2025- 03 - 05   |   بحث في الموقع  
logo عبد المسيح: اجعلوا الانتخابات البلدية 2025 انتخابات ضد الفساد logo قطر ترفض تحقيقاً إسرائيلياً يربط مساعداتها بهجوم 7 أكتوبر logo مليار دولار إسرائيلية.. لإقناع دروز سوريا برفض توحيد البلاد logo محادثاتٌ جديدة بين كييف وواشنطن logo "كفاك يا دولة الرئيس"... "رسالةٌ" من وهاب لـ بري logo في مبادرة تربوية... مارون: المدرسة الرسمية أمانة في اعناقنا logo من شماله إلى جنوبه: إنطلاق حرب "لبنانية" لتحرير نهر الليطاني ونزع "السلاح البيولوجي القذر" بالقوة! logo أطنانٌ من بذور البطاطا لمزارعي البقاع
اغتيال اللواء قاسم سليماني أميركيًّا زلزال يفوق كلّ الزلازل منذ سنة 2003 (بقلم جورج عبيد)
2020-01-03 20:13:55



 


زلزال اغتيال واستشهاد اللواء قاسم سليماني لا يشبه أيّة زلازل سياسيّة وأمنيّة انفجرت في منطقة المشرق منذ بداية الألفيّة الثانية إلى الآن. في سنة 2003 احتلّ الأميركيون العراق فكان الزلزال الأوّل الذي خلخل العراق مذهبيًّا وهزّه بأعماقه وامتدّ منه إلى المنطقة بأسرها، في 14 شباط من سنة 2005 استشهد رئيس الحكومة اللبنانيّة السابق رفيق الحريري بطريقة وحشيّة لامتناهية، فجاء اغتياله "الجمهول الفاعل" في الشكل والمعلوم بالفعل كمحاولة فصيحة لنقل مفهوم الفوضى الخلاّقة من العراق إلى لبنان وزرع الفتنة المذهبيّة فيه، وإخراج سوريا منه تطبيقًا للقرار 1559 الذي ما كان ممكنًا تطبيقه إلاّ بالدم، ليخرج عمران أدهم في كتابه النفاق الأميركيّ ويتّهم بلسان جون بيركنز وديفيد وين المسؤولين الكبيرين في الاستخبارات الأميركيّة CIA الإدارة الأميركيّة وبالتحديد كوندوليزا رايس بقتل رفيق الحريري بالتواطؤ مع الإسرائيليين، ولم يؤخذ الكتاب كوثيقة تاريخيّة إثباتيّة كاشفة للتورط بل للدور الأميركيّ باغتيال الرجل. ثمّ تدحرجت لحظات قاتلة تنتمي بجملها ومفرداتها إلى هذا السياق النوعيّ الموصوف والممدود من العراق إلى لبنان، كالحرب الإسرائيليّة المباشرة على لبنان في الرابع من تموز سنة 2006، في محاكاة ومماشاة للرؤية الأميركيّة المنكشفة في منطقة حولّوها فيما بعد إلى ما يسمى بالإقليم الملتهب.


لم تتوقف المحاكاة والمماشاة عند هذا الحدّ حتمًا بل تواصلت مع بداية ظهور ثغرات أمنية واضحة في بنية لبنان وسوريا والعراق قابلة لمجموعة اختراقات في أية لحظة ممكنة بدءًا من سنة 2006 وصولاً للزلزال الكبير الآخر في سوريا سنة 2011 بعد انفجار الخريف العربيّ على مستوى الأنظمة العربيّة فتبيّن أنّ أصابع الأميركيين كانوا دومًا خلفها والمحرّكين لها. لم تكن الحرب سوريّة أي بين السوريين، بل كانت أميركيّة-خليجيّة-إسرائيليّة على سوريا بواسطة قوى تكفيريّة اعترفت وزيرة الخارجية الأميركيّة السابقة هيلاري كلينتون بأن الأميركيين هم من أنتجوها ومولوها وأطلقوها منذ نشوء القاعدة إلى تنظيم داعش. في هذه اللحظات دخل قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني أرض المعركة في سوريا مناصرًا لسوريا ورئيسها الدكتور بشار الأسد، ومن لبنان دخل حزب الله بقيادة أمين عامه السيد حسن نصرالله أرض المعركة في سوريا من باب القصير سنة 2013 فاتحًا من تلك البلدة طريق النصر. كان التنسيق على أشدّه بين الشهيد سليماني والسيد نصرالله والرئيس بشار الأسد أطال الله بعمره على رسم خريطة المعركة للبلوغ نحو أهدافها، والهدف الأساسيّ والجوهريّ في فكر سليماني تحرير الخط الواصل من طهران إلى بغداد إلى حمص ودمشق وبيروت بلوغًا نحو الجنوب اللبنانيّ، أي نحو الحدود اللبنانيّة-الإسرائيليّة لكونه استراتيجيًّا بامتياز، من دون إغفال للخطّ الساحليّ كمرحلة لاحقة مرتبطة بمعركة إدلب. همّ اللواء سليماني انصبّ وانكبّ على ربط الحدود ببعضها بصورة محكمة، اي ربط الحدود اللبنانيّة-السوريّة بالحدود الأردنيّة-السوريّة والحدود العراقيّة-السوريّة وفي الوقت عينه ليس الرجل بعيدًا عن "دوزنة" الرؤية مع الأتراك بحيث منعها قدر الإمكان من الانزلاق.


لم يكتف قاسم سليماني بهذا الحدّ بل ساهم بإقناع الروس بضرورة دخول سوريا لحماية حديقتهم الخلفيّة، وقد دخلوا وتحالفوا مع الإيرانيين وحزب الله بغية سحق تنظيميّ داعش وجبهة النصرة، وتمّ ذلك ما بين حمص وحماه وحلب وريف دمشق وكسب وصيدنايا ومعلولا ووادي النصارى أي قلعة الحصن وكانت بصمات قاسم سليماني بادية في كل المعارك. وفي العراق كاان الرجل حريصًا على إعادة التوازن إلى بلاد الرافدين فواجه الفوضى الخلاّقة بشارسة ممزوجة بحكمة القائد، وبدا في جوانب كثيرة من المواجهة جيشًا في رجل. كان العراق كما سوريا ملعبه بوجه المتطرفين وبوجه الأميركيين، وهو القارئ بحصافة استراتيجيّة للاهداف الأميركيّة في المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-العراقيّ، والعامل بل العامد على دمج هذا المثلّث المشرقيّ-العربيّ كقالب صخريّ بوجه إسرائيل، وفي مواجهة تهويد القدس، وحاول غير مرّة ربط جبهات المقاومة من عزّة إلى الجولان من أجل تطويق إسرائيل مقابل تطهير هذا المثلّث ضمن جبهة الممانعة، ونزع فتيل الفتنة الشيعيّة-السنيّة في بلدان المشرق العربيّ.


ليس السياق التاريخيّ لسيرة اللواء سليماني معصومًا عن اغتياله في المعاني والتطلعات والأبعاد. ذلك أن استشراف حدث استشهاده بدسامته الواضحة يتطلّب بالتأكيد ربط الأجداث ببعضها البعض. قد يطرح أحدهم سؤالاً على سبيل المثال لا الحصر،ما علاقة استشهاد الرئيس سعد الحريري في لبنان باستشهاد اللواء قاسم سليماني في العراق؟ ويتولّد من طرح السؤال سؤال استطراديّ ما هي الأهداف والمعاني الكامنة خلف مشهد الاغتيالين؟


لقد أبنّا في مطلع المقال بأنّ من قتل رفيق الحريري بقي ضميرًا مستترًا، ليحلّ مكانه ضمير متصل آخر، وهو ضمير مزعوم. ومن قتل قاسم سليماني، لم يكن على الإطلاق سوى ضمير متصل وظاهر بالقرار والفعل. في الاعتيال الأوّل حاولوا زجّ التهمة على سوريا وحزب الله وسارت المحكمة الدوليّة بهذا التوجّه، إلى أن فضح وليد جنبلاط ومن دون قصد بأنّ اتهامه لبشار الأسد (الرئيس) سياسيّ خال من الأدلّة والبراهين، وجاء كتاب عمران أدهم الذي لم يؤخذ به كوثيقة كما أوضحنا ليكشف الضمير المستتر على لسان بيركينز ووين، مظهرًا كيف أن الأميركيين تورطوا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي الاغتيال الثاني صرّح الأميركيون مباشرة وبلسان الرئيس دونالد ترامب بأن أميركا هي التي قتلت قاسم سليماني، فقتلت معه الفكر الاستراتيجيّ والجيش المحتشد في رجل واحد.


في المعاني والأبعاد، حاول الأميركيون في لبنان جذبه نحو الفتنة المذهبيّة بدلاً من اللحمة التي عمل عليها الرئيس رفيق الحريري بالاتفاق مع أمين عام حزب الله حسن نصرالله حيث متوقّعًا ان يوقّع معه وثيق تفاهم تحمي لبنان من الاندراج في أتّون الفتنة، ليدخلها لبنان سياسيًّا وبعض الشيء أمنيًّا، لكنّه سمح بتأجيجها ضمن الإقليم ليجعله متوتّرًا. أمّا في العراق فإنّ اغتيال العصب الصلب والمتين للإيرانيين في المنطقة سيقود حتمًا إلى مواجهة محدودة ما بين العراق مكان الاغتيال وعلى الحدود السوريّة-العراقيّة، وبدورها قد تكون ممدودة نحو القواعد الأميركيّة البحريّة والجويّة باتجاه باب المندب ومضيق هيرمز.


فلا شكّ بانّ من أقنع دونالد ترامب باغتيال سليماني غير غافل عن الانعكاسات الممكنة من خلف عمليّة الاعتيال. والإقناع جاء من بابين باب أميركيّ اعتبر بأن دونالد ترامب في أزمة تجديد واضحة لولايته، وقد يرتفع استهداف هدف كبير جدًّا من هذا النوع بأسهمه في المدى الأميركيّ بزعمه وانتشائه أمام الأميركيين بتحقيق هدف استراتيجيّ معنويّ يعود بالفائدة والحماية على الأمن القوميّ الأميركيّ، وباب إسرائيليّ بحيث يستفيد بنيامين نتنياهو بدوره من الهديّة الثمينة بحسب مفهومه التي قدمها ترامب له، فسليماني كان خطِرًا على إسرائيل، وهو والسيد حسن نصرالله يمثلان رؤية واحدة في المواجهة، وبالتالي، فإنّ نتنياهو يملك بحسب منطقه حجّة أمام ناخبيه ليقول لهم بأنهم كان منسجمًا مع ترامب في قتل قاسم سليماني وبتر العصب الإيرانيّ الجوهريّ المتمكّن في المنطقة من اليمن إلى أفغانستان، وبخاصّة، في المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-الإيرانيّ.


لكن وبحسب المعطيات الواردة، فإن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو والحلفاء الخليجيين قد وقعوا في مأزق الردود الناريّة الإيرانيّة. وما يتبيّن بأنّ دونالد ترامب سيسحب الجيش الأميركيّ من العراق مع دعوة الرعايا للانسحاب، لكنّه وبالمنطق الإيرانيّ لن يمر على خير، فعلامات المواجهة المباشرة ظهرت كبديل عن المواجهة غير المباشرة الحاصلة في معظم الإقليم المتوتّر، ففي لبنان ومنذ الرابع عشر من تشرين الأوّل خاض الأميركيون حربًا ماليّة شرسة على لبنان بسبب التحالف ما بين العهد وحزب الله وطمعًا أيضًا بالنفط وانتقامًا من الدولة اللبنانية لتلزيمها شركات روسية فرنسية وإيطالية الحفر في البلوكين 4 و9. ليبدو بان الحرب فشلت إلى الآن في الوصول إلى أهدافها. في سوريا والعراق واليمن لم يحصد الأميركيون سوى الفشل الذريع، وكما قال بولس الرسول: "من زرع شحيحًا فشحيحًا أيضًا يحصد"، لقد حصدوا الشحيح أي الفشلوهم المعتدون الآن بصورة مباشرة. كيف يعقل أن تغتال دولة شخصيّة عسكريّة لدولة على أرض دولة أخرى بأيّ حقّ وأي وجه تمّ ذلك؟


سيدرك الأميركيون والإسرائيليون غباءهم المطلق كنتيجة لهذا الاغتيال. فلا مقتضى الصدر في العراق بات أداة عندهم، والرئيس العراقيّ استنفر دولته، والحشد الشعبيّ أبدى جهوزيته، والشيعة من لبنان إلى طهران مرورًا بالعراق قفزوا فوق الفوارق وصراع المرجعيات وصراع الإتنيات والقوميات ليظهروا جسدًا واحدًا في المواجهة المقبلة. وفي لبنان يترقّب الجميع بعد نعي سماحة السيد حسن نصرالله للواء سليماني ما هو الدور المنتظر في المواجهة، لكن ومن دون شكّ فإنّ حزب الله ينتظر جنون نتنياهو إذا ما علا ليخفضه بالطرائق المناسبة، وغالب الظن بأن نتنياهو لن يجرؤ على الإطلاق فصواريخ المقاومة له في المرصاد.


ختام المقال بأنّ العالم مترقب لمواجهة واضحة. السؤال المطروح أين ستكون روسيا والصين من تلك المواجهة؟ لقد صرّح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بأنّ اغتيال سليماني مغامرة أميركيّة فهل استعماله كلمة المغامرة تدلّ عن اتهام أو توصيف؟ والصين بدورها دعت لضبط النفس، وكأنها تحاول ترويض حليفها الإيرانيّ. لكن في النهاية الإيرانيون قرّروا المواجهة والانعكاسات ستظهر تباعًا، وغدًا لناظره قريب.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top