2024- 12 - 27   |   بحث في الموقع  
logo مسلسل"مئة عام من العزلة": ماركيز في أفق جديد مدهش logo عطل في "تشات.جي.بي.تي" يؤثر على ملايين المستخدمين حول العالم logo خروف معلّق في الهواء في النبطية logo لبنانيون يدعون إلى حصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط logo ميقاتي ينفي تبلغ لبنان عدم انسحاب إسرائيل بعد الهدنة logo رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري "ابن خلدون الشرق" logo “اليونيفيل” تُجلي مواطناً مصاباً من بلدة طلوسة logo ارتفاع أسعار البنزين والمازوت
تمّ وأد الفتنة بالفطنة والحكمة والمؤامرة إلى انحسار (بقلم جورج عبيد)
2019-12-17 21:07:16



بقلم جورج عبيد -



منذ مطلع الحراك الشعبيّ في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، حذّرنا في موقع التيار الإلكترونيّ وفي مقابلات عديدة من عمارة فتنويّة مؤلّفة من ثلاث طبقات:


1-طبقة أولى تسكنها الفتنة الطائفيّة بين المسيحيين والمسلمين. لقد حاولوا إيقاع لبنان في فخّها فجاء التماسك الجوهريّ-الميثاقيّ، على الرغم من الخلاف السياسيّ، أمتن وأفتك منها، فسطقت الفتنة في الفهم المشترك الجامع بين المسيحيين والمسلمين، لمعنى وجود لبنان ودوره وبأنّه غير قادر على تكرار تجربة الحروب المتنقّلة ما بين الحيينّ المسيحيّ والمسلم، والفهم نما عند سائر الأفرقاء السياسيين وعند المراجع الروحيّة كافّة.
2-طبقة ثانية تسكنها الفتنة المذهبيّة. لقد تبيّن وبلا لبس، بأن انفجارها بموروثاتها القديمة وتداعياتها السياسيّة بين الشيعة والسنّة مشتهى الأميركيين والسعوديين على السواء. وكانوا يتحضّرون لاستهلاكها كورقة ضغط هائلة بوجه إيران كراعية (وبمنظورهم) للشيعة والحوثيين من اليمن إلى لبنان مرورًا بالبحرين والعراق وسوريا، أي بما عرف بساحات الإقليم المتوتّر. كانت بذارها تزرع منذ بدء الحراك، بل منذ قبل تكوّنه في الساحات. وتبيّن بفعل المعلومات بأنّ مشتلها الإدارة الأميركيّة العميقة على وجه التحديد، المتماهية مع سياسة إسرائيل، إلى أن سقطت البارحة بفعل وعي شباب طرابلس والخندق الغميق. فتغلّب الوعي على الجنون بواسطة عنصر الشباب.
3-طبقة ثالثة تسكنها الفتنة البنيويّة أي بين المسيحيين بصورة خاصّة، وتحديدًا بين التيار الوطنيّ الحر والقوات اللبنانيّة. سطا الخوف على عقول المسيحيين من احتمال انفجارها، والأرض تهيّأت لها في اليوم الثالث من الحراك في مناطق سميت مسيحيّة كجلّ الديب وزوق مصبح وزوق مكايل وجبيل والمنصوريّة والشفروليه والحازميّة. كان التوتير والتوتّر على أشدّه بوجه العهد، لكون معاني الفتن الثلاثة هادفة لتطويق العهد بصورة مباشرة وتجويفه وتطويعه ومن ثمّ الانقضاض عليه بتحقيق مبدأ الفوضى الخلاّقة-الهدّامة، والنيل من المقاومة. فلا العهد سقط، ولا الهدنة نجحت، ولا المقاومة خضعت، ولا من سعى إليها تمكّن منّا كلبنانيين، لينطلقوا بتجهيز الحرب الماليّة الشرسة على لبنان واللبنانيين كبديل موضوعيّ يساهم في التجويف والتطويع والتطويق كأسس لانقلاب بات فاشلاً.


ما زاد الحمأة التهابًا وتورّمًا تقديم الرئيس سعد الحريري استقالته، فجاءت الاستقالة عنصرًا إضافيًّا ضاغطًا سائرًا في اللحظة الأميركيّة المهيمنة على لبنان بأفكار بثّها بولتون ومن ثم بومبيو وشينكر وفيلتمان وإنكل وهوف وصولاً إلى المندوبة الأميركيّة في مجلس الأمن كيلي كرافت، التي وقفت بوجه مشروع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ليكون لبنان مركزًا دوليًّا لأكاديميّة الإنسان والحوار، لتنضمّ بموقف حادّ إلى تلك الطغمة الضاغطة على الأرض اللبنانيّة تحت ستار دعم الحراك وتأليف حكومة تكنوقراط. وبالمعلومات الظاهرة، لقد حاول الأميركيون مع السعوديين جذب استقالة الرئيس الحريري باستثمار مقيت لتفجير فتنة حقيقيّة على المستويات كافّة. خطورة القضيّة بأن الحريري نفسه اندرج "طوعًا أو كرهًا" بسياق المشيئة الأميركيّة، وتركوه بعد ذلك في قلب المواجهة، يستنفد الأوراق ويحرقها لأجل خلاص نفسه ووجوده وليبس لأجل خلاص وطنه، فيما غفل بأنّ ثقافة الصفقات قادرة على لفظه كما لفظت الأكراد وسواهم في سوريا والعراق وبلدان أخرى.


قبل تقديمه الاستقالة لرئيس الجمهوريّة علمت بعض الجهات السياسيّة بنيّته لتقديمها، وقد دعا الخليلين وباح أمامهما بها. حاولا ثنيه، قبل ذلك، دخل السيد حسن نصرالله على هذا المسرى مشجّعًا الرئيس الحريري بأن يكمل ما بدأه، ومناشدًا إياه بالاستمرار بالورقة الإصلاحيّة. لم يكن الحريري في وارد البقاء لحظة واحدة، وفهم المعنيون بأنّ قراره مخطوف إلى الجهتين الأميركيّة-السعوديّة، والمسعى توظيفه بإحكام في لحظة الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ والسعوديّ-الإيرانيّ، كما حصل معه في المعتقل السعوديّ في الرابع من تشرين الثاني 2017.


إذًا استدخل الحريري في هذا السياق لهدفين:
-هدف الضغط على حزب الله من باب الاستقالة، والتلويح بالفراغ المبيح والمتيح في آن لمجموعة الفتن المتحرجة صوبنا ولديمومة الحرب الماليّة على لبنان.
-هدف الضغط على إيران وروسيا في سوريا من الخاصرة اللبنانيّة، بزرع أنظومة الفوضى الخلاّقة على أرض لبنان للابتزاز والمقايضة.


ظلّ الضعغط مستمرًّا، وفي ظلّه أيضًا أحرق الرئيس الحريري مرشّحين سواه لرئاسة الحكومة، لأنّه عالم بأنّه إن خرج من دائرة السلطة ابتلعته الملفات السوداء بينه وبين وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان بالإضافة إلى ملفّاته الداخليّة العفنة والفاسدة. هل نسي دولته بأنّه كاد أن يكون مشروعًا خاشقجيًّا جديدًا لا سمح الله لو لم يتدخل رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون مع جبران باسيل ورئيس الجمهورية الفرنسيّة إيمانويل ماكرون والسيد حسن نصرالله لينقذوه من العدميّة المستولية عليه؟ كان سعد يمشي في الوقت الضائع، والأرض في الوسط وضفافه تتأجّج وتتحرّك بنيران الفتنة المهيّأة للاستعار والانفجار. كان يمشي على ضفاف بحيرة الجحيم المختبط أتّونه بشدّة والمغتبط بضحاياه، ومواعيد الاستشارات تأجلت مرتين لجلاء الرؤى، إلى أن طعن من حليفه ففقد الميثاقيّة التي رجا التوشّح بها. لم يكن سهلاً عليه مشهد الطعن مرّة أخرى، ولم يكن ذلك متوقّعًا، لأنّ وعد الحرّ دين، فلا الحرّ حرّ ولا الوعد عهد ودين. في هذه اللحظة اقتحمت الفتنة المذهبيّة شوارع الوسط في العاصمة بيروت، بتخطيط منهجيّ نفذّه شاب أرعن خال من الأخلاق والقيم، لينفجر الشارع مذهبيًّا ويحاول الانفجار أن يقضي على آمال الحلول الممكنة ومنها المنظورة وغير المنظورة. انطلق هذا الانفجار بعيد حديث ديفيد شينكر لجريدة النهار، وعشيّة زيارة السفير ديفيد هيل إلى لبنان، وأثناء التحضير للاستشارات النيابيّة الملزمة يوم الخميس بعد تأجيلها يوم أمس. كان الهدف من الانفجار إحراق بيروت، وتعميم الحريق على مختلف المناطق اللبنانيّة، وإدخال لبنان في ثقافة الفوضى المتفجّرة بحيث لم تعد خلاّقة، واستفزاز حزب الله بابتزازه والتطاول على المقدسات الشيعيّة حتى يستنزف في المشيئة الأميركيّة بحرب مذهبيّة-عبثيّة وقاتلة. كان ليل أمس وفجر اليوم امتحانًا قاسيًا وصعبًا على كلّ اللبنانيين الخاشين من تكرار تجارب الحروب في الداخل منذ سنة 2006 إلى 2007 و2008 بلوغًا إلى الحرب في سوريا وعليها.


حكمة حزب الله وحركة أمل وشباب الخندق الغميق مع حكمة شباب طرابلس والميناء ورفعتهم وكبر أخلاقهم بدت أقوى من الفتنة. بهاء المشهد بعيدًا عن النقاط السلبيّة والبشعة، أنّ الطرابلسيين والصيداويين واللبنانيين عمومًا انتفضوا بوجه الإساءة الحقيرة والوسخة الموجّهة إلى الإسلام برمتّه وإلى المسيحيين أجمعين وليس فقط إلى الطائفة الشيعيّة الكريمة. لبنان بمسيحييه ومسلميه يأبى كلّ إساءة تطال إيماننا وتسليمنا بالله الواحد الكلمة المتجسّد آية حبّ في الإنجيل المقدّس والمنزل آيات بيّنات في القرآن الكريم لخلاص البشر أجمعين. شباب لبنان، ما عدا الرعاع والعملاء منهم، يأبون ويرفضون أن يتمزّق الله ويموت وينفجر في لبنان بصراع جهالاتنا ضمن الفتن المستوية في ثلاث طبقات. وفيما خصّ المسيحيين كادت الفتنة البنيويّة أن تسلبهم مسيحهم بالكامل ونحن على مقربة من ميلاده الشريف في بيت لحم، والسلب صلب، وليس أفظع من أن يصلب شعب ربّه وإلهه، وهو الهدى والمحبّة ونبع الحنان وكلّ البهاء.


الحكمة في فجر أطلّ بنت لها بيتًا في لبنان وغدونا لجمالها عاشقين. حمتنا من شرّ الفتنويين المخفيين خلف حدود الموت. وبتقدير واضح، لقد فهم الرئيس الحريري بأن غواية الانتظار وترف الانشطار والافتتان بالفتن لن يعطيه ما هو غير واجد إلى الآن له أو منوجد فيه. لو انفجرت بيروت في الفتنة ما كان مصيره؟ سعد ترك وحيدًا ولبنان ترك وحيدًا، والأميركيون قرّروا استهلاك الفتنة كأداة تفاوض أخرى مع الإيرانيين بسعي من الصقور في الإدارة الأميركيّة. هذا السيف انكسر، والرئاسة الأميركيّة سترسل ديفيد هيل المعروف بهدوئه بل بهدوئيّته لقلب صفحة من هذه الحرب الأميركيّة الفاشلة والحاقدة في ظلّ بدء إيجابيّتين حميدتين:


1-التقدّم البارز في مسقط في التفاوض الصامت بين الأميركيين والإيرانيين، وترجم بأمرين:
-تبادل الأسرى والمخطوفين بين الجانبين. وهذا يعوّل عليه كثيرًا على المدى القريب.
-القبول بمشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة، وقد تمّ إبلاغ الحزب بصورة غير مباشرة بعدم ممانعة الأميركيين بان يكونوا جزءًا من الحكومة، أي أنهم قبلوا بالقراءة الأوروبيّة-الروسيّة، أن تكون الحكومة في لبنان تكنو-سياسيّة بعيدًا عن نظرة ديفيد شينكر المتطرفة حتى العنف والإلغاء.
2-التقدّم البارز في الحوار الإماراتيّ-السوريّ، وقد عبّر القائم بالأعمال الإماراتيّ عن معاني التقدّم في الحوار بالاحتفال في السفارة الإماراتيّة وبكلمته الموصّفة للرئيس السوريّ بشار الأسد بالرئيس القائد والحكيم، والمستلحقة ببدء حوار سعوديّ-سوريّ بدات مفرداته تجهز تدريجيًّا وقد عرضت سلطنة عمان بدورها استضافتها لهذا الحوار، ويتمّ هذا بتوافق غير مباشر بين الأميركيين والروس.


لقد قفز الأميركيون والسعوديون والإماراتيون فوق رغبات سعد الحريري في لبنان بالاتجاهين الإيرانيّ والسوريّ. وبهذا تمّ القضاء على الحريريّة السياسيّة، التي لم تعد تصلح للمراحل المقبلة ليبدو لبنان أمام آفاق جديدة قد تفتح كوّة في الجدار السميك قبل نهاية سنة 2019 وبداية سنة 2020 واقترابنا من الميلاد.


ذهب الرئيس الحريري إلى الرئيس نبيه برّي للبحث عن الحلّ، قد يعطى له أن يسمّي بلا إحراق لأسماء ولا ابتزاز للرئاسة الأولى، وقد يعود إلى الرئاسة الثالثة إن نجح التفاوض بينه وبين جبران باسيل، وقد يتمّ تعويم حكومة تصريف الأعمال وهذا ما يرفضه الرئيس وأهل الحراك. لكن الأساس أن الحريريّة انتهت. ومن بركات الحراك الشعبيّ بطهارة شعبه وليس بعمالة بعضهم أنّه أظهر القدرة على قلب الطاولة لتبدأ رحلة جديدة في ولادة وطن يستحقّ الحياة شاء بعضهم أو أبوا.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top