اذا كان عدّاد ازمة انتشار فيروس كورونا ينبئ اللبنانيين بان عدد الاصابات لا يزال في طور “الاحتواء” وان لبنان ليس بلداً موبوءاً لان الاصابات الـ13 المسجلة فيه رسمياً حتى البارحة مصدرها خارجي، فان ذلك لا يعني ان الاطمئنان سيتسلل الى قلوب اللبنانيين في ظل ازمة الثقة الهائلة المتحكمة بهم حيال دولتهم وحكومتهم ومؤسساتهم. فلا ازمة مواجهة فيروس كورونا وفرت للحكومة بعد ثقة الناس بان الاجراءات المتخذة ستكون على مستوى التقديرات الواقعية المتصلة بارتفاع عدد الاصابات المحتملة. ولا الازمة المالية والاقتصادية تتجه نحو مخارج واضحة وشفافة وسريعة في ظل التخبط الذي تظهره الحكومة في بلورة قراراتها المصيرية في شأن الاستحقاقات المالية الضاغطة ولا سيما منها ملف استحقاق “اليوروبوندز”.
ولعل ما زاد الشكوك والغموض في مجمل المعالجات الرسمية والحكومية المنتظرة موقف مستغرب جديد لرئيس الوزراء حسان دياب أطلقه أمس عشية اقتراب العد العكسي لبت القرار الحكومي في ملف تسديد استحقاق اليوروبوندز او التفاوض لارجائه وهو موقف يعتبر تشكيكياً من الطراز الاول في مآل الدولة ومسارها وأحوالها وقدرتها على مواجهة الازمات وحماية اللبنانيين. واثار هذا الموقف موجة استغراب واسعة اذ بدا خارج كل الاطر المنطقية التي تضع رئيس الوزراء والحكومة في هذه الظروف في ذروة لحظة التحدي لاثبات القدرة على اجتراح المخارج والحلول واعادة ثقة الداخل والخارج ولو بالحد الادنى في القدرات الذاتية للحكومة على اطلاق آليات الانقاذ المالي والاقتصادي. واذ جاء كلام الرئيس دياب ليلقي الظلال على مدى القدرة الحقيقية لحكومته على المضي في التزام موجبات المواجهة اقله وفق ما تعهدت به في بيانها الوزاري الذي لم يجف حبره الطري بعد، فان التساؤلات التي أثارها موقف دياب المشكك في الدولة بلغت حدود التشكيك في ديمومة الحكومة نفسها والابعاد التي تقف وراء موقف رئيسها.كما ان بعض الجهات السياسية اثارت احتمال ان يكون موقف دياب هادفاً ضمناً الى الايحاء بضيق قدرة حكومته على اتخاذ القرارات اللازمة مالياً في ظل الوصاية الحزبية والسياسية عليها، لكن هذه الجهات انتقدت بحدة موقف دياب ورأت ان كلاما مثل كلامه البارحة يعرضه للمساءلة الفورية ومطالبته بالاستقالة ما دام يوحي بتبريرات مسبقة لاخفاقات حكومته.
واللافت ان دياب عبّر عن امام أعضاء السلك القنصلي الفخري الذي زاره برئاسة عميد السلك جوزف حبيس، فقال إن “الحكومة اختارت أن تحمل كرة النار، وهي تعمل على تخفيف لهيبها كي لا تحرق التراب، بعدما أحرقت الاخضر واليابس”، مشيراً الى أن “الأيام المقبلة ستشهد حسم النقاش لاتخاذ قرار مفصلي لهذه الحكومة، وهو قرار حساس ودقيق، ندرسه بعناية شديدة لأنه يشكل محطة مهمة نحو رسم معالم لبنان المقبل”.
وأضاف: “بكل أسف، الدولة اليوم في حالة ترهل وضعف إلى حدود العجز، والوطن يمر بمرحلة عصيبة جداً، واللبنانيون قلقون على حاضرهم ومستقبلهم، والخوف يتمدد من الوضع المالي إلى الأوضاع الاقتصادية والواقع الاجتماعي والظروف المعيشية، وصولا إلى الهموم الصحية الداهمة بكل صراحة، لم تعد هذه الدولة، في ظل واقعها الراهن، قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم. وبكل شفافية، فقدت هذه الدولة ثقة اللبنانيين بها. وبواقعية، تراجع نبض العلاقة بين الناس والدولة إلى حدود التوقف الكامل. اليوم نحن أمام معضلات كبرى، بينما آليات الدولة لا تزال مكبلة بقيود طائفية صدئة، وجنازير فساد محكمة، وأثقال حسابات فئوية متعددة، وفقدان توازن في الإدارة، وانعدام رؤية في المؤسسات”.
وخلص الى القول: “تعلم هذه الحكومة أن حملها ثقيل، ومهمتها معقدة، لكننا مصممون على تفكيك هذه التعقيدات، وعلى الانتقال بلبنان إلى مفهوم الدولة، ومعالجة المشكلات المزمنة. لا خيار أمامنا إلا السير على طريق الجلجلة، مهما كان الوجع، لأن الخيارات الأخرى هي أخطر بكثير”.
ثم أعلن دياب لدى استقباله المجلس الوطني للاعلام ان “معالجة موضوع “الأوروبوند” سيُتخذ يوم الجمعة أو السبت، بقرار نهائي يحفظ حقوق المودعين الصغار ومتوسطي الحال ويحفظ مصلحة لبنان”.
وما يسترعي الانتباه أن المكتب الاعلامي للرئيس دياب عاد وأصدر ليلاً بياناً هاجم فيه ما وصفه بـ”الاوركسترا التي تلجأ مجدداً الى التزوير واجتزاء الحقائق للتشويه والتحريض” وقال البيان إن رئيس الوزراء “صارح الناس بواقع وحقائق عن نظرة الناس الى الدولة لكنه قال بالفم الملآن تكراراً واصراراً إنه سيحمل مع الحكومة كرة النار وإنه مصمّم على معالجة المشكلات المزمنة”.
غير ان السراي بدت أمس كخلية نحل، للبحث في الاستحقاقات المالية. وعقد بعد الظهر اجتماع موسع ضم دياب ورئيس واعضاء جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حضور وزراء المال غازي وزني والصناعة عماد حب الله والاقتصاد راوول نعمة والاشغال ميشال نجار وخصص للبحث في استحقاق “الاوروبوند”.
واذ أكدت مصادر مقربة من وزير المال أن قرار الدفع غير وارد وكذلك قرار التقسيط و”لتدفع المصارف إن أرادت ذلك”، صرّح الحاكم رياض سلامة، بعد انتهاء اجتماع مالي أول ضمه في السرايا الى الرئيس دياب والوزير وزني ووزير المال السابق علي حسن خليل، بان من غير الوارد المس باحتياط الذهب، موضحاً أن لا قرار له في “اليوروبوندز”، والقرار تتخذه الحكومة.
أما الوزير السابق علي حسن خليل، فقال: “اننا كنا ومازلنا ملتزمين خيار عدم الدفع في سندات الدين وفوائدها على حساب حقوق المودعين”.
وفي خطوة اثارت تساؤلات عن مدى جديتها وجدواها عملياً وليس شكلياً فقط، بدأ المدعي العام المالي القاضي علي ابرهيم وخمسة محامين عامين التحقيق مع عدد من المسؤولين عن المصارف وحققوا امس مع 14 منهم. وتناولت التحقيقات التحويلات المالية الى الخارج في فترة مطلع الانتفاضة والفترة التي سبقتها. وستستكمل التحقيقات تباعاً.
13 اصابة
في غضون ذلك، ارتفع عدد الاصابات في لبنان بفيروس كورونا الى 13 ومجملها منقول بعدوى من ايران. وتحدثت معلومات عن وضع خطير لاحد المصابين من جنسية ايرانية لانه كان يعاني قبل اصابته مرضاً مزمناً. وليل أمس وصلت طائرة إيرانية جديدة الى مطار رفيق الحريري الدولي آتية من مدينة مشهد الإيرانية، على متنها 178 راكباً. واتخذ الفريق الطبي التابع لوزارة الصحة العامة التدابير والإجراءات الوقائية اللازمة للركاب. كما تمت تعبئة الاستمارات الخاصة بهم، من دون تسجيل أي أعراض مرضية بينهم.
واعلنت وزارة الصحة العامة، في بيان، “تسجيل ثلاث حالات مثبتة مخبرياً مصابة بفيروس كورونا المستجد COVID-19، وهي لأشخاص مخالطين لمصابين سابقين وكانوا موضوعين في الحجر الصحي، وهم حاليا موجودون في غرف العزل في مستشفى الحريري الحكومي الجامعي وحالتهم مستقرة”.
وفيما استمر المطار في استقبال الوافدين اللبنانيين والأجانب الحاملين إقامة حصراً من البلدان الموبوءة بدا أن الارتباك هو سيد الموقف، إذ يستمر توافد اللبنانيين القادمين من إيران عبر مطار دمشق الدولي ايضا الى نقطة المصنع من دون تدقيق جدي في وضعهم باستثناء قياس الحرارة والطلب منهم اتخاذ اجراءات عزل ذاتي في المنزل اذا تبينت أعراض للفيروس.
كما ان طائرة وصلت مساء أمس من ميلانو في ايطاليا ونقلت 80 راكبا واتخذت الاجراءات نفسها بفحص حرارة الركاب وتعبئة استمارات قبل ان ينتقلوا الى منازلهم. والمفارقة أن تغريدة وزير الصحة حمد حسن جاءت لتؤكد الارتباك حين حمل الاعلام مسؤولية “كي لا يتحول مفبركو الشائعات ومنظرو العلوم إلى أبطال في عالمهم الإفتراضي، يرهبون من دون رحمة أو حساب”. وأشار حسن إلى “بدء العمل على تقليص الرحلات من إيران وايطاليا عن طريق جمعها من خلال السماح فقط للمواطنين اللبنانيين بالعودة الى وطنهم والى الأجانب الذين يحملون إقامة شرعية صالحة”.