«وصول» هو فيلم خيال علمي من إخراج دينيس فيلنوف وكتابة إريك هايزرر، مقتبس من رواية «قصة حياتك» من تأليف تيد تشانغ، وبطولة إيمي آدمز وجيريمي رينر وفورست ويتكر، وكان من الأفلام النخبوية (من حيث عمق الطرح) القليلة التي حققت نجاحا تجاريا باهرا من حيث الإيرادات من جهة ورضا النقاد من جهة أخرى.
وما يميز هذا الفيلم عن غيره من أفلام الخيال العلمي الشائعة التي تستقي على الأقل بعضا من تفاصيلها من نظريات علمية هو ميل مثل هذه الأفلام عادة إلى الاستعانة ببعض مفاهيم الفيزياء النظرية ثم التمادي في تطبيقات خيالية لها كما هو الحال مع فيلم «Interstellar» الذي وإن اعتمد بعض المعطيات العلمية السليمة في مواضيع الجاذبية وتدفق الزمن والثقوب السوداء، إلا أنه تمادى بشكل غير علمي في صناعة الأحداث كأن سمح لأحدهم بالولوج لثقب أسود والخروج منه سالما دون أن تسحقه الجاذبية.
أما عن «وصول» فربما كان هذا هو فيلم الخيال العلمي الأول الذي كان أحد أسسه نظرية إنسانية في علم اللغة وليس الفيزياء النظرية فقط كما سيتم تفصيله لاحقا، فتداخل الحبكة الدرامية في الفيلم مع المحاور العلمية جعله أكثر جودة بشكل رائع، بحيث لا يظهر أن أحد الجانبين مفروضا على الآخر، كما في كثير من هذا النوع في السينما.
ومن أجل التوضيح بشكل موجز ماذا نعني بـ «النسبيتين» كما ورد في العنوان.
النسبية اللغوية
هي إحدى نظريات علم اللغة التي تقترح أن إدراكنا للعالم محدود باللغة التي نستخدمها (وذلك لكوننا لا نستخدم اللغة لغرض التواصل فقط ولكننا نستخدمها كأداة للتفكير كذلك)، حيث إن لمفردات أي لغة بعدا ثقافيا وحضاريا متراكما، فإن فهمنا للعالم حولنا مبني على اللغة التي نتحدث ونفكر بها.
النسبية العامة
كما طرحها عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين، والتي تقوم على فكرة أن الزمن هو بعد رابع للأبعاد المكانية الثلاثة، وبناء عليه فإن مفهوم تدفق الزمن وتقسيمه لحاضر وماض ومستقبل هو وهم تفرضه علينا محدودية إدراكنا المحصور بالأبعاد الفضائية الثلاثة التي تجزئ الفضاء الكوني (المكان + الزمان) إلى سلسلة من الإسقاطات ثلاثية الأبعاد، ويشكل التتابع في إدراكها وهم الشعور بمرور الزمن، في حين أن الفضاء الزمني هو في الحقيقة كتلة واحدة متصلة يتزامن فيها الحاضر والماضي والمستقبل ولا تتميز فيه لحظة عن أخرى، وهو ما عناه ألبرت أينشتاين حين قال: «إن مرور الزمن هو وهم مهما كان ملحا».
ومن خلال الربط بين النسبيتين السابقتين يمكن فهم حبكة الفيلم الأساسية، فعالمة اللغويات في الفيلم ومن خلال تعلمها للغة الكائنات الفضائية استطاعت أن ترى العالم من منظور هذه الكائنات بناء على افتراضية النسبية اللغوية، حيث إن هذه الكائنات لا تتعامل مع الوقت بشكل خطي (وهي طريقة أخرى لطرح موضوع تداخل الحاضر والماضي والمستقبل)، فقد نجحت عالمة اللغة هذه في استشراق «المستقبل» واستخدام معطياته في الوقت «الحاضر»، وانعكس هذا الفهم بشكل عميق على حياتها الخاصة وبالتالي تسلسل الأحداث في الفيلم، وهو ما وصفته هي بـ «تداخل البدايات والنهايات»، وانتهى بها الأمر إلى التسليم بالقدر، وقبول فكرة وفاة ابنتها حتى قبل أن تحمل بها.