في عام 1789، نشر رجل بمنتصف العمر كتاباً عن تجارب حصلت لرجل تم خطفه من إفريقيا، ليتم بيعه من رجل إلى آخر، متعرضاً لشتى أنواع الانتهاكات ومعها الفرص التي أدت إلى شرائه حريته والمطالبة بتحرير العبيد.
هذا الرجل كان أولودا إكويانو، أو جوستافوس فاسا، البريطاني من أصل إفريقي، والذي أسس بقصته نوعاً جديداً من الأدب، وطرقاً جديدة لفهم تجارب العبيد من منظورهم الشخصي ولأول مرة.
كتب بالكلمات ما لم يكن يريد المجتمع أن يستمع إليه ويعترف به، فكان وقع الكلمة أكثر إيلاماً وتأثيراً.
هذه القصة كانت سيرة ذاتية في 12 فصلاً، سرد مؤلفها، أولودا إكويانو، تفاصيل رحلة حياته من إفريقيا إلى العبودية في الأطلسي إلى الحرية البريطانية.
قدَّم فيهاً مجموعة أدلة ساعدت في دعم وتعزيز إلغاء ونهاية الرقيق عبر المحيط الأطلسي من قِبل بريطانيا وغيرها، ولكن بعد وفاته.
البداية كانت خطفه في أثناء طفولته
وُلد إكويانو، وفقاً لروايته، عام 1745، في مجتمع الإيبو وهو ما يسمى الآن نيجيريا، كانت عائلته قوية وذات نفوذ، فقد كان والده زعيماً سياسياً.
لكن هذا الأمر لم يحمِ إكويانو من الخطف وبدء رحلته مع العبودية، فمن قريته سار من تاجر إلى تاجر عدة أشهر حتى وصل إلى المحيط الأطلسي، حيث تم بيعه إلى سفينة متجهة إلى باربادوس وهي جزيرة تقع في المنطقة الغربية من شمال المحيط الأطلسي.
في هذه المرحلة، كان عمره نحو 11 عاماً، ويصف إكويانو كيف ملأته هذه التجربة بالخوف والارتباك من لونه وأصله الإفريقي، وكمّ القسوة وشدّة الانتهاكات التي كان يتعرض لها الأفارقة على متن السفينة.
بعد أن نجا من رحلة السفينة ووصل إلى باربادوس، تم بيعه في مستعمرة فرجينيا بأميركا الشمالية، حيث اشتراه اللفتنانت باسكال، وكان ضابطاً في البحرية الملكية.
التعلم والسفر منحاه فرصة أفضل
سافر إكويانو على نطاق واسع مع باسكال، وتعلَّم القراءة والكتابة، وهو ما ساعد على حدوث تغيير كبير في حياة إكويانو، لم يكن ليحدث لو كان بيع عبداً للعمل في إحدى المزارع.
التعليم الابتدائي وتجربة السفر البحرية التي حصل عليها إكويانو بصحبة باسكال مدة ثماني سنوات، جعلا حياته أفضل عما كان سيختبره في إحدى المزارع، وكان باسكال هو من أطلق على إكويانو اسم «جوستافوس فاسا».
ظل إكويانو يتنقل من سيد إلى آخر، فقد باعه باسكال إلى قبطان سفينة في لندن، ثم باعه القبطان بدوره إلى تاجر هو روبرت كينغ، الذي رأى أن مهارات إكويانو تُمكنه من العمل تاجراً.
فوضعه في التسويق بدلاً من الحقول، وتمكَّن إكويانو من مُراكمة مُدخرات كافية، وبعد ثلاث سنوات قضاها عبداً لروبرت كينغ، سمح له كينغ بشراء حريته في عام 1766.
استمر إكويانو في كتابة مذكراته حول الرقيق، وهي المذكرات التي طُبعت ما لا يقل عن 17 طبعة، بالإضافة إلى عديد من الترجمات.
ويسرد إكويانو خلال سيرته الذاتية، مغامراته في أعالي البحار، والانتهاكات التي حدثت أمامه للأفارقة والسود، ويسرد قصة تحوُّله إلى المسيحية.
قضى إكويانو ما يقرب من 20 عاماً في السفر حول العالم، وضمن ذلك رحلاته إلى تركيا والقطب الشمالي.
واختتم إكويانو روايته بتوجيه نداء من أجل كسب تعاطف القراء تجاه ما يمارَس في حق العبيد، والسعي إلى إلغاء العبودية، قائلاً: «يمارَس التعذيب والقتل وكل أشكال الوحشية والظلم التي يمكن تخيُّلها، على العبيد الفقراء دون عقاب، آمل أن يتم إلغاء تجارة الرقيق، وأدعو الله أن يحدث هذا قريباً».
نضاله ضد العبودية
وفي عام 1786، بلندن، شارك إكويانو في الحركة النضالية لإلغاء العبودية، فقد كان عضواً بارزاً بمجموعة «أبناء إفريقيا»، وهي مجموعة من عشرات الرجال السود الذين قاموا بحملة من أجل إلغاء العبودية.
بعد نشر إكويانو سيرته الذاتية، سافر على نطاق واسع للترويج للكتاب، الذي أصبحت شعبيته الهائلة جزءاً لا يتجزأ من قضية إلغاء العبودية.
وتسبب الكتاب في ثرائه، وفي عام 1792 تزوج سيدة إنجليزية، هي سوزانا كولين، وأنجبا ابنتين.
توفي إكويانو في عام 1797، قبل أن تتخذ بريطانيا إجراءات إيجابية نحو إلغاء العبودية، ومع ذلك، فإن روايته ساعدت -بلا شك- في دفع الرأي العام البريطاني إلى إعادة التفكير في علاقتهم بالمتاجرة بالبشر والتزامها.
وبين عامي 1798 و1827، بعد وفاة إكويانو ازدادت شهرة سيرته الذاتية وأصبحت عملاً مؤثراً في إنشاء قالب أدبي جديد لكتابة حياة العبيد لاحقاً، ثم أصبحت أيضاً نصاً مهماً في تدريس الأدب الإفريقي.
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، أثارت الوثائق المُكتشفة حديثاً والتي تُشير إلى أن إكويانو قد وُلد بأميركا الشمالية أسئلة، لا تزال دون حل، حول ما إذا كانت رواياته عن إفريقيا والممر الأوسط تستند إلى الذاكرة أو القراءة أو مزيجاً من الاثنين.