عيناك سيدي ينابيع ضياء، أنّى لنا أن نغتسل بها، ونحن مطلّون على سنة جديدة، تولد في حياتنا، وأخرى تمضي منها؟ هل لنا في زمن جديد أن نكسر التوق ليصير فعلاً وأنت القائل "أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم"؟ سنوات مضت من حياتنا وأخرى أقبلت والأزمنة تعبر في كون يدور على نفسه، وعندي السؤال جرح، ماذا قدّمنا لك من حبّ وحنان لنرث وجهك أو ليرتسم علينا نوره العظيم؟
تقلقني الأسئلة، فأنا لا أبحث عن ذاتي في الوجود، وفي وجوه منها من احتجب ومن من لا يزال ظاهرًا ومنها من ولد، أنا أبحث عنك في ذاتي والوجود والوجوه، وأبحث عنك في كون مشلوح على براكين من حروب ومجاعات ومخاوف، وأنا على يقين أنني إن وجدتك وجدت نفسي في مقادسك، وإن نظرت عيناي عينيك انفجرت ينابيع الضياء فبات الاغتسال معمودية حقّ وشهوة حياة أبديّة، وكلمتك بل وجهك هما الحياة الأبديّة.
نفوس مخلّعة ترنو إليك، لأنها رأتك منذ الابتداء مصدرًا لنهوضها ووثباتها وغفران خطاياها، أسر ممزّقة تنتظر حضورك في حياتها، لأنها قرأتك مصدرًا لاجتماعها ووحدتها، عائلات مشرّدة عصرها الجوع وأضنتها الفاقة وأوجعتها الأحزان وشرّدها الجنون وامتحنها المجون تحتشد خلفك وأمامك لأنها ذاقتك خبزها وخمرها، وعاينتك خيرها وحقّها وآمنت بك مخلّصًا لها، ومشرق كاد يتشلّع وبلدان فيه اكتوت بالحروب واحترقت بها تنتظر مرور يمناك لتمطر عليها البهاء والبركات، فيتماهى المشرق ببلدانه بك، وأنت لبسته جسدًا منذ تجسدك من مريم البتول، لتضمّه إلى صدرك بآلامه وتعبه وتبعثه معك إلى القيامة.
أمّا وطني، وقد وهبته فردوسًا كامل الجمال، فهو ينظر بشعبه إليك مع وداع السنة 2019 وإطلالة سنة 2020، ليرجوك أن ترفع عنه تلك الكأس المرّة وقد تجرعها لسنوات طويلة ولم يذق بعد حلاوة الخلاص بالمطلق. مسالة وطني يا ربّ ليست بالسياسة، بل بقيم نحرت على مذابه عدميّة فترمدت الأرض وكادت تهجّرك منها. لم تعد الطوائف امتدادًا للحقّ الإلهيّ، وهي ما كانته في لحظات نشوئها وتكوينها، لقد صدق جبران خليل جبران القائل "ويل لأمّة كثرت فيها الطوائف وقلّ فيها الدين"، ليس صعبًا الدمج بين الكلمة الإلهيّة وتراب الأرض، فالتراب في تراثنا مدعوّ إلى التوهّج ليصير نورًا، إذا سما الشعب وفهم معنى الحقّ فيه. خطيئتنا سيدي أننا لم نسمُ بعد إلى ما أنزلته في جبلتنا ودنيانا من شرائع ووصايا وعلمتنا الاقتداء بها. أخذتنا السياسات إلى الرهانات بل إلى الارتهانات، فغدونا غرباء عن ذواتنا وحقيقتنا، لم نعد نجيء منك ولم نعرفك إلاّ في لحظات التعب القصوى، وأنت القائل تاعلوا أيها المتعبون وأنا أريحكم. فسامحنا ربي باسمك القدوس واغفر في هذه الليلة خطايانا، وأعطنا ان نجوز السنة المقبلة 2020 بلا عيب، بلا آثام، بلا آلام، بلا محن. وإن سادت علينا الخطايا بسبب ضعفاتنا فلا تقمنا عليها بل اغفر لنا، وابعد عنا السقطات، وارفعنا من الوحل وأنقذنا من الليل لنستقرّ بك أيها الحبيب الإلهيّ.
هذا لبنان سيدي، إنه بين يديك بمكوناته وطوائفه وشعبه وملله ونحله وأحزابه. إلمسه بحنانك، أطلقه بسلامك، أعطه محبتك، لا تقم عليه خطايانا ولا تجعله أسير إثمنا. ليس لبنان جبالاً ووديانًا وسهولاً وروابٍ وشاطئ، إنّه نجمك المسكون والمهجوس والممتلئ لك، فلا تتخلّى عنه مع دنوّنا من هذه السنة الجديدة، فلتكن سنتك أنت فيه وفي سائر البلدان المعذبة لا سنتنا نحن، أنت سيدي بارك إكليل السنة بصلاحك، وطّد السلام هدئ الناس إمنحنا توبة حقيقيّة، وقدّس الئين يحبونك ويسبحونك، حتى منهم ومن أفئدتهم المباركة تولد سنة جديدة لإنسان جديد.
دعائي سيدي الحبيب، أن تعبر الأزمة عنّا إلى غير رجعة، وتجبر الخواطر. أبعد عن أرضنا روح نجاسة روح الضلالة روح الشر، إجهلنا مقبلين إلى خيرك، يفيض في معاجننا ولا تحرمنا من محبتك وعدالتك وبركاتك، لتكون أنت حياتنا ويسود علينا سلامك.
لتكن سنة 2020 مليئة بك، فلا تهملنا في التجارب المرّة، بل إملأ حياتنا ونفوسنا بك، حتى إذا عاينّاك ورأيناك وشهدنا لك نكون مع لبنان والمشرق بأسره قد غدونا في المجد، وأنت ربيّ ربّ المجد.
إقبل مني هذا الدعاء مع نهاية سنة 2019 وافتتاحنا لسنة 2020 وأنا مرسل إليك التمجيد والإكرام دومًا وفي كلّ أيام حياتي إلى منتهى الدهر، آمين.