الحدث المصرفي كان في وسط بيروت ليل أمس، إذ تمكنت إشاعة، مغطاة بوقائع القلق والغضب من تحريك مجموعات من الحراك المدني باتجاه واجهات المصارف، حيث تمكنت من تحطيم بعضها كبنك عودة، الذي تضمنت الاشاعة حوله بأنه سيمتنع بدءاً من اليوم عن دفع أية استحقاقات للمودعين بالدولار، فضلاً عن السحوبات، مما دفع الرئيس ميشال عون للاتصال برئيس جمعية المصارف سليم صفير، والتداول معه في الموقف، في وقت كان فيه الجيش اللبناني يمنع المحتجين الغاضبين من تكسير واجهات عدد من المصارف في بيروت، مع تجديد التأكيد على حق التظاهر ورفض الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، بالتزامن مع تراجع سعر صرف الدولار بعد اجراء قضائي قضى بإحالة صيارفة إلى القاضي المختص في بيروت، على خلفية ادعاء المدعي العام المالي عليهم بالتلاعب بالدولار، الأمر الذي يُسيء إلى المالية العامة والاستقرار النقدي، بحيث ارتفع العدد إلى 35 مصرفياً في يومين.
توسيع المشاورات
وعشية وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان خلال الساعات المقبلة، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مالي ان لبنان «سيدعو 8 شركات إلى تقديم عروض لاسداء المشورة المالية مع دراسته خيارات في شأن الدين».
وأشار المصدر إلى ان «هذه الدعوة لا تعني انه قرّر إعادة هيكلة الديون، لكنها تعني انه يدرس كل الخيارات».
لكن مصادر مطلعة في السراي أكدت لـ«اللواء» ان توجه الحكومة، بحسب آخر المعطيات والمعلومات المواكبة للموضوع تُشير إلى ان القرار سيكون بإعادة جدولة الدين، حسب خطة طوارئ انقادية اقتصادية – مالية واضحة المعالم، يفترض ان تكون جاهزة قبل نهاية شباط.
وقالت ان الرئيس حسان دياب يعمل مع المسؤولين على اعداد هذا البرنامج الانقاذي الاقتصادي لكي يتم عرضه امام صندوق النقد، الذي سيمدد مشاوراته مع المسؤولين اللبنانيين من اليوم الخميس حتى الأحد المقبل، لكنه لن يقدم النصح للحكومة بل سيستعرض وضع الدين وإذا كان قابلاً للاستيعاب، علماً ان الاتصالات الأخيرة التي جرت تؤشر إلى ان قرار عدم الدفع يتقدّم على قرار الدفع باعتبار ان الدين أصبح غير قابل للاستيعاب ويجب اتخاذ تدابير لإعادة هيكليته.
وسجل على هذا الصعيد تطوّر تمثل بتشكيل الرئيس دياب لجنة لإدارة الأزمة المالية ولاعداد خطة النهوض برئاسته، وتضم إلى جانبه نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، ووزراء المال والاقتصاد والعدل والصناعة والزراعة ومدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير وأمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية.
وتنبثق عن لجنة إدارة الأزمة، أربع مجموعات تتولى درس أربع قضايا هي: القضايا النقدية المصرفية، القضايا المالية، الاقتصاد الكلي والاستثمار والنمو.
واوحى قرار إنشاء لجنة إدارة الأزمة والذي لم يُحدّد مهلة زمنية محددة لها ان الحكومة تعكف على اعداد هيكلة الدين للنهوض بالوضع الاقتصادي المتردي تشمل مجموعة خطوات وإجراءات إصلاحية صارمة على المستويات المالية والاقتصادية والمصرفية، بما يؤدي في النهاية إلى تخفيض العجز في الميزانية.
مجلس الوزراء
لم يحدد موعد الاجتماع المالي بأنتظار وصول وفد صتدوق النقد الدولي لكنه تردد انه قد يعقد بعيد جلسة مجلس الوزراء التي سيتطرق فيها الرئيس ميشال عون الى عدد من النقاط تتصل بالوضع المالي، ولم يعرف ما اذا كان مجلس الوزراء سيحدد التدابير التي طالب بها حاكم مصرف لبنان منعا للاستنسابية في المصارف والتي توقشت الأسبوع الماضي في الاجتماع المالي، إلا ان المعلومات أكدت ان ملف الكهرباء سيطرح في الجلسة من باب لزوم وقف الهدر في موازنة الدولة.
واكتفى وزير الاشغال العامة والنقل ميشال نجار لـ«اللواء» بأن مجلس الوزراء سيركز على معالجة موضوع سندات «اليوروبوند»، والأزمة المالية والنقدية، وان المناقشات ستستمر لاستطلاع آراء الخبراء اللبنانيين، ومن صندوق النقد والبنك الدوليين حول سبل المعالجة للوصول إلى الحل الأفضل والاقل ضرراً على لبنان، مع تفضيل إعادة جدولة الديون والاستحقاقات إذا امكن».
وبحسب المعلومات فإن التوجه الجديد لملف الكهرباء يختلف عن الخطة السابقة لجهة الاعتماد على الشركات الكبيرة لإنشاء معامل إنتاج تستغني عن البواخر، وان هناك عروضاً ستقدمها شركات فرنسية والمانية وأميركية.
اتعاب بـ30 مليوناً
وخارج السياق، كتب المحرر الاقتصادي، ان موقع BLoomBerg قال أمس ان لبنان طلب من ثماني شركات عالمية تقديم استشارات بشأن سندات «اليوروبوندز» وان هذا الطلب حسب الموقع، لا يعني ان لبنان قد اختار نهائياً جدولة السندات أو تسديدها.
وذكر الموقع ان أسماء الشركات الاستشارية هي: MOELIS & COMPANY, ROTSCHILD & CO., GUGGENHEIM PARTNERS, CITIBANK, LAZARD, JP MORGAN, PJT PARTNERS, AND HOULIHAN LOKEY.
وفي المعلومات المتداولة ان إحدى هذه الشركات الاستشارية طلبت اتعاباً بـ30 مليون دولار!
وذكر الموقع ان السلطات اللبنانية تسعى للحصول على معلومات عن أسماء المصارف التي باعت في الأسواق العالمية بعض ما في حوزتها من «سندات يوروبوندز» التي انخفض سعر بعضها أمس إلى رقم قياسي (57 سنت) لاستحقاق آذار 2009 بـ1.2 مليار دولار.
الى ذلك افيد ان الرئيس عون لن يوقع على مشروع الموازنة لعدم تضمنها قطع حساب، ونقل في هذا السياق عن الرئيس برّي قوله انه عرض النواب للخطر من أجل إقرار الموازنة، وانه كان يفترض به وقف الموازنة قبل اقرارها في المجلس.
توازياً شددت مصادر سياسية لـ«اللواء» علىانه كما أصبح معلوماً فإن رأي صندوق الدولي لا يلزم لبنان بتنفيذه، على اعتبار ان الدولة هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة في هذا الإطار، لافتة إلى ان الدولة لن توفّر جهداً للوصول إلى القرار الصائب والمناسب لظروف لبنان بالنسبة لدفع سندات «اليوروبوند» أو عدمه.
غير ان الموقف الذي أعلنه الرئيس نبيه برّي خلال لقاء الأربعاء النيابي، عزّز التوجه الحكومي نحو الامتناع عن الدفع، حيث أكّد ان «اعادة هيكلة الدين هي الحل الأمثل»، مشدداً على معالجة قضية الكهرباء التي تسببت بنصف الدين العام.
وفي الشأن المالي والمصرفي قال من غير الجائز أن يدفع اللبنانيون ثمن الأزمة المالية الإقتصادية والمصرفية من خلال عملية إذلال وإقتصاص منظمة لودائعهم وجنى أعمارهم، ومن خلال فلتان الأسعار على السلع الإستهلاكية والحياتية. مبدياً إرتياحه لتحرك القضاء لوضع يده على ملف الصيرفة والتلاعب بسعر صرف الدولار من ألف الى يائه.
واللافت انه لم يكد برّي ينهي كلامه حتى أعلنت مؤسّسة «تريد ويب» ان سندات لبنان المقومة بالدولار انخفضت إلى 29 سنتاً بعد دعوته إلى إعادة هيكلة الديون.
بيع السندات وتحويل الأموال
يُشار إلى ان مسألة بيع مجموعة من المصارف اللبنانية حصتها من السندات إلى مجموعات استثمارية في الخارج، كانت موضع تداول بين الرئيس دياب ووفد من جمعية المصارف برئاسة رئيس الجمعية سليم صفير، الذي لم يشر إلى هذه النقطة، بل اكتفى بالاشارة إلى مسألة استحقاق «اليوروبوند»، مؤكداً بأنه إذا كانت الحكومة متجهة إلى جدولة الدين يجب ان تتم بشكل منظم، أي بالتفاوض مع حاملي سندات الدين، ولا سيما الصناديق الاستثمارية في الخارج والذين اظهروا حتى الآن جهوزية للتفاوض على هذا الأساس.
وأكد أن «هدف جمعية المصارف كان ولا يزال الحفاظ على حسن سير المرافق العامة كما الحفاظ على الودائع المؤتمنة عليها المصارف، وذكّر بأن «أي قرار في موضوع الـ «يوروبوندز» هو قرار تأخذه الحكومة حصراً بما تراه مناسباً للبنان».
وبالتوازي، حضرت مسألة تحويل الأموال إلى الخارج في لقاء الرئيس دياب مع المدعي العام التمييزي القاضي غسّان عويدات، الذي اطلعه على النتائج الأوّلية للتحقيق في تحويل الأموال إلى سويسرا اعتباراً من 17 تشرين أوّل 2019.
وأفادت معلومات، انه تمّ البحث في إمكان التوسع في التحقيقات لتشمل التحويلات المالية إلى الخارج بحيث لا تقتصر على تلك المحولة إلى سويسرا، كما تم البحث أيضا في توسيع الفترة الزمنية التي حصلت خلالها تلك التحويلات.
على الخط عينه، أعلنت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) أنه «بعد طلب مساعدة قضائية من النائب العام التمييزي لمعرفة حجم الأموال المهرّبة التي تم تحويلها إلى سويسرا، قررت الطلب من المصارف الإفادة عن حجم المبالغ وعدد الحسابات والعمليات التي حوّلت إلى الخارج»، علماً أن الهيئة كانت طلبت الموضوع نفسه، من دون ان تتلقى أي جواب.
يذكر ان «التيار الوطني الحر» كان قد دعا إلى تحرك امام مصرف لبنان الخامسة من بعد ظهر اليوم، للمطالبة بمعرفة كامل الحقائق في ملف الاموال المهربة الى الخارج وبضرورة استردادها، علماً ان التجمع والانطلاق سيكونان من امام المقر العام للتيار في سن الفيل عند الرابعة بعد الظهر، وقد طلب التيار من المشاركين الالتزام برفع العلم اللبناني في شكل حصري.
هجوم على المصارف
وعلى خط أزمة الدولار وتفلت سعر صرفه في السوق، ادعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، على 17 صرافا في مناطق مختلفة من بيروت، بجرم مخالفة قانون الصيرفة، وأحال الملفات الى قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت جورج رزق.
تجدر الإشارة إلى ان الفرع الرئيسي لبنك «عودة» في منطقة باب ادريس في وسط بيروت، وكذلك فرع «فرنسبنك» تعرضا مساء أمس، لمحاولات تحطيم واجهات ماكينات الصرف الآلي، وكتابة عبارات ضد المصرفين، على أثر ورود معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن بنك «عودة» أوقف سحوباته النقدية بالدولار، لكن إدارة البنك أصدرت بياناً نفت فيه هذه المعلومات، وأكدت انها لا تزال ضمن السقوف المعمول بها سابقاً، فيما تدخلت قوى من الجيش ومنعت مجموعات من الحراك من التمادي في الاعتراض على المصرفين المذكورين.
الحريري
سياسياً، شدّد الرئيس سعد الحريري في دردشة مع الإعلاميين على هامش اجتماع المجلس المركزي لتيار «المستقبل» في حضور نواب الكتلة وأعضاء المكتبين السياسي والتنفيذي، على ان «ما يحصل في المصارف والهجوم على الحاكم رياض سلامة يدل على وجع النّاس، ولكن هناك فرقاء يستعملون الهجوم لتغيير أسباب الوصول إلى هنا». مشيراً إلى انه «لا يدافع عن المصارف، لكن علينا معرفة أساس المشكلة وأسبابها لنعالجها، ووضع اللوم عليهم فقط لا يكفي لحل المشكلة»، لافتا إلى انه «لا يتنصل من المسؤوليات، وحن أوّل فريق قال اننا كنا موجودين داخل الحكومات ونتحمل مسؤولياتنا».
اضاف: «يجب ان نكون صريحين قمنا باخطاء واي مرتكب نرفع الغطاء عنه».
وسأل: «لماذا اضطررنا ان نتحمل نصف الدين على الكهرباء؟ لأن المشكلة الأساس هنا في قطاع الكهرباء».
وعما قاله رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عن عودة طويلة للحريري، قال: «اذاً هو يُقرّر أي متى ارجع يعني مثل ما قلت هو الرئيس الظل».