لارا الهاشم -
لا يمكن وصف مشهد اللبنانيين الذين وقفوا طوابير امام محطات الوقود يوم الجمعة بأقل من مجزرة أرادت من خلالها كارتيلات المحروقات الاظهار أنها قادرة على التحكم بمصير الناس. ساعات من الاذلال عاشها اللبنانيون على أبواب بعض المحطات التي قررت كسر قرار الاضراب المفتوح لتسهيل شؤون الناس، بعد أن عمد المحتكرون على ليّ ذراع الدولة من خلال ابتزاز المواطنين الذين يعانون الأمرّين على كل الأصعدة.
أتى قرار الاضراب الذي حرك الشارع قبل 72 ساعة على فض عروض المناقصة التي أطلقتها وزيرة الطاقة ندى البستاني لاستيراد الدولة البنزين من الخارج حيث يكون الدفع بالليرة اللبنانية، وذلك انطلاقاً من رفضها أن يتحمل المواطن أعباء ارتفاع أسعار المحروقات نظرا للأزمة التي تعاني منها البلاد في هذا القطاع. وبناء عليه يرى محللون وخبراء اقتصاديون أن ما حصل يوم الجمعة كان ردا مسبقا على فض العروض المرتقب يوم الاثنين والذي سيكسر احتكار الشركات المستوردة للمحروقات.
يبلغ عدد الشركات المستوردة للمحروقات ال11 وبحسب الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين ل tayyar.org فان استيراد الدولة للبنزين سيخفّض سعر صفيحة البنزين بنسبة تتراوح بين ال 10% وال 15% كما سيساعد الدولة على تحقيق أرباح إلى خزينتها التي تذهب الى حسابات شركات الاستيراد بأرقام تقدر ب 220 مليون دولار وسيسمح لها الحصول على سعر أقل من الذي تحصل عليه الشركات المستوردة. علما أن الشركات المذكورة حققت طيلة 30 عاما أرباحا طائلة. غير أن هذه الخطوة ستخفف بحسب ناصر الدين الضغط على الدولار وتريح ميزان المدفوعات لاسيما وأن الدولة عندما تشتري من دولة الى دولة يمكن أن تدفع بعد ستة أشهر أو حتى سنة. وفي حال قررت الحكومة بقرار إصلاحي السماح لوزارة الطاقة استيراد المحروقات، فقد توفر ما بين ال 300 وال 400 مليون دولار بحسب خبراء اقتصاديين كما ستكسر الاحتكار وتفتح باب المنافسة من دون أن تضع قيودا على الموزعين.
بالجريء يصف ناصر الدين قرار بستاني التي تجرأت على الخوض في ملف اصلاحي ذات بعد وارتدادات اجتماعية مباشرة، مفرغة إياه بطريقة علمية من مضمونه السياسي في ظل حكومة تصريف أعمال. فهي من خلاله تسعى إلى جعل الدولة تدريجياً شريكة في استيراد المحروقات وتصغي إلى مطالب الشارع المنتفض بحيث لن يجرأ أي فريق سياسي على الاعتراض والعرقلة.
صحيح أن فض العروض المرتقب يوم الاثنين سيؤمن فقط 10% من حاجات السوق لكنه سيكون خطوة اولى باتجاه المسار الصحيح كما يوضح ناصر الدين، الذي يشرح أن اقتصار المناقصة على هذه النسبة مرتبط بأسباب تقنية كونها تتم للمرة الأولى ما يرتّب على عاتق وزارة الطاقة تحضير التخزين والأدوات والتوزيع. لكن وإزاء هذا القرار الذي لاقى ترحيباً واسعاً على صعيد الشارع المنتفض بمختلف توجهاته، ينبّه ناصر الدين عبر tayyar.org إلى عدم استغلال البعض لآليات الرقابة والتنفيذ وإلى عدم السماح بضياعها في سوء الإدارة لأن أي خطأ أو ضغط سيؤثر على الأمن الاجتماعي.
منذ توليها وزارة الطاقة اثبتت بستاني جدارة عالية وتبصرا في معالجة الأزمات وهي تجرأت اليوم على كسر الكارتيلات من باب الحرص على حقوق المواطنين ومالية الدولة، وبالتالي فان عودة البعض إلى الوراء لم تعد مجدية في ظل الأزمة التي يمر بها لبنان. لا بل ان المطلوب هو تلقّف الحراك الشعبي هذا القرار من خلال دعم الوزيرة وعدم الانجرار خلف الشائعات التي بدأت تبثها أدوات الفتنة والتحريض التي صارت مكشوفة من قبل القاصي والداني.