بعد العرض المسبق للفيلم في مهرجان «New York Film Festival»، انطلق «The Irish Man» بشكل محدود في دور السينما بتاريخ 1 نوفمبر قبل عرضه على شبكة «نيتفليكس» المنتجة له بتاريخ 27 نوفمبر.
القصة الأكثر أهمية في «The Irish Man» لا تأتي من أي من النجوم الثلاثة الأسطوريين الذين يلعبون دور البطولة في فيلم العصابات هذا، بل من قصة ابنة «الرجل الأيرلندي» الذي سمي الفيلم تيمنا به، والتي تلعب دورها «آنا باكين» في وقت لاحق من الفيلم، «لماذا؟»، تسأل والدها بكل بساطة في إحدى اللحظات المحورية، إنها العبارة الوحيدة المسموعة التي تقولها الممثلة في هذا العمل، ومع ذلك، وبكلمة واحدة فقط، تخترق كل الأعراف والتقاليد التي بنتها أفلام العصابات منذ تأسيسها في بدايات السبعينيات، عندما أسسها وعرفها مارتن سكورسيزي وفرانسيس فورد كوبولا بأفلامهما الكلاسيكية الواحد تلو الآخر، إنها قلب من لا قلب له وروح من لا روح له، وبصيص من الضمير في عالم لم تكن تحكمه القوانين يوما.
لم يصنع سكورسيزي فيلم عصابات قويا منذ فيلمه الوحيد الحاصل على جائزة أفضل فيلم «The Departed» في 2006، وكانت حياته المهنية منذ ذاك الحين تعتمد على تجربة أنواع جديدة واستكشافها.
عندما يستقر «The Irish Man» في فصله الأول بعد بضعة مشاهد افتتاحية مضطربة، يمكنك أن تشعر بأن المخرج يوظف السمات التي اشتهرت بها أفلام «Goodfellas» و«Casino» مرة أخرى لكن من منظور فنان استطاع تحويل فيلم مثل «Silence» إلى تحفة فنية هادئة وعميقة، إنه فيلم عصابات عميق التفكير للغاية، ولا يختلف عما أراد «The Godfather Part III» أن يكون عليه وفشل.
إن كلمة عميق التفكير، خاصة في الفصل الثالث من هذه الملحمة التي تمتد إلى 3 ساعات ونصف الساعة، غالبا ما تعني سوداويا، إن «The Irish Man» فيلم عصابات متحفظ من هويته نفسها، ويحول عنف فيلم كلاسيكي لسكورسيزي إلى قصة حزينة ومأساوية حول الأخلاق الإنسانية.
يأتي سيناريو «The Irish Man» من تأليف الأسطورة ستيفن زيليان، وتمتد قصته على مدى عقود، وفيه نتابع القصة الحقيقية للقاتل المحترف من المافيا والمعروف باسم فرانك - الأيرلندي - شيران (روبرت دينيرو) من الخمسينيات وحتى بدايات الألفية، مع حبكة تصور إلى حد كبير الفترة التي عمل بها أولا مع زعيم مافيا بنسلفانيا «راسل بوفالينو» (جو بيسكي) وفي نهاية المطاف مع زعيم نقابة العمال الأميركية «جيمي هوفا» (آل باتشينو).
ولأن القصة تقفز أحيانا لسنوات بين المشهد والآخر، فإن العلاقات بين الثلاثة تذهب وتأتي إلى حد كبير من دون الكثير من الصراع الداخلي في أول فصلين من الفيلم، «فرانك» هو الشخص القوي جسديا بينهم، ويركز السيناريو أكثر على تطوير العلاقات التي يشاركها مع رئيسيه، بالإضافة إلى علاقته المتدهورة مع عائلته، يأتي الكثير من الجهد المبذول بطبيعة الحال من الممثلين.
لكن لدى سكورسيزي خدعة طموحة، صحيح أنك ستحتاج الى بعض المشاهد حتى تعتاد على أشكال دينيرو وبيسكي وباتشينو الذين أعيد شبابهم بشكل رقمي، إلا أن ذلك لا يسبب التشتيت مثلما حصل بأي من أفلام مارفل أو شخصية بيتر كوشينغ في «Rogue One» الذي تم تعديله رقميا بشكل مبالغ فيه، لكن المسألة هنا هي ببساطة الاعتراف أن الجميع يبدو رائعا في معظم الوقت.
ثم السماح للقصة والأداء الرائع بالسيطرة عليك، ومن يمكنه أن ينكر أن طاقم الممثلين عبارة عن أساطير؟
البطل المستمر على طول الفيلم هو «فرانك»، في الساعة الأولى، بيسكي هو من يتحكم بسير أحداث الفيلم بالرعب الذي ينبع من وجهه الخالي من التعابير، لكن ما إن نتعرف على «جيمي هوفا»، يسلم بيسكي السيطرة لآل باتشينو لبعض الوقت، وبتعاونه الأول مع سكورسيزي، يقدم نجم «Scarface» و«Godfather» ببساطة الأداء المتميز الذي يشتهر به، حيث يقدم آل باتشينو آداء مشتعلا في بعض اللحظات، فيصرخ بملء رئتيه بطريقة لا يستطيع سواه فعلها، ثم نراه يقدم عمقا إنسانيا لا يصدق في لحظات أخرى (قد تتفاجأون من عدد المرات التي يتناول بها «جيمي هوفا» المثلجات وهو يرتدي ملابس نومه على مدار الفيلم).
في الفصل الثالث نرى بيسكي وباتشينو يتنافسان على السيطرة في بعض أكثر المشاهد اشتعالا وحماسا التي أخرجها سكورسيزي منذ زمن طويل، لكن قبل النهاية، يصبح «The Irishman» فيلم دينيرو فقط، ويفتح في الوقت المناسب تماما قلب «فرانك» لنا، قليلا، فيقدم أداء لا يفوقه أحد.
إن عودة مارتن سكورسيزي لهذا النوع من أفلام العصابات التي ساعد بتعرفيها بالمقام الأول تقدم لنا قصة ذات أبعاد ملحمية متوازنة تستفيد من المؤثرات الخاصة الرائعة وأداء فائق للأساطير الثلاث روبرت دينيرو وجو بيسكي وآل باتشينو.
لقد قدم لنا هذا المخرج المحترف فيلما مدروسا وعميقا ويمكن إضافة كئيبا يتمكن من أن يكون ممتعا بقدر أفلامه الكلاسيكية الأخرى، حتى أثناء الغوص في أظلم الأعماق والعثور على بعض الروح.