2024- 12 - 26   |   بحث في الموقع  
logo توقيف مطلوب سرق معرض سيارات في عكار logo “حزب الله” يدين العدوان الإسرائيلي على اليمن: نثق بهذا الشعب المقاوم logo “اليونيفيل”: قلقون إزاء استمرار تدمير القوات الإسرائيلية المناطق السكنية جنوبًا logo مجلس نقابة اصحاب المستشفيات: زيادة 15% على التعرفات المتعاقد عليها مع كل من شركات الضمان logo الجيش: توغُّل قوات تابعة للعدو في مناطق القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير logo لافروف: لا نعوّل كثيراً على الإدارة الجديدة في واشنطن logo الرئيس الايراني: لسنا في حرب مع أي بلد logo أنس خطاب رئيساً للمخابرات السورية: رجل الظل بـ"تحرير الشام"
سعد الحريري معتقل من السعوديّة في بيت الوسط وبرضى أميركيّ - بقلم جورج عبيد
2019-12-11 20:09:10

يخطئ من يظنّ بأن المملكة العربيّة السعوديّة قد أبعدت نفسها طوعًا عن الملفّ اللبنانيّ بسبب انكبابها على معالجة قضيّة العلاقة مع اليمن، وبخاصّة، مع الحوثيين في اليمن. قد يظهر هذا في الشكل أمام واقعيّة المضمون أو المضمون الواقعيّ بجمله ومفرداته.

ما هو واضح أمامنا، بأنّ السعوديّة ظهرت اليوم بمظهر المهتمّ بلبنان ووضعه المزري بإعلانها العلنيّ بأنّها ستودع مصرف لبنان مبلغًا وقدره ثلاثة مليار دولار أميركيّ. وكالعادة ستظهر أبواق كثيرة، لتهلّل للمكرمات السعوديّة كمملكة للخير والعطاء. السؤال المطروح من هذه الزاوية، لماذا "مملكة الخير" قررت أن تغدق خيرها وتسكب محبتها للبنان وشعبه الآن، ولم تفعل ذلك منذ أزمنة طويلة؟

يتذكّر اللبنانيون بأنه وخلال المعارك الطاحنة مع الإرهابيين في جرود عرسال، وإبّان عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، قررت السعوديّة منح لبنان ثلاثة مليار دولار من أجل تسليج الجيش اللبنانيّ، كثمن واضح لاكتشاف وانكشاف انخراطها المباشر مع الإرهابيين من خلال نجل بندر بن سلطان، ممّا دفعهم "لرشوة" من يحبون الرشوة. فأتى سعد الحريري بتكليف سعوديّ على طائرته الخاصّة وساهم بتحرير الرجل وأعاده بطائرته إلى الرياض. ثمّ قرّر السعوديون "لفظيًّا" إيداع هذا المبلغ المفترض إلى الفرنسيين، لكي يتفاوضوا مع اللبنانيين حول نوعيّة السلاح، فخرج ميشال سليمان برسالة إلى اللبنانيين مهلّلاً لتلك الهبة وليعلن في نهايتها"عاش الملك" بما لا يليق موقعه وبلبنان، فتبخّرت الهبة "اللفظيّة"، وثمّة من قال بأنّ فساد عدد من المسؤولين أبطلها، وفي كلّ الحالات السعوديّة ما وفت بوعودها إلاّ قليلاً.

تتجلّى الهبة الحالية بلفظيّتها أيضًا، في لحظة قاتلة وصادمة، ومليئة بلجج مختبطة. إنّها لحظة إنهاء لبنان وجوديًّا بحرب ماليّة عبثيّة عليه شلّت قدراته على الامتصاص والتكبّف بكلّ العناوين المحتشدة في جوفه والمتراكمة على أرضه والتالفة لمقوّماته. وبالتقدير الموضوعيّ الممكن استلهامه، بأنّ الحرب الماليّة أشد إيلامًا ومضاضة من الحروب العسكريّة والأمنيّة. ذلك أنّ الحرب المالية، وكما وصفناها في مقالات سابقة في هذا الموقع تظلّ مع شبح مختف حينًا وظاهر أحيانًا في المصارف والجيوب والمؤسسات، إنّه العصب الحيويّ لوثباتنا الشخصيّة والمؤسساتيّة والقوميّة، ومتى ضرب العصب حدث الشلل. وعلى الرغم من هذا الفهم، فلا يسوغ الفصل بين هذه الحرب الوجوديّة-العبثيّة على لبنان منذ 17 تشرين الأوّل أي قبل موسم الأعياد التي نحن فيها، والحرب السياسيّة التي جنّدت فيها عناصر عديدة، من مجتمع مدنيّ متدرّب على تلك النوعيّة من الحروب (لا نعني كلّ المجتمع المدنيّ) وأحزاب خاضعة للمشيئة الأميركيّة بخوض تلك الحروب على العهد بصورة مباشرة، من دون النسيان بأنّ النفط والغاز، ثمّ النفط والغاز بالإضافة إلى الغيظ الأميركيّ الدائم من المقاومة ودورها الفعّال هي الأسباب الجوهريّة لشن تلك الحرب وتحويل لبنان ساحة لها.

من البديهيّ هنا، أن يقدّم سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة ليفرض عودته بشروط وسقوف عالية يحاكي فيها من دعوه لتقديم الاستقالة ويشدّ بالمحاكاة عينها العصب السنيّ في الشوارع والأزقّة من عكار إلى صيدا مرورًا بطرابلس والبقاع الأوسط والطريق الجديدة في بيروت. غير أن تقديم الاستقالة انطلق من إرادة أميركيّة واضحة، في لحظة شدّد فيها الأميركيون حربهم الماليّة على لبنان. لم ترد عند سعد في أيّة لحظة أن يقدّم استقالته لولا إقناع الأميركيين له بذلك، ليتحوّل الإقناع إلى هديّة قدمّها الأميركيون إلى وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان ليجعل الحريري في مداه بل في قبضته.

حين استدعي الرجل إلى حفل المهانة العنيفة والإذلال الساحق في الرياض في الرابع من تشرين الثاني من سنة 2017، بفعل وشاية قواتيّة-اشتراكية، وظهور تامر السبهان في لبنان كمفوّض ساميّ سعوديّ حاول فرض شروطه بقوّة، قدّم في اليوم الثاني استقالته وهاجم حزب الله وإيران، ولم ننسَ أنّه في اليوم الذي سافر فيه إلى "القبو السعوديّ"، كان لاريجاني ضيفه. الفرق بين تلك اللحظة وهذه اللحظة، أنّ سعد الحريري أجبر بالعنف السعوديّ للاستقالة، في حين أنّه في تلك اللحظة أجبر باللطف والإقناع الأميركيّ للاستقالة ضمن وعد العودة إلى السلطة بشروط أفضل، فيما الأميركيون قدّموا سعد الحريري قربانًا على مذبح محمد بن سلمان، فوقع من جديد في الأسر السعوديّ. فبات سعد الحريري يعيش ضمن وصاية فؤاد السنيورة الأميركيّ الوجه والنهج بمناوراتها المنسكبة على عقل سعد والتي أحرقت محمد الصفدي وسمير الخطيب، وبين تحالف جعجع-جنبلاط بأرومته وحركته السعوديّة.

من هنا، إنّ الثلاثة مليار دولار، التي تمّ الإعلان عنها من قبل السعوديين باللفظ الكثير والفعل العسير حجاب ساتر من ناحية وإغراء فاضح من ناحية ثانية. حجاب يستر فعلهم بإلقاء قبضتهم الخفيّة على سعد من بواسطة حلفائهم من جهة، وإغراء فاضح لكي يظلّ لبنان ساحة مستمرّة ودائمة لأدوارهم ولا سيّما في لحظة التحضير للتفاوض مع السوريين شرط أن يتحرّر السوريون من الوجود الإيرانيّ في سوريا. الإدارة الأميركيّة الخفيّة والسعوديّة متلاقون على استهلاك لبنان باتجاه هذا الهدف. وبالتالي، فإنّ السعوديين يحاولون وضع لبنان بين القبضة الخفيّة والإغراء، أمام خيار واحد، وهو الاستسلام للمطالب الأميركيّة-السعوديّة-الإسرائيليّة، بتأليف حكومة خالية من حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ وبرئاسة سعد الحريري.

وفي هذا السياق، فإن إطلاق العالمين الإيرانيين، بداءة تحمل بعض ضوء، ولكنّها ليست علامة متكاملة الأجزاء والمعايير. وبحال انساب ذلك بدوره على مسار العلاقة السعوديّة-الإيرانيّة، ببعض الحوارات التي تحصل في مسقط، فلا يعني بأن الحلول قد اكتملت. فالإقليم المتوتّر والمأخوذ ببعض منه نحو هدوء نوعيّ، لا يزال ساحة تفاوض ما بين الطاولة والأرض. فالتوتّر في العراق هو إياه في لبنان ضمن مشهديّة واحدة. في العراق قدّم عادل عبد المهدي استقالته، وفي لبنان قدّم سعد الحريري استقالته. في العراق يطالب مقتضى الصدر وحلفاؤه بحكومة تكنوقراط، وفي لبنان يطالب سمير جعجع ووليد جنبلاط بحكومة تكنوقراط، ويتبنّى سعد الحريري في أسره اللامباشر ما تمّ ويتمّ طرحه ما بين لبنان والعراق، فحرق كلّ الأسماء المؤهلّة لترؤّس حكومة تكنو-سياسية محتملة، ليبقى هو "الكلّ في الكلّ".

ماذا يعني أن يكون "الكلّ في الكلّ" ومن أهلّه إلى ذلك؟ في الواقع المعيش والراهن، ومن خلال المعلومات والمعطيات المتوفّرة، السعوديون لا يريدون دفشه نحو هذه الصفة بالمطلق، فهو بالنسبة إليهم مجرّد رهينة تستهلك ضمن مفهوم التفاوض في لبنان وعلى لبنان، ومن لبنان نحو سوريا، كما حوّلوا استقالة عادل عبد المهدي رهينة لإثارة الشغب حتى يجلس الأطراف للتفاوض في العراق وعلى العراق ومن العراق نحو سوريا. دار الإفتاء ألقي على كاهلها أن "تنوب" مع المفتي عبد اللطيف دريان، وتعمد على تحويل سعد الحريري إلى مرشّح آحاديّ لتمثيل الطائفة السنيّة في الموقع الثالث، ومعنى ذلك خطير، كما لفتنا النظر في مقال البارحة، لأنه يحوّل لبنان إلى مجتمع دينيّ لا تألفه طبيعة نظامه وإن غدت طائفيّة. وحده الرئيس نبيه برّي بذكائه وبصيرته، حاول إلى جانب رئيس الجمهوريّة وحزب الله تأمين التغطية لسعد وتحريره مما هو عليه فلم يلقَ جوابًا. والشروط واضحة في مفهوم من يناورون خلفه:

1-حكومة تكنوقراط خالية من السياسيين.

2-صلاحيات موسّعة واستثنائيّة.

3-ربط العلاقات الخارجيّة بشخص الحريري نفسه، ورفض العلاقة اللبنانيّة-السوريّة في الشكل والمضمون.

إنّ الامتحان الأدقّ ستكمن يوم الاثنين ضمن شقين:

أ-ضمان الاستشارات الملزمة ليس ببعدها الدستوريّ المضمون حتمًا بل ببعدها السياسيّ، في المسار الذي شاءه فخامة الرئيس لها.

ب-ضمان الشخصيّة السنيّة، فإمّا يكلّف سعد بإطار لبنانيّ محض ضمن ضمانات سياسيّة متبادلة بين الجميع تحرّر لبنان وليس سعد من وضعه العبثيّ المثيت، أو تكلّف شخصيّة أخرى، ليكون لبنان أمام منعطف جديد، عنوانه مواجهة استمرار خطف لبنان نحو المجهول بحرب ماليّة لا تزال تشنّ عليه جورًا وظلمًا. وليتذكّر الجميع بأنّ آخر الدواء لهذا الداء القاتل هو الكيّ.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top