طالعنا البعض بآراء دستورية وفقهية مفادها أن الرئيس عون الممتنع عن الدعوة لإجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيد الذي يتولى تشكيل حكومة جديدة رغم مرور ثلاثة أسابيع على استقالة حكومة سعد الحريري، يعتمد (أي الرئيس عون) اعرافاً تخالف جوهر الدستور وتضعه أمام المساءلة استناداً للمادة /60/ منه.
نقول في هذا الإطار، ووضعاً للأمور في نصابها الدستوري الصحيح، ان الدستور اللبناني بعد تعديلات عام 1990 وإن كان قد ألزم رئيس الجمهورية بعد إستقالة الحكومة أو رئيسها بإجراء استشارات نيابية ملزمة الا أنه بالوقت نفسه لم يقيده بمهل دستورية معينة للدعوة إليها لتسمية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة العتيدة ...
من الناحية الدستورية يفترض على رئيس الجمهورية حال استقالة الحكومة مباشرة أن يدعو الى استشارات نيابية ملزمة تطبيقاً لحرفية النص الدستوري ولمنع أي فراغ على مستوى السلطة التنفيذية... ولكن دون أن يؤدي ذلك الى تقييد حق رئيس الجمهورية بمهل زمنية محددة تلزمه التحرك ضمن هوامشها...والنص يبقى على اطلاقه ولا يخضع لأي إعتبارات اجتهادية طالما جاء وبالصيغة التي أتى عليها واضحا، وهو بالتالي لا يحتاج إلى أي تفسير أو تأويل، ما يعني أن لرئيس الجمهورية هامش واسع للتحرك في الفترة الممتدة بين استقالة رئيس الحكومة والدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لاستمزاج الآراء ذلك أن رئيس الجمهورية ليس صندوق إقتراع غب الطلب كما ليس صندوق بريد لإيصال الرسائل عبره أو من خلاله الى هذا الفريق أو إلى ذاك... فرئاسة الجمهورية هي في واقع الحال مؤسسة دستورية حدد الدستور صلاحياتها وإختصاصاتها . فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وله أن يقدر الوضعيات السياسية التي تحكم مسار المرحلة لاسيما في أوقات الأزمات ذلك كي تتبلور الرؤية أو المشهد السياسي والذي من خلاله يستطيع رئيس الجمهورية تقييم المرحلة برمتها بما فيها تحديد مواصفات الرئيس العتيد وشكل الحكومة ونوعها ... وهذا بحد ذاته لا يشكل خرقاً للدستور أو تجاوزاً لأحكامه خصوصاً وأن رئيس الجمهورية هو من كان فيما مضى (أي قبل تعديل 1990) يحدد مواصفات رئيس الحكومة ويختاره عبر تعيينه للوزراء وتسمية من بينهم رئيساً .
فالإمتناع عن إجراء الاستشارات النيابية كما يتهم البعض الرئيس عون بذلك (وهذا غير صحيح) هو شيء، وهذا بطبيعة الحال يشكل خرقاً لأحكام الدستور، والتريث عن إجرائها أو الدعوة اليها لفترة زمنية معينة كما هو عليه الحال اليوم هو شيء آخر، لاسباب يعود تقديرها لرئيس الجمهورية وحده، ذلك لتجنيب البلاد (وهنا الأخطر) مرحلة المراوحة أو الدخول في جمود التأليف بعد التكليف والذي قد يستغرق أشهراً وهذا بحد ذاته يشكل مكمناً قاتلاً لمسار الحياة السياسية والاقتصادية على السواء...
كما ومن جهة ثانية، نسأل أهل الإختصاص عن مدى دستورية فترة المراوحة إن امتدت في التشكيل بعد التكليف والتي قد تستغرق أشهراً وما قد يتخلل هذه الفترة من جمود وشلل على كافة المستويات ... الا يصنف ذلك على سبيل المثال في خانة خرق الدستور أو مخالفة أحكامه؟؟
ومن هنا فإن كانت أحكام الدستور اللبناني لا تلزم الرئيس المكلف بأي مهل دستورية لتشكيل حكومته العتيدة فكذلك الأمر عينه ينسحب على الصلاحيات الرئاسية في الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة دون أن تحد منها أية نصوص ترتبط بالمهل الزمنية او التي من شأنها تقييد حركة رئيس الجمهورية ضمن دائرتها.
هذا فضلاً أيضا على قدرة رئيس الجمهورية وهامش التحرك لديه خلال فترة الاستشارات التي تسبق التكليف بحيث قد نرى أن بعض الكتل النيابية أو بعض النواب يضعون الأمر بعهدة رئيس البلاد لتسمية أو إختيار من يراه مناسبا للمرحلة ومن يتوافق ونهجه في الحكم، وهذا بحد ذاته يشكل دليلاً إضافياً على مدى هامش التحرك الواسع الذي يمتلكه الرئيس في الفترة التي تسبق عملية التكليف.