2024- 12 - 27   |   بحث في الموقع  
logo مسلسل"مئة عام من العزلة": ماركيز في أفق جديد مدهش logo عطل في "تشات.جي.بي.تي" يؤثر على ملايين المستخدمين حول العالم logo خروف معلّق في الهواء في النبطية logo لبنانيون يدعون إلى حصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط logo ميقاتي ينفي تبلغ لبنان عدم انسحاب إسرائيل بعد الهدنة logo رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري "ابن خلدون الشرق" logo “اليونيفيل” تُجلي مواطناً مصاباً من بلدة طلوسة logo ريفي: وعد الشهيد شطح يتحقق
الرئيس سعد الحريري هو من أنهى نفسه والرئيس دياب سيثبت على راس حكومة إصلاحيّة متوثّبة (بقلم جورج عبيد)
2019-12-23 20:10:58



بقلم جورج عبيد -


هل فقد الرئيس سعد الحريري دوره النهائيّ في لحظة جديدة ومتوثّبة حملت إلى رئاسة الحكومة أكاديميًّا ومثقّفًا راقيًا وهو الدكتور حسّان دياب؟ ليس السؤال محصورًا ضمن الدائرة السنيّة على الرغم من أنها الدائرة المعنيّة بهذا الموقع كوجدان ممدود ومطلّ على الوجدانات الأخرى في تكوين لبنان بنظامه وحكمه وحكومته، بل في إطلاقيّته يحمل السؤال التماهي الجوهريّ في انبلاج اللحظة الجديدة واتّلادها ما بين الداخل والخارج.


برأي متابعين، لم يعد ترف التأويلات جائزًا في انكشاف المعلوم، وقد ظهر جليًّا بأنّ التخلّي عن سعد لم يكن داخليًّا بقدر ما هو خارجيّ ومعبّرعن تقييم موضوعيّ قامت به الولايات الأميركيّة المتحدة وفرنسا لشخصيّة سعد السياسيّة ولقدراته على الاستيعاب والامتصاص وعلى سلوكيّات وجدوها في بعض من وجوهها شديدة الالتباس وكثيفة الالتواء، لا سيّما بعد تبدّد ميراث أبيه والخسائر الماديّة التي لحقت به ما بين تركيا وفرنسا والسعوديّة وألمانيا، والتي أوصلته إلى فقدان قدرته على دفع رواتب الموظّفين في الشركات التي ورثها وامتلكها وترأسها. وقد اكتشف الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بأنّ سعد الحريري لم يتمسّك بسيدر كهدف ماليّ-وطنيّ يستفيد منه لبنان الدولة والمؤسسات، بل كهدف شخصيّ له ولمجموعة من مجموعة رجال أعمال بحاول من خلاله تعويم خسائره الشخصيّة والماليّة.


هذا التقييم، والتي لم تكن روسيا في المطلق بعيدة عنه، أدّى إلى خروجه من المعادلة في التكليف والتأليف على الأقلّ في المنظور الدوليّ والعربيّ. من هذه الناحية لم تعد الحريريّة السياسيّة التي رسخت في لبنان بتوافق أميركيّ-سعوديّ-سوريّ ببعديها السياسيّ والاقتصاديّ تمتمة دوليّة محضة. أضف إلى ذلك، بأن ظروف تكوينها ونشوئها قد بطلت بفعل التغييرات الجوهريّة في لبنان والمنطقة، كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري إحدى أكبر عناوينها على مستوى لبنان والمنطقة. بهذا المعنى الحريريّة السياسيّة انتهت وماتت، ولم يعد بالإمكان إحياؤها. وقد بات ضروريًّا الاعتراف بـأنّ سعد الحريري وبإجماع الجميع هو من جنى على نفسه بتقديم استقالته بهذه الطريقة الفظّة والفجّة وغير المبرّرة إلى فخامة الرئيس. من دفعه إليها وضغط باتجاهها على مستوى الخارج لا سيّما على المستوى الأميركيّ-السعوديّ، أنهاه، وأنهى معه حقبة أساسيّة كان الفساد والسلب إحدى عناوينه الكبرى، والتي آلت إلى اهتراء النظام السياسيّ في لبنان.


لم يرنُ أحد في الداخل إلى إقصاء سعد الحريري. وللأمانة، كثيرون ظنّوا بأن جبران باسيل سعى إلى توطيد الإقصاء، فتبيّن بأنّ جبران كان الساعي قبل سواه إلى أمر من أمرين:


1-إمّا الحريري يعود لرئاسة الحكومة ضمن تسليم من جميع القوى السياسيّة بمبدأ التمثيل السياسيّ إلى جانب مجموعة من المستقلّين والتقنيين وحراكيين، فنكون أمام حكومة تكنو-سياسيّة. حينئذ تؤشّر عودة الحريري من هذه الناحية لعودة القوى السياسيّة بصقورها إلى الحكومة، وهذا ما رفضه، وقد أصرّ عل أن يترأس حكومة مؤلفة من تقنيين.
2-إمّا يسمّي الحريري كممثّل للوجدان السنيّ بأكثريته المطلقة، إن جاز التوصيف في الظروف السياسيّة الحاليّة، من يترأس الحكومة فتتألّف حينئذ من تقنيين واختصاصيين ومستقلّين وحتمًا مِن مَن يرشحهم الحراك ليمثّلوا أهله في الحكومة.


لم يقبل سعد بأيّ حلّ من الاثنين، وقد أصرّ جبران باسيل على إيجابيّته، فيما الأوّل بادلها بجموعة سلبيات، بعض منها تحوّل إلى مسرى إقصائيّ حين رفض سعد أن يمثّل جبران التيار الوطنيّ الحرّ في حكومة يترأسها. هنا لا بدّ من ملاحظة بأنّ حزب الله إل جانب التيار الوطنيّ الحرّ وحركة أمل سعوا بكلّ قوتهم لثنيه على الاعتكاف والاتجاه نحو التأليف، فلم يقبل بالترشّح للتكليف ومن ثمّ التأليف.


بمعن أنّ استقالته في البدء، ومن ثمّ اعتكافه بعد عناد يابس، خطأان استراتيجيان. لم ينتبه الرجل بأنّ رفضه للحلّين وارتكازه على منهج المناورة وحرق أوراق وأسماء، سيفرغانه من المضمون المنطلق منه، وسيحجب تحت رماد الفتن التي كانت مهيّأة للبلد واقعيّة التسوية وإطلاقيتها في الحكومتين الأولى والثانية اللتين ترأسهما إلى جانب رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون. الطامة الكبرى التي علق في شباكها، أنّ الأميركيين على وجه التحديد لم يعودوا مبالين به على الإطلاق. وهم، تاليًا، من أوعزوا إلى القوات اللبنانيّة لكي يمتنعوا عن التصويت له لو حصلت الاستشارات الملزمة يوم الاثنين الفائت. حجب الأصوات من قبل تكتّل لبنان القويّ مختلف بأهدافه عن القوات، فهو رسالة على منطق ساد بسلوكيات حريريّة نافرة قائم على مبدأ إمّا أنا أو لا أحد، ترجم بحرق محمّد الصفدي وصولاً إلى سمير الخطيب.


سقط سعد الحريريّ في شِباك عنكبوتيّة حاك بعضها بنفسه، وتلاقت حياكته مع حياكة الخارج من دون أن يدري، ليعلق بين خيوطها، لتسقط معه الحريريّة السياسيّة كنهج ووهج ووجه. حاول سعد الحريري إقصاء جبران باسيل فلم يفلح، إلى أن أقصى نفسه، أو تمّ أيضًا إقصاؤه دوليًّا وعربيًّا من الحكومة ومن ثمّ من المعادلة السياسيّة. كان لا بدّ من هذه الناحية البحث عن مرشحين آخرين، ظهر اسم نواف سلام مستفزًّا لحزب الله، فأتى الإخراج باقتراح من الوزير جبران باسيل بتسميته الدكتور حسّان دياب نائب رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهو شخصيّة أكاديميّة وعلميّة ويشغل منصب نائب رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت، ويمتاز بثقافة عالية وشخصيّة مميّزة وهو قريب من الجميع وعلى علاقة متواصلة بهم. قبل حزب الله به فورًا، فتمّت التسوية بترشيحه، في حين رفض تيار المستقبل وتيار الوسط الاندراج في التسوية بعدم التسمية لا لنواف ولا لحسّان، كما أنّ القوات فاجات الجميع بعدم التسمية.


سمّى سبع وخمسون نائبًا الدكتور حسّان دياب رئيسًا للحكومة فتكلّف من قبل الرئيس عون. خرجت التظاهرات إلى العلن من جديد باحتجاج شديد على تسمية الدكتور دياب في هذا الموقع. جاءت تلك التظاهرات بغالبيتها لتهتف بالولاء المطلق للرئيس سعد الحريري، ولتشكّك بميثاقيّة التمثيل ضمن المعطى السنيّ، حتى بلغت الاحتجاجات الذروة في كورنيش المزرعة بهذا الشغب الذي انفجر في الشارع بوجه الجيش اللبنانيّ والقوى الأمنيّة، وتبيّن بوجود مجموعات فلسطينيّة وفدت من صيدا إلى جانب قوى إسلاميّة تكفيرية وفدت من طرابلس وعرسال إلى جانب بعض اللاجئين السوريين. لم يتحرّك هؤلاء عن عبث، ولم ينطلقوا بالصدفة لو لم يأت الإيعاز من تيار المستقبل على وجه التحديد كمحاولة يائسة لإنقاذ الرئيس سعد الحريري من الشارع والتشكيك بالموقع التمثيليّ للرئيس دياب.


وتقول بعض المراجع العليا، بأنّ الشغب لم يكن منتميًا إلى سياق موضوعيّ، بل عل العكس إنّه شغب عبثيّ ليس منه فائدة في ظلّ المشهد الجديد المتجلّي مع زيارة ديفيد هيل إلى لبنان. ذلك أنّ المبعوث الأميركيّ في زيارته لمعظم المراجع، دعا إلى الإسراع في تشكيل حكومة تؤمّن مصالح اللبنانيين وتكافح الفساد ببنيته. في المعلومات الواردة، لم يقل كلامًا قاسيًا أو تتمثّل به الجلافة عن حزب الله، لم يكن إيجابيًّا تجاهه في المطلق ولا سلبيًّا في المطلق. بل وقف في دائرة وسطى، ضمن إيجابيّة لم تفصل على الإطلاق بين المبنى اللطيف والمعنى العميق. مصادر عالية المستوى أثنت على نوعيّة الأفكار المقدَّمة منه، ورأت فيها مساحات إيجابيّة يمكن التعويل عليها. فقد لمس من التقاه بأنّ الرئيس دونالد ترامب عاكف على ترطيب الأجواء مع الإيرانيين في المراحل المقبلة ضمن توجّه تسووي سيعرض أميركيًّا على الجانب الإيرانيّ من خلال الوسيط العمانيّ، كما أنّ الجانب الأميركيّ مدرك بأنّه لا يمكن الفصل بين إيران والشيعة الممدودين ما بين الخليج والمشرق. ما يريده ترامب من إيران تخفيض منسوب الاتفاق النوويّ ومواده وشروطه مقابل إعادة ترميم علاقات موضوعيّة وترتيب مواقع النفوذ.


وعلى هذا، لم يفهم من والوا الولايات الأميركيّة المتحدة أو اندرجوا فيها، ما قاله السفير الأميركيّ السابق في دمشق روبرت فورد للأكراد بأنّ الإدارة الأميركيّة في سلوكياتها السياسيّة خالية من المبادئ الأخلاقيّة، وهي تتعاطى معهم بكذب وقلّة أخلاق. يتبيّن في المحصّلة بأنّ أميركا ليس لها أصدقاء بل لديها أجراء أو عملاء. لم يكن سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط أصدقاء لأميركا. المعادلات الجديدة الظاهرة لفظت من جوفها تلك القوى، بالمفهوم الأميركيّ-الدوليّ البحت، وهي ترنو باتجاه ترتيب البرامج التسوويّة الجديدة على مستوى المنطقة، وترطيب الأجواء ليكون الترطيب الممكن المقدّمة للترتيب المعدّ.


سؤال أخير مطروح للنقاش: هل نحن أمام حكومة جديدة برئاسة الدكتور حسان دياب؟ الجواب هو أن لبنان مقبل على تلك المرحلة، فالرئيس المكلّف غير بعيد عن البراغماتيّة الأميركيّة، وعلى المستوى الداخليّ علاقاته طيّبة وموضوعيّة مع معظم الأفرقاء. الأمر الجوهريّ، الذي حتمًا سيكون مدار نقاش جليّ يتمثّل بعلاقات لبنان الخارجيّة لا سيّما مع سوريا ومع الخليج. بتقدير كثيرين أنّ الرئيس دياب مدرك بإيجابيّة لتلك النقطة المحوريّة والجوهريّة، ولا شكّ أنّه سينحت رؤية حصيفة في أبعادها كثيفة في معانيها جريئة في توجهاتها تجعل لبنان جسر تلاق بين المشرق العربيّ وخليجه، وبين الشرق والغرب، على شرط أن لا يكون وطن لجوء ونزوح، بل وطنّ نهائيّ لجميع اللبنانيين.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top