حبيب البستاني*
يوماً بعد يوم تتظهر النوايا ويكشف الحراك عن وجهه الحقيقي، فالقضية ليست كما يحاول البعض تصويرها قضية مطالب، وذلك بالرغم من المعاناة والأزمة الاقتصادية والمالية الكبيرة الغير مسبوقة والناجمة عن تراكمات من الممارسات الخاطئة واللامسؤولة، التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم، والتي أدت إلى الوضع القاتم اليوم الذي يعاني منه اللبنانيون كل اللبنانيين وليس فقط من هم في الشارع.
محاولة تهديم النظام
لقد أثبتت أحداث اليوم، من منع للنواب من الوصول إلى المجلس النيابي، وعقد جلسة نيابية في بداية العقد العادي للمجلس بغية تكوين هيئته الداخلية كما ينص القانون، وذلك بغية انتظام العمل التشريعي المنوط حصراً بالمجلس النيابي، هذا العمل إن دل على شيء فهو يدل على المنحى الإنقلابي اللادستوري للحراك، الذي يتجه شيئاً فشيئاً إلى حالة من انعدام الوزن، فيغرق البلد كل البلد في حالة من الفوضى والشلل التي تهدد ليس فقط المؤسسات المالية والاقتصادية، بل باتت وبشكل واضح تهدد السلم الأهلي، والتي كادت رصاصة طائشة في الهواء من أن تشعل البلد.
واللافت اليوم تواطؤ بعض أهل السلطة وقرارهم بعدم حضور الجلسة التشريعية، في الوقت الذي كان معالي الوزير وليد جنبلاط قد أبلغ رئيس المجلس عن نيته بالحضور ومن ثم تنكر لذلك، وكذلك فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي غاب بدواع أقلها الوضع الأمني.
ركوب موجة الحراك
من الواضح أن أكثر من طرف سياسي يحاول ركوب موجة الحراك، وإذا كانت القوات أكثر من منغمسة فيه وذلك تبعاً لسياستها " إجر بالفلاحة وإجر بالبور " فإن الوزيرجنبلاط قد ركب الموجة وكذلك فعل رئيس الحكومة، وبذلك يكون مبدأ الثورة القائل " كلن يعني كلن " قد سقط وبدون منة من أحد، وبالتالي هنالك محاولة مكشوفة للتهرب من الحساب ومن المسؤولية في آن معاً.
موقف الحريري
لقد كان لافتاً الموقف الدبلوماسي الفرنسي الذي أعرب عنه أكثر من مرجع بأن فرنسا لم تشجع الرئيس الحريري على الاستقالة، وبالتالي فهي لا تفهم ماذا يريد؟ فهل انتقل الحريري من حضن الأم الحنون والرئيس ماكرون إلى حضن آخر؟
لقد احتار المحللون في أمر رئيس الحكومة وهم قد وضعوا أكثر من علامة استفهام حول قراره المفاجىء بالاستقالة وبالطريقة الدراماتيكية التي جرت بها هذه الاستقالة، سيما وإنها جاءت بعد أن قدم الحريري برنامجاً إصلاحياً للعمل عليه وكان يكفي أن تعقد جلسة لمجلس الوزراء لوضعه موضع التنفيذ. فماذا حدث؟
هنالك احتمالان لا ثالث لهما
احتمال أن يكون الحريري قد خضع لضغط كبير من قبل حلفاء مفترضين على رأسهم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك بالرغم من تأكيد الإثنين على مدى دعمهما للبنان، الأولى في مجال تسليح الجيش والثانية في مجال الإقتصاد.
الاحتمال الثاني وهو الأقرب إلى الواقعية، هو رغبة رئيس الحكومة من أن يكون من المستفيدين من الحراك بدلاً من وضع نفسه في خط المواجهة معه، فرسم لنفسه صورة الضحية الذي لا حول ولا قوة له في مجابهة شركائه في السلطة، الذي جمعهم وإياه شهر عسل طويل امتد لأكثر من ثلاث سنوات، وتعزز بموقف العهد من قضية تقييد، كي لا نستعمل كلمة أوضح، حريته في المملكة.
وإلا كيف نفسر تحركات الشوارع الموالية لتيار المستقبل في البقاع من تعلبايا إلى سعدنايل والمرج وجديتا، إلى تحركات الشارع الصيداوي والناعمة وبرجا، والشارع البيروتي من المزرعة وطريق الجديدة وصولاً إلى طرابلس والبداوي وعدد كبير من القرى والبلدات العكارية.
وهكذا يبدو للوهلة الأولى أن الشارع نفسه الذي نادى بسقوط الحكومة هاله سقوط الحريري، وهذا يدل على مدى الاستيعاب والفهم السياسي للجماهير " الغفورة " التي يحلو لفيلمون وهبه أن يسميها. كذلك فإن هتافات الجماهير تذكرنا بهتافات مظاهرات صيدا التي كانت تسير خلف المناضل معروف سعد والتي كانت تردد " فليسقط واحد من فوق، فيما أبو مصطفى كان يقول فليسقط وعد بلفور.
من جهة ثانية كان الحريري قد فاجأ أكثر من مرجع بعدم تصديه أو لنقل محاولته التصدي للأزمة المالية والاقتصادية ولم يدعو لأي اجتماع مع المعنيين، فهل هذا يعني أن دولته مستنكف حتى عن تصريف الأعمال؟
مشاورات التكليف
بالتأكيد سيأخذ فخامة الرئيس وقته للدعوة للاستشارات الملزمة ليأتي التأليف مواكباً للتكليف، فالبلد لا يمكنه من احتمال إطالة التاليف فالحكومة أصبحت أكثر من حاجة وأكثر من ضرورة، سيما وأن النيات قد تكشفت وأنه وكما يقول الصيادون لا يمكن أن ننتظر خروج السمك من البحر، وبالتالي فإنه لم يبق أمام فخامة الرئيس سوى حلاً واحداً يقوم على الدعوة للاستشارات الملزمة لاختيار رئيس حكومة جديد بعد أن بات من شيه المستحيل عودة الحريري، وبالتالي لا بد من الذهاب إلى حكومة " بمن حضر" تلبي مطالب الناس تضم إلى جانب السياسيين عدداً من رجال الاختصاص وممثلين عن الحراك تكون هدية اللبنانيين بمناسبة الاستقلال.
كاتب سياسي*