- نقولا الشدراوي -
بعد ثمانين يوماً من بدء الإنتفاضة الشعبية التي شهدها لبنان ، لا بد من النظر إلى شريط الأحداث نظرة موضوعية لتوضيح مجرى الأمور .
عصر يوم الخميس في ١٧ تشرين الأول وبعد انتشار خبر عن إمكانية فرض رسم شهري يقارب 6$ على مكالمات الواتس اب ، تداعى بعض الشباب في بيروت للاحتجاج وإقفال الطرق ، داعين عبر البث التلفزيوني المباشر الذي فتح لهم الهواء ، شباب لبنان في كافة المناطق إلى النزول إلى الشارع وإقفال الطرقات .
وبالفعل هذا ما حصل ، فقد نزل عدد كبير من المواطنين في كل مناطق لبنان ومن مختلف التوجهات السياسية للتظاهر والاعتصام وإقفال الطرقات مع تغطية لحظية مباشرةً على الهواء عبّر فيها المواطنون خلال عدة أيام عن همومهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية وشرحوا مطالبهم الحياتية المشروعة ، منادين بمكافحة الفساد وإسقاط النظام !
وذلك بالرغم من كون لبنان يتميّز عن بقية دول المنطقة بتداول السلطة فيه وبكثير من الحريات العامة والخاصة إلى حد الفوضى ، إلا أن الحراك يمكن تفهمه على أنه حراك مطلبي لديه مطالب محقة يسعى ويضغط لتحقيقها ، وهو ما أدّى فعلياً إلى إقرار الورقة الإصلاحية وإلى إحالة الحكومة لقانون موازنة 2020 إلى مجلس النواب من دون ضرائب جديدة على المواطنين وبعجز يقارب الصفر لأول مرة منذ 30 عاماً .
بذلك يكون الحراك المطلبي قد حقق الكثير من مطالبه في 21 تشرين الأول في جلسة مجلس الوزراء أي بعد خمسة أيام من بداية التحرك ،
إلا أن السياسة دخلت كالعادة لكي تفسد كل شيء وتقود الوطن إلى المجهول .
فالمتضررون من التسوية الرئاسية ، وأغلبهم ممن عُرفَ سابقاً بفريق 14 آذار ، لم يرضيهم الإستقرار الأمني والسياسي والمؤسساتي الذي تحقق بفضلها ، فأبوا إلا أن يستغلوا مطالب الناس المحقة لضرب تلك التسوية وتحقيق مآربهم المعروفة والمكشوفة منذ اختطاف الرئيس الحريري وإجباره على الإستقالة من السعودية ، بغية العودة إلى الإنقسام والشرذمة بين فريقَ ٨ آذار و فريق ١٤ آذار والإدعاء بعدم نجاح العهد .
للأسف أن هذا الفريق السياسي المُستغل لمطالب الناس في الشارع قد نجح في دفع الرئيس الحريري إلى الإستقالة في 29 تشرين الأول من دون تنسيق مع شركائه في الحكم، ما وضع حدّاً للتسوية الرئاسية وأدخل البلد في أزمة سياسية طويلة أدّت إلى أزمة إقتصادية واجتماعية ومالية فوقعت البلاد في الفراغ ، فلا حكومة تصرّف الأعمال ولا حكومة فعلية تمارس الحكم وتُرك الناس لمصيرهم ، إذ لولا وجود رئيس للجمهورية، رغم شحّ الصلاحيات ، أخذ الأمور بصدره لضبط ما يمكن ضبطه مالياً واقتصادياً وأمنياً ، لكانت الأوضاع أصعب وأدهى .
أما اليوم ، وقد حصل ما حصل ، ها هو فخامة الرئيس يتجاوب ، كما دائماً ، مع مطالب الناس بحكومة مؤلفة من وزراء خبراء وإختصاصيين كلّ في مجال وزارته ، في محاولة إنقاذية أخيرة ، برغم ما يحيطنا إقليمياً من توتّر وصراع ، سوف ننجح في إبعاد بلدنا عن تداعياته ، فما حدث أدّى إلى وعي الجميع لضرورة الإنتقال من النموذج الريعي الإستهلاكي إلى النموذج الإنتاجي التصديري زراعياً وصناعياً خاصةً مع قرب التنقيب البحري عن النفط والغاز ، إضافةً إلى تزخيم عودة الأخوة النازحين إلى بلادهم جراء الأحداث وتقلص فرص العمل فقارَبَ عدد العائدين من لبنان النصف مليون عائد .