2024- 12 - 26   |   بحث في الموقع  
logo سوريا المحاصرة بالمخاطر: أولوية تحصين الداخل سياسياً وأمنياً logo العودة إلى دمشق: إرث البعث الرهيب (2) logo فتور "القوات" تجاه قائد الجيش: أحكام مسبقة أم البرنامج؟ logo سوريا: الهدوء يعود لمناطق الاحتجاجات.. وتحذيرات من التحريض الطائفي logo استغل نزوح سكان راشيا الفخار في الحرب وهذا ما فعله.. قوى الأمن بالمرصاد logo البطريرك الراعي في عظة قداس الميلاد: ميلاد المسيح حدث تاريخيّ ذو مضمون لاهوتيّ logo البطريرك روفائيل بيدروس: الرجوع إلى انتمائنا وإلى وطنيتِنا رمز الانتماء logo زاخاروفا: نظام كييف يهدد الغرب
ورقة فيلتمان تؤكّد الرعاية الأميركية للحراك بأضلعه الثلاثة (بقلم جورج عبيد)
2019-11-22 22:23:07



بقلم جورج عبيد -



 من قرأ كلمة جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركيّ، أدرك للتوّ المعاني الرابضة في الصدور والكامنة خلف السطور. هذا رجل عايش لبنان واللبنانيين عن كثب، ونحت له صداقات مع عدد من السياسيين من أمثال وليد جنبلاط وسعد الحريري وفارس سعيد وغطاس خوري، وفؤاد السنيورة وآخرين، وكان لقققبه عند بعضهم "العزيز جيف" Dear Jeff وحشد معهم كلّ الطاقات والإمكانات للانقضاض على سوريا وحزب الله في لبنان، ولم يكتف بخروج سوريا من هذا البلد وتنفيذ القرار 1559 الذي غمّس وعمّد بدم رفيق الحريري، بل كان عامدًا إلى جانب كوندوليزا رايس وجون بولتون على ضرب مقوّمات الاستقرار اللبنانيّ وجذبه نحو مفهوم الفوضى الخلاّقة، يجسّده الصراع المذهبيّ بين الشيعة والسنّة بغية ضرب حزب الله، ومن ثمّ ظهر مشجّعًا وبقوّة إسرائيل لكي تشنّ حربها على لبنان في الرابع من تموز من سنة 2006.


في الشكل والمضمون، إنّ دعوة فيلتمان إلى الكونغرس الأميركيّ للإدلاء بشهادته من أجل توصيف الوضع في لبنان، وإلقاء الضوء على حركة التظاهر فيه من باب التأثير والتأثّر، لا تعود حصرًا على معرفته بالداخل اللبنانيّ ومعايشته لأوضاعه وتفاصيله، بل لأنّ الرجل عاش المراحل الأدقّ والمتحوّلات الجذريّة والتاريخيّة في لبنان، وكان له الباع الطويل بتقييمها ومعالجتها ومن ثمّ استجماع عناصر جديدة تحاول ربط أحداث لبنان بأحداث العراق، التي انفجرت مع دخول الولايات الأميركية المتحدة ساحتها سنة 2003. ما استجمعه فيلتمان وبولتون ورايس، وفي تلك المرحلة من أفكار ورؤى أمست الأعمدة الصالحة لبناء عمارة لبنانيّة لم يؤدي خروج السوريين إلى خلاصها من الزلازل المحيطة بها، بدليل أنها أصيبت بالعطب سنة 2006 خلال حرب إسرائيل، وفي سنة 2007 تحول لبنان إلى استهداف مباشر من التكفيريين بمناسبة الرسم الكاريكاتوريّ المسيء للإسلام والمسلمين، ثمّ بعدذلك جاءت أحداث أيار من سنة 2008 لتؤكّد ديمومة العطب بالفجوات المستهلكة أيضًا من الغير، حتى دخل العالم العربيّ أتّون خريف وشتاء عاصفين سنة 2011 كانت سوريا إحدى مسارحه العنيفة، وكلّ ذلك بدعم وتشجيع أميركيّ.


عاش "العزيز جيف" في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان والمشرق كمقرّر وجامع لقوى سياسيّة ضمن أنظومة جديدة سميت لاحقًا بقوى الرابع عشر من آذار. لا يعنيه لبنان في جوهره وخصوصيّته، "جيف" يكمّل أسلافه السيّئين الذين عُنوا بالقضيّة اللبنانيّة، وتعاطوا معه كأداة أو ورقة أو ساحة معدّة للصفقات، وبالتالي لتأمين المصالح الأميركيّة الحيويّة كما أعلن خلال شهادته أمام الكونغرس الأميركيّ. ليس استدعاؤه في هذه اللحظة بالذات بريئًا من دور الإدارة الأميركيّة في رعاية الحراك في مراحله المتقدّمة. ففيلتمان، كما ظهر، منظّر استراتيجيّ وقارئ وضعيّ للمصالح الأميركيّة بأدوارها وأبعادها ومعانيها، إنّه المفكّر المتمّم للرؤى السابقة والمجدّد لها. وتظهر المعطيات بأنّ ديفيد شينكر، الذي كان سفيرًا للولايات الأميركيّة في تركيا، وهو الممسك حاليًّا في الملفّ اللبنانيّ، على تماس مع "العزيز جيف"، وهذا بدوره ما ينساب على مايك داندريا وهو قاتل عماد مغنية القيادي الكبير في حزب الله، والمحرّض بدوره على التظاهر في العراق وإيران على السواء. ممّا يعني بأنّ الإدارة الأميركيّة العميقة، انطلقت من تلك الرموز المتطرفة، وشاءت أخذ المثلّث اللبنانيّ-العراقيّ-الإيرانيّ إلى فوضى خلاّقة فعليّة استنزلها فيلتمان في خطابه اللبنانيّ على النحو التالي:


1-رعاية التظاهرات في الشوارع، فهي وبحسب أدبياته تساهم في تعزيز المصالح الأميركيّة في لبنان بآليات الضغط المتواترة والمتصاعدة والمستمرّة لتطويق العهد، والثمن بهذا رأس المقاومة بصورة شخصيّة، أي أمين عام حزب الله حسن نصرالله.
2-اللعب على وتر الاقتصاد اللبنانيّ وسعر صرف الدولار يقينًا منه بأنّ اللبنانيين سيلجأون إلى الإدارة الأميركيّة للمساعدة، وعندها يمكن للإدارة الأميركيّة أن تضع شروطها الواضحة لتأمينها، من دون أن تخسر لبنان، وبالتالي، من أن تتيج بسبب خسارتها لبنان أن يلجأ هذا الأخير نحو الصين وروسيا وإيران سيما وأنّ ال 5g الصينيّ المنشأ وهو الأفضل في عالم الاتصالات سيغري اللبنانيين للتوجه نحوه.
3-العمل على إيجاد صيغة تفريق وفسخ بين الجيش اللبنانيّ وحزب الله، وقد ركّز في ذلك أكثر من مرّة. لم يذكر فيلتمان بأنّ التنسيق بين الجيش اللبنانيّ والمقاومة والجيش السوريّ أدّى إلى تحرير جرود البقاع الشماليّ من القوى التكفيريّة أي جبهة النصرة وداعش، لأنّ إدارته رفضت ذلك التنسيق، بل رفضت عملية فجر الجرود من أصلها، وهو يتذكّر هذا حتمًا. لقد سطع الفجر بهذا التنسيق الكبير بين الجيش والمقاومة، و"العزيز جيف" يحاول إقناع الكونغرس بدغدغة الجيش الذي استذكر ضرب لمنظمة فتح الإسلام في مخيّم نهر البارد بقوّة واضحة وتناسى معركة فجر الجرود لكون القوى التكفيريّة ومنظماتها، إحدى الأوراق الأميركيّة، كما النازحين السوريين هم ورقة من أوراق الضغط التي يستعملونها من لبنان باتجاه سوريا.
4-الوقوف بوجه الطموح الروسيّ بحسب مفهومه لضمّ لبنان إلى رعايتهم وأنشطتهم كما زعم."فلبنان ساحة للتنافس الاستراتيجيّة العالميّة، وسيملأ الآخرون الفراغ بسعادة إن تنازلنا عن الأرض"، لبنان بالنسبة لفيلتمان، أي للأميركيين أرض أميركيّة. ويقول أيضًا: "إنّ موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون الشاطئيّة، إن استغلّت من قبل روسيا، ستزيد من الشعور بأنّ روسيا هي الفائزة في شرق وجنوب البحر المتوسّط وعلى حسابنا".
5-الوقوف بوجه احتواء سوريا لبنان وبغطاء روسيّ. فعنده أن الرئيس بشار الأسد الذي عرف لسنوات بالرجل الديكتاتوريّ القوي، ودائمًا بحسب زعمه، والذي يعتمد بشكل مستمرّ على روسيا وإيران وحزب الله لإعادة نشر سيطرته على معظم سوريا، سيحب من دون شكّ أن يفرض نفسه كوسيط إقليميّ قويّ، لعكس إذلاله سنة 2005 عندما أجبر فجأة بعد الاحتجاجات اللبنانيّة والضغط الدوليّ بقيادو جورج. و. بوش على إنهاء الاحتلال العسكريّ القمعيّ السوري في لبنان. ويعتقد فيلتمان أو العزيز جيف بأن روسيا ستكون مسرورة يتجديد الهيمنة السوريّة على لبنان.


يدلّ كل ذلك بأنّ قراءة فيلتمان كانت فاضحة للغاية للحراك في مراحله المتقدّمة. فالرجل وإن قال بأنّ قراءته تمثّله ولا تمثّل مركز الأبحاث الذي ينتمي إليه، يظهر المصلحة الأميركيّة بعناوينها الجزئيّة والكليّة المتراكمة في مدى المشرق، والمستعملة للبنان كمحتوى لانسكابها وامتدادها. وتشير تلك القراءة بصورة خفيّة بأنّ الأميركيين عاكفون على تهييج الأرض وتأجيجها بهذا الحراك عينّا من خلال الأضلع الثلاثة المعروفة، وهي القوات اللبنانيّة والحزب التقدميّ الاشتراكيّ وحركة أمل وعدد من الشخصيات المعبّرة بفحواها عن تلك الرؤية. لم يعد الحراك في مضمونه مطلبيًّا، حتّى أنّ أهله مبعثرون خالون من آفاق وروؤى واستراتيجيان فما من رؤى بلا آفاق ولا فكر. وفي هذا المعنى، إذا كان الحراك في مضمونه لبنانيًّا صافيًا، فلماذا لم يخرج أحد المنظمين ليواجه فيلتمان ويتبرّأ منه ومن أهدافه التي أظهرها أمام الكونغرس الأميركيّ؟ لماذا لم ينتطح أحدهم ليواجه ديفيد شينكر ويطلب منه عدم التدخّل في مضمون الحراك اللبنانيّ وفي السياسة اللبنانيّة لكون الحراك شأنًا داخليًّا؟


وبعد، لقد مرّ عيد الاستقلال هذه السنة كئيبًا للغاية، ولكنّه ليس خاليًا من رجاء. تبقى كلمة الرئيس ميشال عون أبعادها الوجدانيّة ومضمونها الاستراتيجيّ وثيقة مكمّلة لمضمون الخطاب الذي ألقاه في مناسبة نهاية القسم الأوّل من ولايته. وستكون لنا إضاءة على مضمونها الرائع. خطاب الرئيس هو الوثيقة الفعليّة في مواجهة الصقور الأميركيّة الثلاثة: جيفري فيلتمان، ديفيد شينكر، ومايك داريدو.


ومهما كان من أمر، فكلمة الجبل الشامخ تتحطم على ضخورها الأباطيل الفارغة. والاستقلال الآتي هو الأحلى والأعلى والأجمل لحظة يرحل الفاسدون والمجرمون من أمامنا فيضيء أرزنا بوجوه من فجر ونور.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top