تمرداً على الحكم البريطاني لأراضي ما نعرفه الآن بالولايات المتحدة الأميركية، اندلعت ثورة استمرت لنحو 8 سنوات ما بين 1775 و1783. أدت هذه الثورة إلى إلغاء حكم بريطانيا العظمى على 13 من مستعمرات أميركا الشمالية، وانتهت بإعلان الاستقلال.


لكن الثورة لم تكن ناعمة ولا سهلة، بل شهدت ضحايا بالآلاف وتدخلات خارجية من منافسي بريطانيا الأكثر تربصاً بها في أوروبا، مثل فرنسا وإسبانيا.


الثورة التي تحوّلت إلى حرب


الثورة الأميركية التي تسمى أيضاً حرب الاستقلال الأميركية، أو الحرب الأميركية الثورية نشأت بسبب التوترات المتزايدة بين سكان مستعمرات أمريكا الشمالية الثلاثة عشر، والحكومة الاستعمارية التي مثلت التاج البريطاني.


اندلعت المناوشات بين القوات البريطانية والميليشيات في لكسنجتون وكونكورد، في نيسان 1775، في صراع مسلح، وبحلول الصيف التالي شنَّ المتمردون حرباً واسعة النطاق من أجل الحصول على استقلالهم.


حتى أوائل عام 1778 كان الصراع حرباً أهلية داخل الإمبراطورية البريطانية، ولكن بعد ذلك أصبحت حرباً دولية مع انضمام فرنسا في عام 1778، وإسبانيا في عام 1779 إلى المستعمرات ضد بريطانيا، وفي هذه الأثناء لم تُشارك هولندا، لكنها قدمت اعترافاً رسمياً بالولايات المتحدة ودعماً مالياً.


وفي نهاية الحرب تمكَّن الفرنسيون من المساعدة في تحقيق الاستسلام البريطاني الأخير في يوركتاون، بفرجينيا.


وفي عام 1781 كان الأميركيون قد نالوا استقلالهم فعلياً، على الرغم من أن القتال لم ينته رسمياً حتى عام 1783.


أسباب الثورة الأميركية


لأكثر من عقد قبل اندلاع الثورة الأميركية في عام 1775، كانت التوترات تتصاعد بين السكان المحليين والسلطات البريطانية.


أسفرت الحرب الفرنسية والهندية، وهو الاسم الأميركي الذي يُطلق على المواجهة بين الفرنسيين والبريطانيين، من أجل السيطرة على أميركا الشمالية، أو حرب السنوات السبع (1756-1763)، عن دخول أقاليم جديدة تحت سلطة التاج البريطاني.


لكن الصراع الباهظ أدى إلى فرض ضرائب جديدة على سكان المُستعمرات، وهو الأمر غير المقبول شعبياً.


كانت لندن تُعاني من ضائقة مالية، وكانت مستوطنات أميركا الشمالية جذابة للغاية لتعويض هذه الخسائر المادية.


قوبلت محاولات الحكومة البريطانية لزيادة الإيرادات بفرض الضرائب على المستعمرات، خاصةً قانون الطوابع لعام 1765، وقانون الشاي لعام 1773، باحتجاج شديد بين العديد من سكان المُستعمرات، الذين استاؤوا من عدم تمثيلهم في البرلمان، وطالبوا بنفس الحقوق مثل الرعايا البريطانيين الآخرين.


لم يكن الأميركيون يرغبون في الاستقلال أو يفكرون فيه، وعندما انتصرت بريطانيا في حرب السنوات السبع احتفل الأميركيون بالنصر في عام 1763.


وفي بداية اعتراضهم على الضرائب كانوا يحرصون على إظهار هويتهم كبريطانيين يحرسون بغيرة حقوقهم، التي اعتقدوا أنهم يمتلكونها بحكم العضوية فيما اعتبروه أعظم إمبراطورية في العالم.


أرادوا فقط مُساواتهم بالرعايا البريطانيين الآخرين، وأن يكون لهم تمثيل في البرلمان، هكذا ابتدأ الأمر.


ولكن في عام 1770 أدت المقاومة الاستعمارية إلى العنف، بعد أن فتح الجنود البريطانيون النار على حشد من المستوطنين، مما أسفر عن مقتل خمسة رجال فيما يعرف باسم مذبحة بوسطن.


وفي كانون الأول 1773، صعدت مجموعة من مواطني بوسطن يرتدون زي الهنود الموهوك السفن البريطانية وألقوا 342 صندوقاً من الشاي في ميناء بوسطن خلال حفل شاي بوسطن.


وقتها أقر البرلمان الغاضب سلسلة من التدابير لإعادة تأكيد السلطة البريطانية الاستعمارية في ماساتشوستس.


هكذا بدأت الثورة


بدأ الجنرال بنديكت أرنولد، وهو عسكري أميركي وكان جنرالاً خلال حرب الاستقلال الأميركية، الحرب الثورية كأحد أبطالها الأوائل، ما ساعد في قيادة قوات المتمردين في الاستيلاء على حصن تيكونديروجا في ايار 1775.


ثم اجتمعت في فيلادلفيا، في أيلول 1774، مجموعة من المندوبين الأميركيين للتعبير عن شكواهم ضد التاج البريطاني، لم يصل هذا المؤتمر القاري الأول إلى حد المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، لكنه ندد بالضرائب دون تمثيل برلماني، وكذلك استمرار وجود الجيش البريطاني في المستعمرات دون موافقتهم.


وأصدر المؤتمر إعلاناً عن الحقوق المُستحقة لكل مواطن، بما في ذلك الحياة والحرية والممتلكات والتجمع والمحاكمة أمام هيئة محلفين.


صوّت الكونغرس مرة أخرى في أيار 1775، للنظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات، ولكن بحلول ذلك الوقت كان العنف قد اندلع بالفعل، ولم يكن هناك وقت للمزيد من الشجب والتنديد.


في ليلة 18 نيسان 1775، سار مئات الجنود البريطانيين من بوسطن إلى كونكورد القريبة، من أجل الاستيلاء على مخبأ للأسلحة، وبدأ بول ريفير وغيره من الوطنيين الأميركيين يدقون ناقوس الخطر.


وبول ريفير هو صائغ فضة ونقاش أميركي، وأحد رواد الصناعة في البلاد، وكان أحد الوطنيين في الثورة الأميركية، وقد اشتهر ريفير برحلته الليلية لينبه ميليشيا المستوطنين في نيسان 1775 من قدوم القوات البريطانية قبل معركتي ليكسينغتون وكونكورد.


بعد التنبيه بدأ رجال الميليشيات الأميركية في التعبئة لاعتراض الجنود البريطانيين، وفي 19 نيسان، اشتبك رجال الميليشيات المحلية مع الجنود البريطانيين في معارك ليكسينغتون وكونكورد في ماساتشوستس، لتكون هنا نقطة بداية الحرب الثورية.


أحداث الثورة


في 17 حزيران، كانت أول معركة كبرى للثورة، إذ ألحقت القوات والميليشيات الأميركية خسائر فادحة بالفوج البريطاني، الذي قاده الجنرال ويليام هاو في بوسطن، وهو الاشتباك المعروف باسم معركة بونكر هيل.


ورغم أن الأمر انتهى بالنصر البريطاني فإنه قدم التشجيع للقضية الثورية.


طوال ذلك الخريف والشتاء كافحت قوات واشنطن الأميركية لإبقاء البريطانيين محتجزين في بوسطن، لكن تغير الأمر بعد الاستيلاء على المدفعية البريطانية في فورت تيكونديروجا في نيويورك، مما جعل البريطانيين يخلون المدينة في آذار 1776، وتراجع هاو ورجاله إلى كندا استعداداً لغزو كبير لنيويورك.


بحلول حزيران 1776، كانت الحرب الثورية على قدم وساق، أصبحت الغالبية العظمى من الأميركيين تؤيد الاستقلال عن بريطانيا.


وفي 4 تموز، صوت الكونغرس القاري على اعتماد إعلان الاستقلال، الذي صاغته لجنة مكونة من خمسة أعضاء.


وفي نفس الشهر، صممت الحكومة البريطانية على سحق التمرد، فأرسلت أسطولاً كبيراً، بالإضافة إلى أكثر من 34000 جندي إلى نيويورك.


في آب من العام نفسه اضطرت واشنطن لإجلاء قواتها من مدينة نيويورك، ثم بحلول ايلول قادت واشنطن هجوماً مفاجئاً في ترنتون، نيوجيرسي (على الحدود مع مدينة نيويورك)، ليلة عيد الميلاد.


ساراتوجا.. نقطة تحول الثورة إلى حرب


تضمنت الاستراتيجية البريطانية في عام 1777 فصل نيو إنجلاند، حيث كان التمرد يتمتع بدعم أكثر شعبية عن المستعمرات الأخرى.


ولتحقيق هذه الغاية، سار جيش الجنرال جون بورجوين جنوباً من كندا باتجاه اجتماع مخطط له مع قوات هاو على نهر هدسون.


قرر هاو نقل قواته جنوباً من نيويورك لمواجهة جيش واشنطن، وفي 11 أيلول، هزم البريطانيون الأميركيين في بنسلفانيا، ودخلوا فيلادلفيا في 25 أيلول.


تحرّك هاو ترك جيش بورجوين مكشوفاً بالقرب من ساراتوجا، نيويورك، وعانى البريطانيون من عواقب ذلك في 19 أيلول، عندما هزمتهم القوات الأميركية بقيادة الجنرال هوراتيو جيتس في فريمان فارم في معركة ساراتوجا الأولى.


وبعد تعرضه لهزيمة أخرى في 7 تشرين الأول في مرتفعات بيميس، معركة ساراتوجا الثانية، استسلم بورجوين وقواته المتبقية في 17 تشرين الأول.


كان النصر الأميركي في ساراتوجا هو نقطة تحول في الثورة الأمريكية، حيث دفع فرنسا، التي كانت تساعد المتمردين سراً منذ عام 1776، إلى الدخول في الحرب علانية إلى الجانب الأميركي، رغم أنها لم تعلن الحرب على بريطانيا العظمى رسمياً حتى حزيران 1778.


وعند هذه النقطة تحولت الثورة الأميركية، التي بدأت كنزاع أهلي بين بريطانيا ومستعمراتها، إلى حرب عالمية.


وفي 8 تموز، وصل أسطول فرنسي قبالة ساحل المحيط الأطلسي، استعداداً لخوض معركة مع البريطانيين.


معركة يوركتاون وانتهاء الحرب بإعلان الاستقلال (1781-1783)


بدعم من جيش فرنسي، تحركت واشنطن إلى مدينة يوركتاون بحوالي 14000 جندي، في حين منع أسطول من 36 سفينة حربية فرنسية في الخارج التعزيز أو الإجلاء البريطاني.


كانت معركة أو حصار يوركتاون عام 1781م، إحدى المعارك الحاسمة في حرب الاستقلال الأمريكية، حيث حاصرت القوات الأمريكية الجيش الإنجليزي، وانضمت إليها الإمدادات الفرنسية البرية والبحرية التي وصلت لمساعدة الأميركيين ضد الإنكليز، فأحكموا الحصار، مما اضطر البريطانيين للاستسلام.


على الرغم من أن محاولة الحصول على الاستقلال الأميركي قد انتصرت فعلياً في معركة يوركتاون، فإنه وحتى هذه المرحلة لم يكن النصر حاسماً للأمريكيين، فقد بقيت القوات البريطانية متمركزة حول تشارلستون، وهي مدينة في ولاية كارولاينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية، والجيش الرئيسي البريطاني ما زال يقيم في نيويورك.


على الرغم من أن أياً من الطرفين لن يتخذ إجراء حاسماً خلال العامين المقبلين، فإن إجلاء بريطانيا قواتها من تشارلستون وسافانا في أواخر عام 1782 كان الإشارة النهائية إلى نهاية النزاع.


بعدها، وقّع المفاوضون البريطانيون والأمريكيون في باريس اتفاقية سلام أولية، في أواخر تشرين الثاني 1782، وفي 3 أيلول 1783 اعترفت بريطانيا العظمى رسمياً باستقلال الولايات المتحدة في معاهدة باريس.


وفي الوقت نفسه، وقعت بريطانيا معاهدات سلام منفصلة مع فرنسا وإسبانيا، مما أدى إلى إنهاء الثورة الأميركية بعد ثماني سنوات طويلة.