قانوني لم تصل إلى نتيجة”، كاشفاً أن المصرف المركزي كان يميل إلى دفع السندات “لأن لا مصلحة للبلد بالذهاب نحو المجهول”.
وقال عبدالله: “كان يجب أن يكون هذا القرار بالاتفاق مع المؤسسات الدائنة على جدولة الدين، لأنه بدون ذلك نكون قد وضعنا البلد في مكان لا يحسد عليه، خصوصاً وأن لا إصلاحات فعلية بنيوية في اقتصادنا”، مشيرًا إلى أنه “ليس المهم إن ننعي الحقبات السابقة، بل المهم تصويب الهدف للمرحلة المقبلة، لأن جزءًا من الذين هم إلى جانب دياب اليوم كانوا جزءًا أساسيًا من المرحلة السابقة ويتحملون المسؤولية”.
ولفت عبدالله في حديثه إلى أن “البلد بحاجة إلى أموال وسيولة؛ فمن أين ستأتي بها الحكومة؟”، وإذ جدد موقف الحزب التقدمي الإشتراكي الذي لا يتحمس لدور صندوق النقد الدولي، إلا أنه لفت إلى أنه “ربما يكون الصندوق أهون الشرّين، لأنه من الواضح أن لا أحد يريد مساعدة لبنان، وإذا لم يتأمن المال فكيف تحل الأزمة؟ هذه الأزمة لا تحل إلا بضخ مليارات لا ملايين، وللأسف ليس لدينا خيار إلا صندوق النقد حتى ولو كانت إجراءاته قاسية، اللهم إلا إذا كان لدى الحكومة خيارات أخرى”. وقال: “نحن أعلنّا تعليق الدفع ولكن ماذا غدا؟ ماذا لو تم الحجز على الأموال والممتلكات العائدة للدولة، فهل نصبح دولة فاشلة؟”.
واستغرب عبدالله كيف أن الحكومة كانت طلبت في البداية مساعدة صندوق النقد، ثم عدلت عن ذلك، وسأل: “أين الخطأ لو تفاهموا على رزمة إصلاحات؟ لأنه حتى لو نفذت الحكومة إصلاحات في القضاء والكهرباء ووقف الهدر فهذه الأمور تتطلب أشهرا طويلة فيما نحن بحاجة لمعالجة الأمر خلال أيام وأسابيع. وإذا كنا نعرف القلق من ارتباطات صندوق النقد ونحن الأكثر قلقاً حيالها، لكن لماذا لا نفاوضه بالحد الأدنى على ما هو مقبول وما لا يستهدف الطبقات الفقيرة؟ نحن نواجه حجراً مالياً من كل الجهات، وكنا ولن نغير قناعتنا السياسية ولسنا متحمسين لصندوق النقد، ونعرف حساسية الأمر لدى حزب الله، لكن لماذا لا تكون لدينا الجرأة للتفاوض على شروط مقبولة وبما يناسب البلد لكي نتجنب الخيار الأمرّ ولنعمل معاً لإنقاذ البلد”.
بدوره القيادي في “تيار المستقبل” مصطفى علوش قال لجريدة “الأنباء” إن قرار تعليق دفع السندات كان متوقعاً ولم يفاجئه، “لكن ما هي الخطة البديلة؟ وأين هي الهندسة المالية التي قامت بها الحكومة؟ وماذا كانت نتيجة المفاوضات مع صندوق النقد؟ وماذا قد يحصل؟”. وتابع: “كل ما عرفناه أن الحكومة علقت الدفع، لكن ماذا بعد؟ ولا زلنا نلف وندور في نفس الحلقة المفرعة، ولم نضع إصبعنا على الجرح بعد”، وتابع: “اذا كانت الحكومة تعرف أنها مفلسة، فكيف ستنقذ الوضع؟
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبي قاطيشا قال: “ليت دياب يخبرنا كيف سيصلح البلد وكيف يبدأ بالإصلاح دون مال، وهو يعرف حق المعرفة أين يوجد المال؟ وبررت المصادر في حديثها لجريدة “الأنباء” خطوة الحكومة “بعدم وجود احتياط مالي كافٍض للدفع بسبب الضرورة الملحة لتأمين احتياجات الناس في ظل الأزمة الراهنة. إذ هناك المهم وهناك الأهم، والأهم اليوم تأمين المال لشراء القمح والدواء والفيول، دون أن يؤدي ذلك إلى أزمة مع الجهات المُدينة طالما الحكومة مستعدة للتواصل معها لإعادة جدولة الدين”.
التيار الوطني الحر بدوره وصفت مصادره في اتصال مع “الأنباء” خطوة الحكومة “بالجريئة التي ستعقبها حملة إصلاحات يكشف عنها دياب الأسبوع المقبل”، وقالت إن “التيار ليس متخوفا من ردات فعل سلبية على خطوة الحكومة لأن الأخيرة على تواصل مع الدائنين من أجل إعادة البحث في الجدولة لهذه الديون”.