الوقائع اليومية تكشف أن سباقاً يجري بين السلطة ممثلة بالفريق الحاكم، عبر الحكومة الحالية للخروج من المآزق، التكاثرة، على نحو يشبه تحوُّل فيروس كورونا «السفين» إلى وباء عالمي، يهز عواصم الدنيا، ما خلا الولايات المتحدة ومدنها الكبرى وولاياتها الـ52، التي تندفع عبر مؤسساتها المالية، والدبلوماسية وحتى الاستخباراتية إلى اشتباك داخل النظام المصرفي اللبناني مع «حزب الله» وداعميه، لدرجة ان مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بلينغسلي كشف ان العقوبات الأميركية تهدف إلى إخراج السيّد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وحزب الله من النظام المالي اللبناني، ملوحا بمحاسبة المسؤولين اللبنانيين إذا قصروا.
وعشية انطلاق عملية حفر أوّل بئر نفطي في لبنان، سجل حدثان: الأوّل رئاسي، إذ اطل الرئيس ميشال عون برسالة إلى اللبنانيين ضمنها موقفاً قوامه ان الحفر طريق الصعود من الهاوية وأن العائدات ثروة سيادية للأجيال، لا مجال للمساومة فيها أو الارتهان.
والثاني جولة لشركة توتال الفرنسية، عبر مسؤولها في الشرق الأوسط على كبار المسؤولين، وكشف وليد نصر رئيس هيئة إدارة قطاع البترول في مؤتمر صحفي، مع وفد من الشركة ان «عمليات الحفر ستستغرق شهرين»، ونحن نأمل ان تكون النتيجة ايجايبة، فنجد نفطاً أو غازاً.
وسط هذا التدخل الأميركي الفظ والمباشر، وفي ظل عجز الطبقة الحاكمة عن الاقدام على «خطوة ما» في ما خص سندات «اليوروبوند» بعد مطالبة الرئيس نبيه برّي بالإجماع الوطني، يعني بإشراك المعارضة في اتخاذ القرار أياً يكن في ما يتعلق بالسندات المذكورة.
آلية التعيينات والديون
وسط ذلك، يبحث مجلس الوزراء في جلسته عند الواحدة والنصف من بعد ظهر غدٍ الجمعة في القصر الجمهوري، في جدول أعمال من تسعة بنود فقط، أبرزها آلية التعيينات الادارية لجهة إعتماد الآلية ذاتها أو تطويرها او اعتماد آلية جديدة، تمهيداً للمباشرة بإجراء التعيينات في أقرب فرصة بعد إقرارها، كما تبحث الجلسة في موضوع انشاء منشآت ومحطات الغاز الطبيعي، بعد البدء بحفر اول بئر نفط وغاز استكشافي في البلوك 4 المقرر يوم غد الجمعة، وبند سير عمل اللجان الوزارية وامكانية تشكيل لجان اخرى او تعديل القائمة حالياً.
الى ذلك، يرتقب لبنان تقرير وفد صندوق النقد الدولي المتوقع– حسب مصادر رسمية- صدوره اوائل الاسبوع المقبل، والتوصيات او النصائح والاقتراحات التي سيتضمنها، لتبني الحكومة على التقرير موقفها قبولاً او رفضاً او تعديلاً، مع استعداد الخبراء لتقديم المزيد من المشورة للدولة اللبنانية، بعدما بات التوجه العام هو اعادة جدولة او هيكلة الدين، لكن بانتظار درس وإقرار كيفية التفاوض والكمية التي ستجري جدولتها او هيكلتها وشروط التفاوض والنتائج المرتقبة عنه.
وكان لبنان دفع أمس الأربعاء 71 مليون دولار، قسائم حل أجلها على سندات دولية تستحق في عامي 2025 و2030، بحسب ما أعلن مصدر مطلع لوكالة «رويترز»، وذلك بعد يوم من تعيين مستشارين قانوني ومالي لإعادة هيكلة ديون متوقعة على نطاق واسع.
وبحسب المعلومات، فإن المبلغ المذكور هو عبارة عن فوائد مستحقة لسندات «يوروبوند»، الأمر الذي اعتبره نائب بيروت فؤاد مخزومي في تغريدة له بأنه لن يقدم ولن يؤخر امام المجتمع الدولي إذا كان خيار الحكومة أعادة الهيكلة، كاشفاً عن أن هذا الاجراء جاء بناء على نصيحة الشركة الاستشارية، مشيراً إلى انه كان من الأولى ان تصرف هذه الأموال على تنشيط قطاعات انتاجية يستفيد منها البلد.
ومعروف ان لبنان يكابد أزمة مالية غير مسبوقة، وشحاً في السيولة بالعملة الصعبة، ويتعرض كذلك لضغوط من أجل البت في طريقة التعامل مع استحقاقات ديون سيادية وشيكة اقربها سندات دولية بحجم 1،2 مليار دولار تستحق في 29 آذار المقبل.
وكانت الحكومة عينت يوم الثلاثاء بنك الاستثمار «لازارد» ومكتب المحاماة «كليري غوتليب ستين اند هاملتون» لتقديم المشورة المالية والقانونية لها.
توازياً، لاحظت وكالة «بلومبيرغ» المتخصصة ان لبنان عنده من المشاكل المالية التي تستدعي القلق، أكبر بكثير من مشكلة «اليوروبوند»، مشيرة إلى انه فضلاً عن مجموع سندات «اليوروبوند»، البالغ 31 مليار دولار هناك استحقاقات على مصرف لبنان بـ52.5 مليار دولار، بشكل ودائع وشهادات ايداع، حسب تقديرات لمحللين ماليين في وكالة FITCH للتصنيف الدولي، اشاروا أمس إلى انخفاض سعر سند «اليوروبوندز» الصادر عن لبنان إلى أقل من 30 سنتا لكل دولار.
وأشار الموقع إلى ان مجموع شهادات الايداع وحدها تبلغ 20.9 مليار دولار بعضها يستحق هذا العام والعام المقبل، وحوالى 8 مليارات دولار منها يستحق في 2020 و2023.
واضاف: ان من أصل احتياطيات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية البالغة 31،6 مليار دولار، هناك 5،5 مليارات دولار سندات الدولة، تستحق هذا العام لكن غالباً سيجري تأجيل دفعها بسندات جديدة.
وبشأن «اليوروبوند» قال الرئيس نبيه برّي امام نواب الأربعاء أن القرار الذي ينبغي إتخاذه يجب أن يكون قراراً وطنياً غير خاضع للمزايدات والتباينات وينطلق من الحرص على مصلحة لبنان واللبنانيين. وشدد على ان أقدس المقدسات هي ودائع الناس، تعبهم، جنى أعمارهم، ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
ورأى أن الآمال معلّقة على الثروة النفطية التي نستبشر فيها خيراً، إلا ان هذه الآمال يجب ان تترافق مع إستحضار كل الآليات القادرة على إنقاذ لبنان وإقتصاده وماله وشعبه من أزماته.
نادي الدول النفطية
وعلى الرغم من ان لبنان ينوء بأحد أضخم أعباء الدين العام في العالم، بحسب وكالة «رويترز»، إذ يتجاوز الـ150 في المائة من ناتجة المحلي الإجمالي، إلا ان رئيس الجمهورية ميشال عون بدا متفائلاً بأن بدء حفر أول بئر نفطي في البلوك 4 قبالة شاطئ البترون، «سيشكل حجر الأساس للصعود من الهاوية» و«محطة جذرية لتحول الاقتصاد من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منت يساهم فيه الجميع ويفيد منه الجميع». مؤكداً ان لبنان «سيشهد يوماً تاريخياً سوف يذكره حاضره ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسمياً نادي الدول النفطية».
لكن عون، عزا هذا «الانجاز التاريخي» حسب قوله، إلى تكتل «التغيير والاصلاح» الذي ترأسه لسنوات قبل انتخابه رئاسة الجمهورية، وإلى الوزارات التي تحمل التكتل مسؤولياتها ولا سيما وزارة الطاقة منذ تسلمها الوزير جبران باسيل والذين تعاقبوا من بعده، مشيرا إلى ان هؤلاء «عملوا ليل نهار، ومن دون هوادة من أجل تحقيق هذا الحلم الذي سيطلقه اليوم»، لافتاً إلى ان «هذا الحدث كان من المفترض ان ينطلق في العام 2013، لكن صعوبات داخلية وسياسية لم يحددها حالت دون ذلك، مكتفياً بالاشارة إلى وجود «اطماع من هنا وارادات من هناك ومناورات من هنا وهناك»، إلا انه دعا في ختام رسالته إلى ان يفتح حفل إطلاق أعمال حفر البئر «نافذة أمل في جدار الأزمة الاقتصادية والمالية» التي اعتبرها بأنها «الاقسى في تاريخ لبنان المعاصر»، مؤكداً «تصميمه على تحمل مسؤولية مواجهة ما اسماها «سياسات اقتصادية خاطئة وتراكمات متلاحقة ومتعددة»، مشددا على ان «الثروة النفطية والغازية هي لجميع اللبنانيين من دون مواربة، وعائداتها ثروة سيادية لا تفريط فيها ولا طريق فساد إليها، ولا هيمنة لفريق عليها ولا وضع يد لاحدهم عليها، والدفاع عنها سيكون بالشراسة نفسها التي تمّ فيها الدفاع عن الحدود البرية من دون مساومة وارتهان».
وكان وفد من مسؤولي شركة «توتال» الفرنسية التي تتولى حفر البئر بواسطة سفينة متخصصة، قد جال أمس على الرؤساء الثلاثة، عون ونبيه برّي وحسان دياب، مع وزير الطاقة ريمون غجر ورئيس هيئة إدارة قطاع البترول وليد نصر، لاطلاعهم على ترتيبات البدء بأعمال الحفر خلال الساعات المقبلة، والإجراءات المتخذة لذلك، شاكراً التسهيلات التي قدمتها الدولة اللبنانية للبدء بالحفر والذي سيستمر نحو شهرين.
ولفت رئيس الشركة الفرنسية في الشرق الأوسط وافريقيا ستيفان ميشال إلى ان عملية الحفر ستتم على عمق يتراوح بين 1500 و2000 متر في عمق البحر، وهي عملية ليست سهلة على الإطلاق، وامر بالغ التعقيد، آملاً ان تسير الأمور بشكل أسرع.
وأعلن نصر ان القاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت قد أصبحت جاهزة لتخدم عمليات الحفر إضافة إلى المروحيات في مطار بيروت، كما تمّ تأمين كافة الرخص البيئية المطلوبة، مؤكدا ان الهيئة ستقوم بمتابعة أعمال الحفر بشكل يومي من خلال وجود فريق عمل منها على متن سفينة الحفر، وسيصدر تقرير يومي عن هذه العمليات من قبل الهيئة.
ولفت إلى ان التحضيرات عينها تجري في البلوك رقم 9 الذي ستتم فيه عمليات الحفر في العام الحالي، من دون تحديد تاريخ.
رسالة السفيرة ريتشارد
واللافت، ان العقوبات الاميركية جاءت في وقت، كانت فيه السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد تودع اللبنانيين، برسالة مؤثرة لمناسبة انتهاء مهامها الديبلوماسية، معلنة بكثير من الجرأة وقوفها مع الانتفاضة الشعبية، معتبرة ان «لبنان يقف امام نقطة تحول، حين خرج المواطنون في شهر تشرين الثاني من جميع الطوائف والمناطق إلى الشوارع للمطالبة بالافضل من حكومتهم، وقالت: «انهم على حق، لأنه لا يوجد سبب بأن لا يكون لدى هذا البلد في العام 2020 نظام حديث لإدارة النفايات وكهرباء للجميع 24 ساعة على 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع، وكذلك قوة مسلحة واحدة تحت سيطرة الدولة، واقتصاد متنامٍ، معربة، عن اعتقادها بأن النظام في العقود الماضية لم يكن يعمل، وبالتالي هذه فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة».
إصابة ثانية «بالكورونا»
في غضون ذلك، أعلنت السلطات اللبنانية رسمياً أمس، عن تسجيل إصابة ثانية بـ «فيروس كورونا» لسيدة كانت في الطائرة نفسها التي عادت إلى البلاد من إيران في 20 شباط الحالي.
وقالت وزارة الصحة في بيان، انها «سجلت حالة ثانية مثبتة مخبرياً، مصابة بفيروس كورونا المستجد COVID-19 وهي حالة مرتبطة وبائياً بالحالة الأولى.
وأوضح البيان أن «الحالة الجديدة كانت بزيارة دينية إلى إيران دامت 7 أيام، وعادت إلى لبنان بتاريخ 20 شباط/ فبراير، على متن الطائرة نفسها التي كانت على متنها الحالة الأولى».
ولفت إلى أن الأعراض ظهرت في 24 شباط، وخضعت المريضة للعزل في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وأن وضعها الصحي مستقر حاليا.
وذكر البيان أنه «سيتم تتبع أفراد عائلتها والمقربين منها يوميا، من قبل فريق وزارة الصحة العامة».
ومن جهته، أوضح مستشفى رفيق الحريري الجامعي في تقريره اليومي، أنه استقبل خلال الـ24 ساعة الماضية 36 حالة في قسم الطوارئ المخصص لاستقبال الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا المستجد، خضعوا جميعهم للكشوفات الطبية اللازمة، وقد احتاج سبعة منهم إلى دخول الحجر الصحي استنادا إلى تقويم الطبيب المراقب، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي».
– أجريت فحوصات مخبرية لـ 22 حالة، وجاءت نتيجة 21 حالة سلبية ما عدا حالة واحدة جاءت نتيجتها ايجابية.
– خرجت حالتان كانتا متواجدتين في منطقة الحجر الصحي أمس بعد توصيتهما بالإقامة تحت منطقة الحجر الصحي المنزلي لمدة 14 يوما، حيث تم تزويدهما بكل الإرشادات وسبل الوقاية.
– في منطقة الحجر الصحي يوجد حتى اللحظة 12 حالة، علما أن نتائج المختبر للفحوصات التي أجريت لهؤلاء أتت سلبية.
– هناك حالتان مصابتان بفيروس كورونا المستجد في وحدة العزل وهما في حالة مستقرة وتتلقيان العلاج اللازم».
تجدر الإشارة إلى ان مجموعة من الحراك الشعبي نظمت أمس اعتصاماً امام وزارة الصحة، للتعبير عن رفضهم للاستهتار بصحة اللبنانيين، وطالب المتظاهرون باعتماد سياسة واضحة لدرء الخطر عن الجميع والتشدد بالاجراءات على المطار، فيما رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في تغريدة له على «تويتر» ان تدابير وزارة الصحة منذ بداية الأزمة أقل ما يقال فيها انها «خجولة وبدائية».