2025- 01 - 11   |   بحث في الموقع  
logo احرق شجرة الميلاد في صيدا… وقوى الامن كانت بالمرصاد logo ياسين: وزارة البيئة نجحت خلال السنوات الماضية في وضع أسس إصلاح قطاع النفايات الصلبة logo ميقاتي يغادر إلى سوريا تلبية لدعوةٍ من الشرع logo المفتي دريان من بعبدا: على النواب ان يقوموا بواجبهم في تسمية رئيس للحكومة logo واشنطن تتفهم مخاوف تركيا بسوريا: يجب مغادرة "الإرهابيين الأجانب" logo انتخاب الرئيس: طوائف الصيغة وتجاوز أحزابها logo رئيس الجمهورية يلتقي دريان logo لبنان بعد سوريا ينزع العباءة الإيرانية
يا مسيحيي لبنان اتحدوا لأجل لبنان وفلسطين والمشرق (بقلم جورج عبيد)
2020-02-09 00:07:27




"من اتضع ارتفع ومن ارتفع اتضع"
(مت23: 12)


هذا الأحد عند المسيحيين الأرثوذكس تعنون بأحد الفريسيّ والعشّار، نسبة إلى المثل الذي أعطاه السيد في مميّزًا بين الفريسيّ الملتزم الشريعة، والعشّار المعروف في الوسط اليهود بالجابيّ، وقد كان مكروهًا للغاية، لأنه يجبي المال ويأخذ العشور أكثر من اللزوم.


لقد ميّز المسيح بينهما بسمتين بهيتين، التواضع والتوبة. دخل الفريسيّ الهيكل، وراح يصلّي متفاخرًا بالتزامه الشريعة كالصلاة والصيام وما إلى ذلك، ليبلغ نحو التشامخ الفارغ والكبرياء التافه، مخاطبًا الله أنّه ليس كذلك العشار. ثمّ دخل العشار الهيكل، ووقف وصلّى بتوبة حقيقيّة معبّرًا عنها بجملة واحدة فقط: "أللهمّ اغفر أنا عبدك الخاطئ". إلى أن يكشف السيد أمرين كبيرين:


1-الأمر الأوّل: مرتبط بالفريسيّ المتعجرف والمتشامخ، وقد ظهر في الخلاصة بأنّه الأبعد عن فكر الله وقلبه كبعد المشرق عن المغرب. ليس كلّ ملتزم الشريعة قريب من قلب الله وعقله، فالحروفيّة في الدين أو الممارَسة الدينيّة كبرياء يمقته الله ويلفظه ولا يعترف به. وقد تبيّن في الخلاصة بأنّ تشامخ الفريسيّ قد انكسر وتلاشى، (من ارتفع اتضع). "حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين". الله لا يريدك سيّدًا خاليًا من رحمة وحقّ وعدل ومحبة. وكما قال بولس الرسول وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح إيمان، وداعة تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غلا5: 22). وجه الله الكامل هو هنا في تلك الثمار.
2-الأمر الثاني: مرتبط بالعشار، وهذا كشفه المسيح مباشرة بعيدًا عن الأمثال مع زكّا العشار، الذي كان قصير القامة، صعد إلى جميزة كذلك العشار الذي دخل الهيكل ليرى الرب، فرآه، فقال أسرع يا زكا فالليلة سأمكث عندك. توبة العشار، جذبت يسوع إليه، قربته إلى الحقيقة. لم يكن العشار عالمًا في الشريعة، وفي لغتنا ليس لاهوتيًّا. دخل الهيكل ولم يجسر أن بنظر إلى السماء، لأنّ خطيئته بكتّته، وقد ثقلت عليه. كلمة واحدة بررته، اللهم اغفر لي أنا عبدك الخاطئ وارحمني. إتضع فارتفع، كسر التراب الذي فيه فغدا نورًا من نور. هل يوجد في تلك الظروف أو سواها من يعرّي نفسه بالكامل أما وجه يسوع ويقول له، ما قاله العشار لتكون له ولادة جديدة، متى المسيحيون يفيقون على هذه الحقيقة المنجيّة لهم؟


الكنيسة الأرثوذكسيّة وضعت هذا المثل في الأحد الأوّل من حقبة التهيئة للصوم، وهو المسمى بالتريودي أي التريوديون في اليونانية. إنّه المدخل الأوّل ليليها المدخل الثاني تحت عنوان الابن الشاطر وهو من أروع الأمثال المتدفقة عقوقًا وعهرًا عند الابن الضال إلى أن تاب، والمتدفقة حنانًا عند الأب الحنون الذي قبل توبة اينه بأن ضمه بين ذراعيه، ثمّ يأتي المدخل الثالث وهو أحد الدينونة والتي لها وجه آخر عنوانه المحبّة والرحمة المنسكبتان على يسوع المتماهي مع كلّ فقراء الكون، والمدخل الرابع أحد الغفران حيث نبدأ الصيام في اليوم الثالث على قاعدة إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضًا.


في هذا الأحد أيضًا يودّع الأرثوذكسيون عبد دخول المسيح إلى الهيكل، وهو يتمّم معنى تجسدّه من مريم البتول، وقد جرت العادة أن يدخل بالطفل إلى الهيكل بعد أربعين يومًا من ميلاده. دخول السيد إلى الهيكل تأكيد على أنّه وضع نفسه تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس. وهو في الوقت عينه عيد اللقاء بين ما كان قديم الأيام بشخص سمعان الشيخ، وقد أطلق قولته الشهيرة: "الآن أطلق عبدك أيها السيد على حسب قولك بسلام فإنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام كل الشعوب نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل". وقال بعد ذلك لمريم أمّه "سيجوز سيف في لحمك، إن هذا وجد لقيام وسقوط كثيرين". كشف اللقاء بحدّ ذاته بأن يسوع الطفل هو عينه مخلص العالم، إنه من جعله أبوه السماويّ قيامة العالم، ومجدًا لإسرائيل، الذي (أي إسرائيل القديم) لم يعرفه ولا يريد أن يعترف بأنه المخلّص، فأمسك به وجلده وعلّقه على خشبة وقتله لكنّه قام من بين الأموات، والقيامة بذاتها أسقطت كثيرين وأقامت كثيرين، أي أن المسيح بها أنشأ وكوّن أمّته الحقيقيّة بالنور الذي فيه.


وفي هذا اليوم أيضًا سنفرح مع الإخوة الموارنة بعيد القديس مارون الناسك، علمًا أنّ الأرثوذكس يعيّدون له في الثالث عشر من الشهر الجاري. لن نسرد في هذه العجالة سيرته بالمعاني الدقيقة التي نستوحيها ونستلهمها، حسبه أنّه قديس مشرقيّ عظيم أنشأ على غرار القديس أنطونيوس أب الرهبان رهبنة له في جبل قورش، وهو المعروف أيضًا بجبل سمعان العموديّ، ولم يؤسس طائفة له. ما فعله فيما يوحنا مارون وهو أنطاكيّ سوريّ، مختلف بالكليّة، حيث أسّس كنيسة وطائفة في لبنان، وإذا تلمّس الموارنة شفاعة مارون الناسك فهم متلمّسون بمنطق الشفاعة عينها جذورهم الرابطة ما بين المدى المشرقيّ، أي بين جبل قورش وجبل لبنان مرورًا بوادي النصارى ومعلولا وصيدنايا... لن يحيا الموارنة على رجاء الانبلاج الحيّ إلاّ بالعودة إلى الجذور.


استجماعنا لهذه المناسبات الثلاث، يدفعنا إلى محاكاة حقيقتنا المسيحيّة في ظلّ التحديات الخطيرة المفروضة علينا غربًا والممزّقة لكيانيتنا المشرقيّة بدءًا من فلسطين التي نسيها بعضهم من أدبياتهم وصولاً إلى لبنان ومرورًا بسوريا والعراق. والمحاكاة تأبى الإنشائيّة فيما يحضّر من تغييرات جذريّة على مستوى الوجود وليس الحضور، لأنّ الوجود رحم الحضور. بل تفترض بانعطافها أن يبدأ المسيحيون بإظهار قراءة نقدية وجوديّة لكلّ سياق ابتدعوه أو قرار ساقوه، ومن ثمّ انعكس سلبًا على الوجود والحضور والدور.


أولى مبادئ النقد، أن نتذكّر كلام المسيح في نهاية مثل الفريسيّ والعشار، من ارتفع اتضع ومن اتضع ارتفع. مارون الناسك ستر وجهه بالنور الإلهيّ، ولم يطلب سوى الرحمة من فوق. ولذلك ارتفع فغدا قديسًا عظيمًا من عظماء كنيستنا، وهو جليس العرش في ملكوت السماوات. لم نؤثر يومًا التواضع بل تشامخنا فتمزقنا، وحين تمزقنا في لبنان ضاع منا الوجود ليس هنا بل في المشرق. لم ينسكب واحدنا في الآخر، وتلك خطيئة عظيمة جرّت علينا الويلات، والانسكاب بحدّ ذاته لا يعني ضرب التنوّع الفكريّ، فكلّ تنوّع جميل ومحراب غنى. البطولة هو بتحويل التنوّع في الخيارات إلى ما يرفد الوجود بالديمومة والبقاء ويحتاج ذلك لحسن القراءات، ورسم الاستراتيجيات، وإنتاج اللحظات. الكبرياء وضع على عيوننا عشاوة فحجب الصفاء حتى بتنا بصورة أو بأخرى في اللحظات الجلّى حطامًا متناثرًا.


علّة العلل في هذا الاصطفاف أننا مسيحيون بلا مسيح. ندّعي المسيحيّة وننسى أن ثمّة إلهًا سنصوم بعد حين لملاقاته معلّقًا على خشبة في ذروة الآلام القصوى وارتقابًا لنصره. أفرحني أن أسمع شخصيّة شيعيّة راقية تقول لمسؤول مسيحيّ كبير، يجب أن يبقى مسيحيو لبنان صمّام أمان للجميع، وأن يبقوا قائمين في الريادة. قوّة مسيحيي لبنان، إذا شاؤوا ذلك معطى، أن يولدوا بداءة من إنجيل يسوع. لقد أبعدنا الإنجيل عن حياتنا فغدونا طائفة باحثة عن مكاسب صغرى، وتحللت الطائفة في أحزاب لا تزال تحترب سياسيًّا واقتصاديًّا من أجل نيل تلك المكاسب، فغدونا هزيلين ضعفاء. لم يعد أيّ سياسيّ في هذا الزمن يملك القدرة على تفعيل الوحدة المرتجاة، ما يفعلها أن نعود إلى وجه الله بالكلمة فنزداد قوة ونورًا يضيء على الجميع.
المسيحيون مدعوون لينطلقوا من الرؤى الروحية النافعة، ويؤسسوا بعد ذلك خطابًا جديدًا يواكب تكوين الآخرين لخريطة جديدة يحاولون فرضها ضمن منظومة صفقة خالية من مضمون متين بل حاوية لفوضى خلاّقة يفجرونها من جديد في لبنان بتطويق ماليّ واجتماعيّ وسياسيّ وأمنيّ. خطورة ما يحاك أنّ المسيحيين بنخبهم لم يفقهوا بأن ما يحاك سيطالهم بدءًا من الرئاسة إلى كلّ تفصيل يعبّر عن فرادة خصوصيتهم ومنها متانة الشراكة مع المسلمين، ولعلّه آن الوقت ليفهم قومي بأنّ أميركا وإسرائيل ومعها آخرون، تشاء محوهم بدءًا من إضعافهم. فالحرب على الشراكة بحدّ ذاتها تنطلق من الحرب عليهم، لأنهم جذوة الشراكة وأصلها وروحها، ولأنهم ملح المشرق ونوره بما يملكون من طاقات فكريّة وماليّة واقتصاديّة وثقافيّة. ولعلّ الرسالة المليئة والمشعّة بالرجاء، تلك التي قام بها الرئيسان فلاديمير بوتين وبشار الأسد إلى البطريرك يوحنّا العاشر، إنها أبلغ رسالة في ظهورها ومعناها، وبقدر ما هي موجهة لمسيحيي المشرق، فهي موجهة لمن هو الضمانة الحقيقية لهم.


رسالة المسيح لمسيحييه، أن اتضعوا ولا يتشامخ منكم أحد، فأنا معكم ولا أحد قادر على سلخكم من مشرق جعلت منه جسدي. عودوا إلى كلمتي فيكم فتحيوا وتتوحدوا، ومتى توحدتم حينئذ تملكون القدرة على مواجهة إبليس هذا العصر وطرده من الهيكل. أدخلوا معي إلى الهيكل، ألمسوني بوداعتي وطهري، عاينوا بهائي ومجدي، تذكروا أنّ القديسين ومنهم مارون هم مني وأنا بدوري أولد منهم وأبقى ممدودًا بهم. لا تخشوا أحدًا إذا ثبتم على كلامي، فأنا متّ وقمت لأجلكم، وقيامتي مصدر خلاصكم. توحدوا ولا تسقطوا في وحول خلافاتكم النتنة والقبيحة وصراعات جهالاتكم ومصالحكم، فليس لكم منها مكاسب سوى النار والدمار. أثبتوا على الرجاء وأنا أقيمكم في السلام. لبنان والمشرق لكم وأنتم فيه شركاء مع سواكم من أحباء أنا راقد ومتحرك باللطف فيهم، لكنّه في البداءة لكم، ولا أحد يستطيع سلخكم وكسركم وبعثرتكم إذا ثبتم فيّ وفي كلامي وإنجيلي وتصالحتم بالعمق وأحببتم بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم إلى المنتهى.


أثبتوا في هذا الكلام ليكون لكم وجود على الأرض وفي السماء.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top