يعتذر ماك، من زبائن الشركة العقارية التي يدير أحد فروعها في الحازمية، لانه لا يتمكن حالياً من الاهتمام بهم بالقدر الكافي كما كان يفعل سابقاً، فالطلب على العقارات ازداد إلى حد كبير في الآونة الاخيرة، ولم يعد فريق العمل في الشركة التي تملك خمسة فروع قادراً على تقديم الخدمة الفضلى، ومتابعة الشاري في التفاصيل الصغيرة التي تشكل أساساً للتعامل، وتميز شركة عن أخرى. وهو يقول: “نحن لسنا سماسرة. نحن شركة عقارية لها تاريخها وتهتم لسمعتها”. ويضيف متحدثاً الى “النهار” أن “الشقق المعروضة باتت قليلة لأن الطلب يزيد حالياً على العرض. ولا يبحثن أحد عن “لقطة”، فهذا الأمر بات غير متوافر، والأسعار الى ارتفاع، وثمة تشدد من المالكين لانهم يقبضون شيكات مصرفية لا يعرفون كيف ستتعامل بها المصارف بعد حين”.
ويؤكّد ماك أن العشرات يشترون الشقق والمكاتب دونما حاجة اليها، فقط لكي يخرجوا بعض اموالهم من المصارف، واستثمارها بطريقة او بأخرى. وكثيرون يكلفوننا تأجير الشقة مباشرة، لان لا حاجة لهم اليها”.
وعلى رغم الارتباك الكبير الذي يعانيه اللبنانيون الخائفون على ودائعهم المصرفية، وهي جنى أعمارهم، وأعمالهم، ولا سيما منهم أبناء الطبقة المتوسطة وصغار الأغنياء، فقد ابتدعوا طرقاً عدة لتهريب أموالهم من المصارف ما أدى الى تراجع كبير للودائع. واذا كانت أموال العقارات تعود الى المصارف، فإن أصحاب جزء كبير منها، قرروا اجراء اقتطاع ارادي (هيركات اختياري) اذ يبيعون شيكات مصرفية بالدولار في مقابل خسارة 30 في المئة منها، ليحصلوا على الـ70 في المئة عداً ونقداً، وينقلوها الى خزناتهم الخاصة، أو يتجهوا بها الى المصارف باعتبارها أموالاً جديدة يمكن تحويلها الى حسابات في الخارج، معتبرين خسارة الـ 30 في المئة ربحاً محققاً، خوفاً من تدهور أحوال المصارف وخسارة المال كله، أو في أحسن الاحوال، إقدام الدولة على اقتطاع قد لا يقف عند حدود الـ 30 في المئة بل يتجاوزها ما يعني مضاعفة الخسارة.
وثمة بدعة جديدة في حال عدم توافر الدولار نقداً، هي أن مدبر العملية يصرف لصاحب الشيك دولاره بـ 1800 ليرة لبنانية على ان يشتري الأخير دولاراته من السوق السوداء، وتبلغ القيمة نفسها الموازية لحسم الـ 30 في المئة. ولا يجد المرء تفسيراً واضحاً لتوافر الدولارات النقدية بهذه الكميات، في حين يرفض أصحاب المصارف اتهامهم بالتواطؤ في الامر، إذ يرون ان ربح الـ 30 في المئة حالياً لا يوازي خسارتهم السيولة المتوافرة بالدولار بعدما باتت شحيحة.
وأفادت “وكالة الصحافة الفرنسية” ان لبنانيين يلجأون إلى خيارات بديلة تمكّنهم من إنقاذ أموالهم العالقة في المصارف من طريق استثمارها في العقارات والذهب وشراء اللوحات الفنية وحتى السيارات الفخمة. وتنتشر إعلانات ترويجية للشقق والأراضي في شوارع بيروت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. ويقبل بعض أصحاب العقارات بالشيكات المصرفية وسيلة للدفع، فيما يرفضها أولئك الذين يحتاجون إلى سيولة.
ويقول الوكيل العقاري كارل كنعان: “ارتفعت مبيعاتنا ثلاثة أضعاف منذ تشرين الثاني. الطلب علينا كبير جداً”. ويضيف: “يريد الناس تنويع استثماراتهم لتفادي المخاطر التي تهدد القطاع المصرفي والعملة الوطنية”.
ولا يقتصر الأمر على شراء عقارات داخل لبنان، بل ينشر عدد من الشركات إعلانات تدعو اللبنانيين للاستثمار في اليونان أو قبرص، على أن يتم الدفع في لبنان، كون التحويلات إلى الخارج ممنوعة بقرار مصرفي.
ويقول أحد أصحاب محال المجوهرات، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “يشتري الزبائن أكثر وأكثر ليرات الذهب، فضلاً عن السلاسل والأساور وغيرها، فقط من أجل قيمتها المادية”.
ويعمد آخرون، وخصوصاً من أصحاب الثروات، إلى استثمار أموالهم في سلع كمالية فخمة كالسيارات. وتجد سيارات “بنتلي” و”لامبورغيني” الشهيرة، والتي تتجاوز أسعارها 400 ألف دولار، سوقاً في لبنان، وقت يتدهور سوق السيارات بشكل عام، وفق وكيل بيع سيارات.
وقال: “بالطبع، السيارات تفقد قيمتها مع مرور الوقت، لكن الأمر ببساطة وبالنسبة إلى كثيرين طريقة لتفادي خسارة كل أموالهم”.
ويروي صاحب معرض لبيع اللوحات الفنية في بيروت: “زارني أشخاص لم أرهم من قبل” وبعضهم ليس لديه أي اهتمام بالأعمال الفنية، لكنهم يريدون إنقاذ أموالهم من المصارف “فيشترون اللوحات الأغلى ثمناً”.
ويقول خليل شهاب، صاحب محل لبيع الخزنات في بيروت: “ارتفعت مبيعاتنا بنسبة 50 في المئة… قبل الأزمة، كانت المصارف أبرز زبائننا، أما اليوم فقد بات مودعوها من يأتون إلينا”. ويخلص إلى أن “الناس لم تعد تبحث عن الربح، كل ما تريده هو إنقاذ أموالها مهما كلف الأمر”.