بدا رهان العهد متعاظماً على بدء العد العكسي من اليوم لدخول لبنان نادي الدول النفطية مع ان انطلاق عمليات الكشف البحرية الاولية عن مكامن محتملة للغاز والنفط ستستغرق أشهراً عدة قبل تبيان نتائجها بما يصعب معه تثبيت اي وقائع دامغة تتصل بحقيقة المكامن قبل وقت طويل. لكن تركيز الانظار والاهتمامات الرسمية والاعلامية على بدء عمليات الاستكشاف اليوم، بدا أمراً بديهياً ومتوقعاً وسط ازدياد قتامة الاجواء والمعطيات التي تحاصر لبنان في ظروف أسوأ وأخطر ازمة مالية واقتصادية واجتماعية عرفها في تاريخه، وليس غريباً والحال هذه ان ينبري العهد الى رفع احتفالية كبيرة ومضخمة بانطلاق عمليات المسح البحرية وسط رعاية مباشرة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يرجح ان يتقدم شخصياً اليوم عدداً من الشخصيات الرسمية والمسؤولين المعنيين على متن باخرة التنقيب والحفر “تانغستن اكسبلورر” التي ستشرع في عمليات التنقيب عن البئر الاولى المحتملة للغاز في البلوك رقم 4، علماً ان هذه العمليات تستمر 60 يوما وبعدها يتعين انتظار فترة شهرين آخر لدرس العينات المستخرجة وتبين ما اذا كانت البئر تحتوي على غاز أم لا.
ولعل اللافت في هذا السياق ان توقيت انطلاق عمليات المسح البحري تزامن مع لحظة حرجة للغاية للحكومة والعهد سواء بسواء من حيث بدء نفاد المهلة المحددة لاتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية في شأن الازمة المالية بدءاً ببت الموقف الرسمي من تسديد استحقاق سندات الاوروبوند في التاسع من آذار المقبل بالدفع أو الشروع في مفاوضات مع الدائنين وحملة السندات. كما ان الاستحقاق الابرز الثاني يتمثل في ضرورة اعلان الحكومة خطتها المالية الشاملة التي يفترض ان تنجز في الايام القريبة وعلى ابعد تقدير مطلع الاسبوع المقبل، بعدما ربطت كل الدول والهيئات المالية الدولية ووكالات التصنيف مسار احتواء الازمة المالية ومنع تفاقمها والحؤول دون الانهيار الاسوأ والاخطر بمدى جدية الحكومة في وضع خطة انقاذ اصلاحية يتوقف عليها أيضاً امكان اقناع المجتمع الدولي بمد يد الدعم للبنان في ازمته الضخمة.
وشاء الرئيس عون أن يجيّر “الوعد النفطي” في تعويم الصورة المتعبة والمربكة للعهد والدولة والحكومة وسط تفاقم الازمة، فوجه مساء أمس رسالة مفاجئة الى اللبنانيين تناول فيها الحدث الذي ذكر انه تأخر منذ عام 2013. وقال الرئيس عون في رسالته “إن لبنان سيشهد غداً (اليوم) يوماً تاريخياً، سوف يذكره حاضر لبنان ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسمياً نادي الدول النفطية”. وشدد على “انه كان على يقين منذ عودته بعد سنوات المنفى في العام 2005، ان هذا الحلم لكثير من المخلصين يجب ان يتحقق، وان ليس قدرنا ان نبقى عرضة لازمات تتوالد بعضها من البعض، وتحمل الينا اليأس من وطننا فنهجره أو نغترب عنه او نتنكر له”. ولفت في رسالته انه استعاد انتقاد السياسات الاقتصادية السابقة وتبرئة عهده منها وقال: “إننا اليوم، أكثر من أي يوم مضى، مصمّمون على تحمّل مسؤولية مواجهة سياسات اقتصادية خاطئة وتراكمات متلاحقة ومتعددة، ووضع حد لها بهدف وقف المسار الانحداري الذي أوصلنا منذ عقود الى ما نحن عليه. ارادتنا ان نواجه من أجل بقاء لبنان وديمومته، ونحيي الاطمئنان ونعيد دورة الحياة الى طبيعتها”. واكد اهمية هذا الحدث الذي “سيشكّل حجر الاساس للصعود من الهاوية، ومحطة جذرية لتحوّل اقتصادنا من اقتصاد ريعي نفعي الى اقتصاد منتج يساهم فيه الجميع ويفيد منه الجميع”، وعلى “ان ثروتنا النفطية والغازية هي لجميع اللبنانيين من دون مواربة”، و”دفاع عنها سيكون بالشراسة نفسها التي تم فيها الدفاع عن الحدود البرية، من دون مساومة او ارتهان”.
“نظام لا يعمل”
وكانت السفيرة الاميركية المنتهية مهمتها في لبنان اليزابيت ريتشارد ودعت الشعب اللبناني ببيان تلته في زيارتها الوداعية لقصر بعبدا أمس رأت فيه أن “لبنان يقف أمام نقطة تحول، ففي شهر تشرين الاول خرج المواطنون من جميع الطوائف والمناطق إلى الشوارع للمطالبة بالأفضل من حكومتهم. إنهم على حق. ليس هناك سبب لهذا البلد المبارك بالعديد من النعم، بما في ذلك الموارد البشرية المذهلة، أن لا يكون لديه في العام 2020 نظام حديث لإدارة النفايات، وكهرباء للجميع لأربع وعشرين ساعة سبعة أيام في الاسبوع، وكذلك قوة مسلحة واحدة تحت سيطرة الدولة واقتصاد متنام”.واضافت: “هذا هو الوقت المناسب لجميع المواطنين اللبنانيين لمعالجة قضايا الحكم والاقتصاد بشكل مباشر. يجب اتخاذ قرارات صعبة، وسوف يتحمل الجميع بعض العبء. إنني أعتقد أن الجميع يدركون أن النظام، في العقود القليلة الماضية، لم يكن يعمل وبالتالي هذه فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة. إنها فرصة لرسم مسار جديد يجعل هذا البلد يدرك كامل إمكاناته كعضو حديث ومزدهر في المجتمع الدولي. إن النجاح الذي حققه الكثير من المهاجرين اللبنانيين في بلدان مثل الولايات المتحدة، لدليل على حقيقة أن هذا النجاح ممكن هنا أيضا”.
في غضون ذلك، بدأت تتضح اتجاهات الحكومة نحو اطلاق مفاوضات معقدة وصعبة لاعادة هيكلة الدين العام بدءاً باستحقاق الاوروبوند. وفي هذا السياق نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع أمس ان لبنان دفع 71 مليون دولار قسائم حل أجلها على سندات دولية تستحق في 2025 و2030، وذلك غداة تعيين مستشارين قانونياً ومالياً لإعادة هيكلة ديون متوقعة على نطاق واسع.
وكانت الحكومة عينت أمس بنك الاستثمار “لازار” ومكتب المحاماة “كليري غوتليب ستين اند هاميلتون” لتقديم المشورة المالية والقانونية.