لبنان الذي يعيش أحداث المنطقة، كان متابعاً ومهتماً باستكشاف حدود وأبعاد الموقفين الفرنسي والسعودي، المعلنين من اجتماع وزراء مالية دول قمة العشرين، والمتصلين بالاستعداد لدعم لبنان، حيث الموقف السعودي قابل للتأويل في ظل عموميته وامتناع السفير السعودي عن زيارة السراي الحكومي ولقاء رئيس الحكومة، بينما الموقف الفرنسي جاء مشفوعاً بوضوح الدعوة للفصل بين دعم تعافي لبنان وملف المواجهة الأميركية مع إيران، وتأمل حكومة الرئيس حسان دياب ترجمة الموقف الفرنسي بشراكة لبنانية فرنسية لتفعيل مقررات مؤتمر سيدر، ومن ضمنه الاستعداد لترجمة الالتزامات اللبنانية المطلوبة، والتي تشكل عناوين خطة النهوض والإصلاح التي تقوم فرق حكومية بإعدادها، بالتوازي مع برمجة الموقف الحكومي الداعي لهيكلة الدين العام. وتقول مصادر متابعة لملف خطة النهوض إن الأولوية التي تتقدم الخطة هي محاولة الإجابة عن كيفية سد الثقب الأسود الذي يرتّبه نزيف الكهرباء على الخزينة وموجودات مصرف لبنان، وإن الجواب واضح وهو بتأمين التغذية 24 ساعة ورفع التعرفة بالتوازي، بصورة تلاقي الكلفة وتحقق ربحيّة تتيح فتح الباب لشكل ما من أشكال الخصخصة المتعددة أو الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح الباب للاستثمار الخاص في القطاع، لكن السؤال حول كيفية تحقيق ذلك وموعده لا تزال تناقش بين خيارات عدة، تبقى أساسها الخطة التي تمّ إقرارها في الحكومة السابقة، بينما قالت مصادر مالية دولية متابعة لملف الديون اللبنانية، إن الثقل في آليات معالجة الدين لا تزال داخلية، بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان المركزي والمصارف اللبنانية، حيث الحسابات الخارجية والتحفظات التي يسمعها المسؤولون الحكوميون من الجهات الخارجية هي إعادة لما يسمعه هؤلاء من مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، الذين يحمّلون المسؤولية في التدهور المالي لإغفال المسؤولين الحكوميين مسؤولياتهم في سلوك إجراءات لا يمكن أن يرفضها الخارج لأنها تناسبه ويجد لها مؤيدين فاعلين في الداخل، كسداد سندات اليوروبوند، وزيادة الضرائب، وتحرير سعر الصرف، هذا إضافة لكون النسبة الكبيرة من سندات الدين اللبناني موزّعة بين مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، ومنطقي أن يتبع الخارج الذي يحمل هذه السندات سلوكاً منسقاً مع الجانب اللبناني من حملة السندات، بينما لو كان الموقف اللبناني موحداً بين الحكومة ومصرف لبنان والمصارف اللبنانية، انطلاقاً من حسابات وطنية تضع مصالح لبنان العليا أولاً، لتغيّر الموقف الدولي حكماً.
على الصعيد السياسي والدبلوماسي شكلت زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي إلى السراي الحكومي ولقاؤه رئيس الحكومة، حدثاً لافتاً بتأخره عن نيل الحكومة الثقة لأسابيع، يبدو أن السفير السوري تقصّد عبره عدم إحراج الحكومة ورئيسها بجعله مبكراً مفسحاً المجال لقيام السفراء العرب الآخرين بزيارة السراي قبله، كما أن كلامه بعد اللقاء جاء مراعياً لحساسية العلاقات العربية بالحكومة ورئيسها، فابتعد عن إثارة أي قضايا خلافية يمكن ان تثير الانقسامات وتفتح باب التأويل، مركزاً على التعاون وفقاً للمصالح المشتركة متحدثاً عن انتصارات سورية على الإرهاب كمصدر لاطمئنان لبنان المتداخل في أمنه مع سوريا وأمنها، مؤكداً أن رؤية سوريا لمواجهة الحصار المؤذي للجميع تقوم على التكامل مع الأردن ولبنان والعراق، بما يعنيه ذلك من مدّ يد التعاون في كل ما يمثل مصالح مشتركة لبنانية سورية والاستعداد للنظر بإيجابية سورية لكل ما يهمّ الحكومة اللبنانية، وهو ما قرأته مصادر اقتصادية فرصة للبحث بتفعيل تجارة الترانزيت عبر سوريا نحو العراق، واعتبرته المصادر المعنية بملف النازحين وعودتهم مدخلاً لفتح باب البحث بالملف بين الحكومتين.
وقبيل مغادرته لبنان أمس، عقد وفد صندوق النقد الدولي لقاء عمل مع رئيس الحكومة حسان دياب في السراي الحكومي. وأفادت المعلومات أن التوجّه الرسمي للبنان هو إعادة جدولة الدين بالتفاهم مع الجهات الدائنة، مشيرة الى ان “لبنان لن يتخذ أي قرار في شأن اليوروبوند إلا بعد صدور تقرير وفد صندوق النقد الدولي”. في حين أشارت مصادر “البناء” الى أن “القرار الحكومي النهائي سيعلن بعد انتهاء الحكومة من إعداد الورقة او الخطة الاقتصادية الشاملة والتي ستطلع وفد الصندوق والجهات الدولية عليها فور انتهائها”، لافتة الى أن “الخطة الاقتصادية الحكومية ستسهل حسم مسألة الديون والتفاوض مع الدائنين وتستعيد جزءاً من الثقة الخارجية بلبنان”.
وافادت وسائل إعلامية أن “عدداً من المشاركين في إعداد الخطة الاقتصادية الإنقاذية وقّع تعهدات بعدم الإفصاح عن معلومات تتعلّق بهذا الموضوع”.
وقال مصدر قريب من الحكومة لـ”رويترز”: إن “لبنان سيعين غوتليب ستين اند هاملتون لتقديم المشورة القانونية في شأن سندات دولية”.
ولم تتضح المواقف الدولية من مساعدة لبنان، لكن وكالة عالمية نقلت عن وزير المالية الفرنسي قوله إنه بحث الوضع في لبنان مع القيادة الإماراتيّة في أبوظبي.
إلى ذلك وبُعيد تدخله لفك إضراب المخابز والأفران في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت، طمأن الرئيس نبيه بري وفد جمعية الصناعيين اللبنانيين «أن ما يحتاجه القطاع الصناعي من أموال لتجاوز الأزمة الراهنة التي يمر بها القطاع سوف يتأمن وأن الحكومة والوزارة المعنية في صدد إيجاد المخارج لتأمين كل ما يحتاجه الصناعيون بما يمكنهم من النهوض مجدداً»، وذلك خلال استقباله في عين التينة رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور فادي الجميل وأعضاء الهيئة الإدارية للجمعية.
وأكد رئيس المجلس «أن كل القطاعات الإنتاجية في لبنان ربما تكون بحاجة الى إعادة هيكلة بما يتلاءم مع التحديات ومتطلبات المرحلة، باستثناء قطاعي الصناعة والزراعة، فهما القطاعان الوحيدان اللذان تجب حمايتهما وتأمين كل وسائل البقاء والتطوّر لهما، باعتبارهما الرافعة الأساسية التي يمكن البناء عليها لإعادة بناء اقتصاد وطني منتج، ومن خلالهما أيضاً نستطيع خلق فرص عمل للشباب اللبناني والحد من البطالة والهجرة».
وبرزت زيارة السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي الى السراي الحكومي، حيث التقى رئيس الحكومة حسان دياب، في زيارة أولى الى السرايا منذ سنوات عدة بسبب مقاطعة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للسفير السوري. تطوّر سياسي رأت فيه مصادر مطلعة لـ»البناء» إشارة إيجابية وصفحة جديدة فتحت بين الدولتين وإشارة انطلاق لإعادة تصحيح العلاقات اللبنانية السورية في شتى المجالات وهذا يعبّر عن توجه حكومي عام؛ الأمر الذي سيساهم في حل المشاكل الاقتصادية والمالية للبنان وأزمة النازحين ويفتح خيارات بديلة إذا ما انسدّت أبواب الخليج والأميركيين والأوروبيين.
وقال السفير السوري بعد اللقاء: «قدّمت للرئيس دياب الرؤية التي تتطلبها قراءة المشهد في المنطقة، خصوصاً في ما تواجهه سوريا، وهي ترتاح وتتعافى وتنتصر بنسبة كبيرة على الإرهاب في كل المناطق، وتستكمل هذه الأمور والتي تستدعي في الوقت ذاته تعافياً اقتصادياً وتكاملاً مع لبنان والأردن والعراق والأشقاء عامة. وأيضاً فإن قراءة المشهد الدولي ورفع العقوبات والحصار الذي يؤذي لبنان وسوريا معاً وينعكس تأزماً لأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا وفي كل مناطق اللجوء». واضاف: «هذا ما طرحه الرئيس دياب ايضاً وأجبت عليه بأن الضغط الذي يجب أن يتركز من قبل الحكومة اللبنانية ومن قبل كل القوى التي تستطيع ان تساهم هو رفع العقوبات والحصار عن سوريا ولبنان وعن الشعب الذي يدّعي البعض انه يعمل لإيجاد حلول او تقديم مساعدات إنسانية له». مضيفاً: «اللقاء كان مفيداً جداً، ورأيت رجلاً غيوراً يريد إيجاد مخارج ووسائل قابلة للتطبيق ولإنقاذ الوضع المأزوم في لبنان والوصول الى مخارج إيجابية في التعاطي بين دولتين شقيقتين والشعب والعائلات موجودة على طرفي الحدود».
وفيما يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في بعبدا للبحث في مرض «كورونا» وإجراءات مواجهته، حطّت امس، في مطار بيروت الدولي الطائرة الايرانية وعلى متنها 215 شخصاً رافقهم طاقم طبي إيراني. واتُّخذت الإجراءات اللازمة لإخضاع طاقمها وركابها للفحوص الاحترازية المتعلقة بفيروس «كورونا». ولم تظهر عوارض مرضيّة على أي من ركابها وتم إخراجهم جميعاً لأخذ حقائبهم من البوابة المخصصة للطائرة.
وأفادت معلومات أنه «بعد الكشف على ركّاب الطائرة الايطالية التي وصلت إلى مطار بيروت تبيّن أنّ لا أحد منهم يُعاني من أيّ أعراض لفيروس “كورونا”.