خلال العقد الأخير من القرن الـ 19، كان العالم على موعد مع واحدة من أسوأ موجات الأنفلونزا إذ سجّل المرض انتشاره بمختلف أصقاع العالم في غضون فترة وجيزة متسببا في وفاة عدد كبير من البشر.
وفي خضم فترة تميّزت بتزايد وتيرة السباق الاستعماري وتقدم الأبحاث العلمية في مجالات عديدة كالكيمياء والفيزياء، عجز الجميع عن منع انتشار موجة الأنفلونزا التي لقّبت من قبل عدد من المؤرخين بالأنفلونزا الروسية. فضلا عن ذلك، لعب التقدم التكنولوجي دورا حاسما في انتقال المرض وتزايد عدد الوفيات.
مرض الرجال البيض.
وبينما تحدّث كثيرون عن إمكانية نشأتها بسيبيريا وانتقالها من القسطنطينية لروسيا عبر عدد من المسافرين، سجّلت أول حالة بالأنفلونزا الروسية بمدينة سانت بطرسبرغ (Saint Petersburg) خلال شهر كانون الأول 1889. ومنها، انتقل المرض خلال فترة لم تتعد 4 أشهر لينتشر بكامل النصف الشمالي للكرة الأرضية.
وقد سجلت أولى حالات الإصابة بالأنفلونزا الروسية على أراضي الولايات المتحدة الأميركية خلال الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني 1890 كما بلغ المرض بحلول شهر آذار من نفس السنة كل من أستراليا ونيوزيلندا. وبأفريقيا، جلب الأوروبيون في خضم السباق الاستعماري الأنفلونزا معهم نحو القارة السمراء وهنالك لقّب الأفارقة المرض بمرض الرجال البيض.
من جهة ثانية، ساهم التقدم التكنولوجي في تسريع وتيرة انتشار المرض ونقله بين مختلف الدول. فخلال تلك الفترة، عرفت وسائل المواصلات تطورا لافتا للانتباه حيث امتلكت كبرى القوى الأوروبية ما يقدر بنحو 202 ألف كلم من خطوط السكك الحديدية. فضلا عن ذلك استغرق عبور المحيط الأطلسي على متن السفن الحديثة 6 أيام فقط.
للتكنولوجيا دور مساهم
وخلال القرن الـ 19، أدت موجات الأنفلونزا في عدد وفيات تجاوز ذلك الذي تسببت فيه الكوليرا حينها. ويتضح ذلك أساسا من خلال عدد الوفيات الذي تسببت فيه الأنفلونزا الروسية خلال أقل من عامين وتناقل الصحف الفرنسية والبريطانية معلومات حول مئات الوفيات اليومية بسبب المرض واكتظاظ المقابل والشوارع بالجثث.
وفي أوروبا لوحدها، تجاوز عدد ضحايا الأنفلونزا الروسية بين عامي 1889 و1890 الـ 250 ألفا، كان جلهم من الأطفال والطاعنين في السن، بينما قدّر إجمالي الوفيات التي تسبب فيها هذا المرض بالعالم بمليون.
أيضا، تسببت الأنفلونزا الروسية في وفاة عدد من كبار الشخصيات العالمية ولعل أبرزها أمير بلجيكا بودوان البالغ من العمر 21 سنة عند وفاته والأمير البريطاني ألبرت فيكتور (Albert Victor)، حفيد الملكة فيكتوريا الذي كان الثاني في خط الخلافة على العرش البريطاني بعد والده إدوارد السابع، والمستكشف والجيولوجي الأسكتلندي جوزيف تومسون.