2024- 11 - 21   |   بحث في الموقع  
logo ترحيب أوروبي بقرار الجنائية الدولية.. ونتنياهو يعتبره "معادياً للسامية" logo مخاوف إسرائيلية من مذكرات اعتقال بحق ضباط في الجيش logo ليبيا: غرق عشرات السوريين.. بانقلاب قارب هجرة غير شرعي logo المفاوضات في إسرائيل على وقع المجازر في لبنان logo عام على اغتيال فرح عمر وربيع معماري: العدالة غائبة logo عبد المسيح زار جمعية “العين” في دده الكورة logo عبر الهاتف... مصر وإيران تبحثان الأوضاع في لبنان وغزة logo غالانت: قرار "الجنائية" يضع إسرائيل وحماس في نفس الصف
كلمة نقيب المحامين بيروت‎
2020-03-05 16:49:40

كلمة نقيب المحامين ملحم خلف

في رثاء نقيب المحامين السابق عصام كرم

كنيسة سيدّة التّلة، دير القمر، في 5/3/2020

 

************

نســــــرٌ هَــــــــــــــوى

 

رَحَلَ عصام كرم،

رَحَلَ النقيب،

هَوتْ أرزةٌ، مِنْ أرز لبنانَ، مِنْ لحمٍ ودَمٍ.

انكسرتْ سنديانةٌ، مِن غاباتِ دير القمر، مِنْ قِيَمٍ وعِزٍّ.

طارَ نَسْرٌ مِنْ نقابة المحامين، طارَ، طارَ، طارَ... ثمّ هبطَ... ماذا تستطيع أنْ تفعل النُسورُ في عالمِ الأقدارِ والصُدفِ العمياءِ والأَعمارِ المحدودةِ؟

لم يودّعْ، بل ابتسمَ بوداعةِ البسطاءِ الطيبّينَ، ومشى. حَمَلَ شمخةَ الرأسِ وأصالةَ الجبلِ وأنينَ الجراحِ، وانسحبَ الى المستحيل.

 

          "فإذا كانتِ النفوسُ كباراً         تَعَبتْ في مُرادِها الأجسامُ"


أيّها الأحباء،

ويموت الإنسان... من الطبيعي أنْ يموت... وهذه هي إرادةُ الله....

ويرحلُ عصام كرم، ليرقدَ في أرضِ دير القمرِ التي أحبَّ، متظلّلاً ببركة "سيّدة التّلة" وجوارِ "مُرَبَّع" كرم ملحم كرم الذي رمَّمَهُ واستطابَ السُكنى فيه...

يصمتُ عن الكلامِ سيّدٌ من أسيادِ الكلامِ، يغيبُ وجهُهُ، يديرُ ظهرُهُ ويمشي...

وماذا تَبَقَّى؟

تَبَقَّى الكثير...

وحدَه المحامي- المحامي يموت، ولا يدري أنَّه يترُكُ نُتَفاً هنا، ونُتَفاً هناك...

وحدَه المحامي- المحامي يتوزّعُ حضوراً وشهاداتٍ ومواقفَ وذِكرياتٍ وأسماءَ وصوراً وحكاياتٍ...

وحدَه المحامي- المحامي يتفعّلُ، حياةً وموتاً، وفي حضوره انتصارٌ على الحياةِ والموتِ.

فكيف إذا كان، هذا الراحلُ، نقيباً للمحامين؟

فكيف إذا كان هو عصام كرم؟

أليس بعضُ الأنامِ يرحلون وينتهون والسلامُ عليهم؟...

وبعضُهم يرحلون، وفي رحيلهم حضورٌ عجائبيٌ غريبٌ؟...

فكأنَّهم يرحلون عناّ ولا يرحلون منّا؟...

النقيب عصام كرم، كان من هؤلاء، ذاك الضميرُ الذي لا يغيب. 

أيّها الأصدقاء،

كثيرون منكم يعرفُ النقيب عصام كرم، فلن أُعرّف به.

كثيرون تعلموا على يديه، ومِنْ قلبِه، فلن أُعلِّمَكم إياه.

كثيرون رافقوه، صاحبوه، ساهروه، سمروا معه، وهمْ الأدرى بطيبِ مجلسِهِ.

دعوني فقط أقول: هذا الرجل النقيب-المعلّم، هذا العنقودُ العتيقُ، في أطيبِ عرائشِ نقابةِ المحامين، هذا المثقَّفُ المُثقِّفُ، على خَفَرٍ ووداعةٍ، هذا الموسوعةُ المُتنقلةُ، هذا النبيلُ الكريمُ يُعطي ولا مِنَّة، عاش على ثلاثة: القلم، الكلمة، الحقّ.

فكان رَجُلَ الصّفاتِ الإستثنائيَّةِ المميَّزة:

رجلَ الحقِّ، فلا يُهاونُ ولا يُهادنُ، ولا يختبئُ وراءَ إصبعٍ أو حجابٍ.

رجلَ الشجاعةِ، مهما كانت مُكلِفةً ومُتعِبَةً.

رجلَ البذلِ، لا يَكِلُّ ولا يتعبُ، لا يهدأُ ولا يستريحُ، هَمُّهُ أنْ يُعْطِيَ ويجودَ متحدِّياً قهر الزمان.

رجلَ الصلابةِ والعِنادِ، يَجْهَرُ في وجه الظُّلمِ والفَسادِ والوصوليةِ، فلا أنصافَ حلولٍ لديه ولا استسهالَ مواقفَ، يَغضَبُ، يَصرُخُ، ولا ينحني...

الرجلَ الصعبِ في زمن التراخي والنِفاقِ، وتؤخذُ عليه الصعوبةُ، فإنْ انتُقد بها، كانت وساماً، على صدره.

رجلَ الصبرِ والجهادِ، فلا تذمّرَ او إستلشاقاً، يَعِدُ وَيفي، يتحمّلُ المسؤولية ويؤدي الدورَ تماماً.

رجلَ النُّبلِ والشّهامةِ، يُساندُ زملاءَهُ وأصدقاءَهُ في كلّ حينٍ، مهما كانت التضحياتُ كبيرة. 

رجلَ الكِبرياءِ، صوتُهُ يُجلجل بالحقِّ، وأعصابُه ثورةُ تمرُّدٍ، وكأنّ بعضَ بطولاتِ أبناء الجبلِ تسكنُ مواقِفَه، أبيٌّ كما الضمير، نقيٌّ كما شجرةُ زيتونٍ على سفوح دير القمرِ، يَعْصِفُ إنْ لمح استخفافاً، ولا يُمهلُ أو يُهملُ.  

أيّها الراحل الكبير،  

عصام كرم، أنت العِظاميُّ والعِصاميُّ في آن.

أنت النقيبُ الإنسانُ المتكاملُ والمحامي الذي يُجسّدُ شرفَ المحاماة.

رَحِمَ الله والدَكَ كرم ملحم كرم، الذي أورثكَ الحسبَ والنسبَ وهداك إلى رياض المحاماة والأدبِ غرسةً باسقةً نعتزُّ بها نحن زملاءَكَ وذويكَ ومواطنيكَ، فبقيتَ طوالَ حياتك على قول والدِك: "علَّمتني الحقيقةُ ان أَكرهَها فما استطعتْ".

لقد تآختْ في شخصك المحاماة وموهِبَةُ الأدبِ واللغةِ، وعَلَقَ على صدورِ صفحاتِ الصُّحفِ، ما سال عليها من نفثاتِك، واستقرَّتْ على جُدرانِ قاعاتِ دُورِ العدلِ، أطايبُ أنفاسِكَ.                                 

سألتُ نفسي غير مرّةٍ أيُّ حُسنٍ أَكْمَلُ فيك: عقلٌ نيّرٌ أو لطفُ حديثٍ، أو صِدقٌ، أو وفاءٌ وولاءٌ لا حدودَ له، للوطنِ، للمهنةِ، للنقابةِ التي نذرت نفسكَ لها؟... هو كلُّ هذا بل أكثر....    

نلجأُ إليكَ، عند كلِّ صعوبةٍ، فإذا أنتَ رجلُ المَشُورةِ وصاحبُ القرارِ.

تقفُ، تعظُ، تتكلمُ، تترافع على المنابرِ، على أقواسِ المحاكم، في مجالس النقابةِ والتقاعدِ وخارجَهُما... وكنَّا نحن نكادُ نتسابقُ الى القول: كونوا في سكوتِ، أيّها الحاضرون. فنسمعَ كلماتِك التي كانت إشراقةً في وجهِ العتمةِ، قوّةً في وجهِ الظُلْمِ، رُقيّاً في أزمنةِ التخلُّفِ والجَهْلِ. 

لَكَم سَعِدتُ يومَ السبتُ الماضي، وقد تقصّدتَ قُبيل انتهاء الخلوة النقابية، مناداتي باسم "ملحم" تحبّباً - وكأنّك العالم أنّه اللقاءُ الأخيرُ - وقد قُلتَ لي إنّه يطيبُ لك مناداتي باسمِ شقيقِكَ، رحم الله النقيب ملحم كرم، لِمَا أكنُّ لكَ مِنْ مودّةٍ وتقديرٍ، ليتني أستحُقُهما... فأُعاهدُكَ، أنْ أبقى أميناً على وصاياكَ وإرشاداتِكَ وتعاليمِكَ، يا أشرفَ الراحلين. 

أيّها الزميل الآدمي،        

أنا أعرفُ تماماً حُبَّك الكبيرَ للبنان. 

وقد قلتَ في مقالٍ لك بعنوان "Vox populi Vox dei"، في شهر كانون الأوّل 2019:

"...نريد حُكم الأوادم! هكذا قال الشعب. وصوتُ الشعبِ هو صوتُ الله!"

فأُؤكّد لك، مستعيناً بروحك الطاهرة:  

إنَّ لبنانَ الموعودَ آتٍ، إنْ لم نصنَعْهُ نحنُ، اصطنَعَهُ لنا الآخرون!...

سيصنَعَهُ الأوادم ولا أحد غير الأوادم!...مهما طال الزمن!...

لا النصّابين، لا الوصوليين، ولا الإنتهازيين!...

والأوادم أمثالُكَ، هم، ليسوا نوادرَ، في دير القمر، وفي الشوف، وفي لبنان والمهجر... بمثلِ هؤلاء، سيكون لنا وطنٌ، والوعدُ ليس بعيداً.

يا أكرم الراحلين،

لقد أعطيتَ من قلبِك، فخذْ مِنْ قلوبنا لك مسكِناً. 

       إذ أتشارك ومجلس نقابة المحامين الأسى والحُزنَ مع ذويكَ الأكارم وسائرِ عارفي فضائلِكَ ومحبِّيكَ، أنحني أمام نعشِكَ تقديراً ومحبّةً، وأقول:

إذا كان الأمواتُ يعيشون بقدر ما يُحبُّهم الأحياءُ، فما أبقاك يا عصام، يا نقيبَ المناقب.  

أمّا نحنُ، ففي لحظتنا الموجعة الكئيبة، يحقُّ لنا أنْ نَبْكِيَ، لأنّنا نُحِبُّك...

 

دير القمر، في 5/3/2020

 

        محلم خلف

نقيب المحـــامين


MK



كلمات دلالية:  كرم رجل عصام هذا ها القمر أي دير
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top