كتبت ماغي مخلوف في جريدة الجمهورية:
من منزل الممثل صلاح تيزاني في منطقة بيروت بالقرب من الجامعة العربية، عدنا معه بالذاكرة الى ألف البداية، مروراً بأحرف أبجدية حياته، ولم نصل الى الياء، لأنّ مسيرة أبو سليم الفنية ما زالت قائمة.
دخل قفص الفن الذهبي في عمر مبكر، بقي، وما زال… حتى بعد ان ناهز التسعين. ومن داخل مقرّه الدائم، أطلق أجمل تغريدات المونولوجيا، فأفرح المشاهدين ومن حوله و«شال» الهم عن قلب المواطن اللبناني.
من الفرقة الكشفية «النفير» الى فرقة كوميديا ومنولوج، الى ممثل على خشبة المسرح والسينما.
من شاب موهوب، طموح، ولكن «نَحس على العيلة» كما كان يقال له، الى شاب «رافع راس العيلة» كما صار يقال له لاحقاً…
من مدينة طرابلس الى تلة الخياط، انطلقت الفرقة على متن بوسطة الخط (طرابلس بيروت، بيروت طرابلس)، ترافقها تمنيات الأهل بالتوفيق على طريقة «تروحوا وترجعوا بالسلامة».
لم تأخذ سنوات العمل الفني من طاقته الجسدية والفكرية، بل أعطته كنزاً من المعرفة والإنسانية، والحب والعطاء. جلسنا لساعتين من الوقت معه ومع زوجته سهام، وتحدثنا عن مسيرته الفنية تارة والعائلية تارة أخرى. الملفت انه لم يصعب عليه أبداً تذكّر اسماء الأشخاص الذين عمل معهم منذ كان عمره ١٧ سنة.
إبن الـ92 حافظ الذاكرة والمعروف، تمنى في بداية المقابلة من المعنيين ان يتذكروا ما قدّمه ابو سليم ليحفظوا بدورهم المعروف.
من مهنة النجارة الى فرقة «النفير»
«أحببتُ فن التمثيل منذ صغري وبدأت أكتب المونولوج في عمر الـ17، أسست فرقة كشفية وأطلقت عليها اسم «النفير»، وكان أعضاؤها رفاق الحي: أمين، فهمان، جميل، وكوستيكا ومن بعدهم أسعد».
«كانت مهنتي النجارة، وكنت أملك منشرة، دعوتُ الفرقة للعمل معي، فأصبح مكان العمل للبروفات. كنت المشرف على ادارة المنشرة وتقسيم الأدوار في الوقت نفسه.
لم نكن نعرف شيئاً عن المسرح الكوميدي، ما وصلنا من هذا الفن في الأربعينات هو السينما الصامتة وأفلام الممثل الكوميدي العالمي شارلي شابلن…».
معارضة الوالد
أول معارضة لمسيرته في عالم التمثيل كانت من والده الذي لم يتقبل فكرة انّ ولده سيكون ممثلاً، ويقول أبو سليم: «كان ينعتني بنحس العيلة والعار عليها، حتى انه في اكثر الأحيان كان يُبقيني خارج المنزل ليلاً بعد عودتي من المسرح. كان متحجّراً جدّاً، حاول بالقوة إجباري على دخول المدرسة الحربية لأكون ضابطاً في العسكر العثماني مثله، لكنه لم يفلح. ويَا ليته ما زال على قيد الحياة ليرى انّ التحجّر لا يؤدي الى نتيجة بنّاءة، بعكس أمي التي كانت تشعر برغبتي وتتماشى معها، وتبكي «عالسكَّيت» عندما لا يفتح ابي لي الباب كقصاص لعدم إطاعتي رغبته».
وردّاً على هذه المعاملة من قبل الأب وكلّ من نَعت الفن بأنه عار وبأنّ التمثيل «شَغلة اللي ما إلو شَغلة» قال صلاح تيزاني:
«عم بِتعجّب ليش الناس عم تهرب منّي
الحبايب مع القرايب ابتعدوا عنّي
لَنِّي مجرم ولا سرّاق واذا مش مكروه
عرفت السبب تاري زنبي بْمَثِّل وبغنّي
رِحنا لنخطب متل الناس وِحدي بِنت حلال
إن كانت حلوي ولّا بشعة قلنا ماشي الحال
لقيت نفسي شب كويّس وشكلي مش بَطّال
رحنا برمنا قمنا لقينا بنت حلوي وعال
وراحو اهلها حسب العادي يسألوا عني
وقالوا هيدا اللي ناقصنا بعيلتنا مْغَنِّي…».
فن المونولوج وموضة الجنفَيص
يُكمل الممثل تيزاني قصته عن البدايات في مسقط رأسه، مستذكراً الحفلات الفنية التي كانت تستقبل كبار أهل الفن أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد المطلب وكارم محمود، والتي كانت تتطلّب «مونولوجست» يُتقن فن الفكاهة والانتقاد المضحك. إنضَمّ ابو سليم الى مجموعة من الذين يتقنون هذا الفن في تلك الحقبة، بينهم عبدالله المدرّس، يوسف حسني، رامز ابي ضهر وغيرهم، وشاركهم في إطلالاتهم على المسرح.
إلى المونولوج أضاف ابو سليم التمثيل ليصبح بعدها فنّه النقدي في قالب تمثيل مونولوجي، مُستعيناً بمواضيع حياتية يبرزها للمشاهد:
«عندما درجت موضة قماش الجنفيص، إستعنتُ بفرقة النفير، كلهم رجال، ارتدوا أكياس الجنفيص، والبعض منهم وضعوا شعراً مستعاراً مع ديكور على المسرح، وغَنّيت:
مش عَم نتعب بـ جَمع المال