2024- 12 - 25   |   بحث في الموقع  
logo استغل نزوح سكان راشيا الفخار في الحرب وهذا ما فعله.. قوى الأمن بالمرصاد logo البطريرك بيدروس يترأس قداس الميلاد في وسط بيروت: لانتخاب رئيسٍ يعملُ للسلام logo البطريرك الراعي في عظة قداس الميلاد: ميلاد المسيح حدث تاريخيّ ذو مضمون لاهوتيّ logo البطريرك روفائيل بيدروس: الرجوع إلى انتمائنا وإلى وطنيتِنا رمز الانتماء logo زاخاروفا: نظام كييف يهدد الغرب logo بالفيديو: قتيل واصابات بانفجار في مركز تجاري جنوبي روسيا logo مقتل متظاهر ورجال أمن بتظاهرات الساحل السوري:المقطع المسرب قديم logo أبرشيّة أنطلياس المارونيّة: الأبرشيّة لا توافق على الطريقة التي اعتمدها الكاهن
قصّة انقلاب سعد الحريري على العهد باستناده على حراك الشارع (بقلم جورج عبيد)
2019-11-19 13:09:52



قال محمد الصفدي كلمته ومشى. "لقد وعدني الرئيس سعد الحريري ولم يفِ بوعوده". كلام كهذا كاف ليكشف بأنّ سعدًا مناور برفضه أن يترأس حكومة تكنو-سياسيّة، ولكنّه لا يمانع بأن يترأسها محمد الصفدي.
 
على ماذا ارتكز سعد الحريري في هذه "التسمية المفخّخة" المحشوّة بألغام عديدة؟
 
1-على المناخ الدوليّ الإقليميّ المتصاعد بصورة سلبيّة. مصادر سياسيّة عارفة، أكّدت ومن دون التباس، بانّ الحريري يراهن على ما سيؤول إليه الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ، مع امتداد الثورات من جديد إلى العراق وإلى إيران. ونذكّر في هذه العجالة بأنّ الرجل كان على علم مسبقًا بالتماع هذا المشهد، واتساعه من العراق إلى لبنان، منذ أن زاره مايك بومبيو في مزرعته في واشنطن. وتشي معلومات صادقة بأن الأميركيين طلبوا منه التريث في الاستقالة حتى تنفجر الثورة في الشارع، فيظهر بمظهر المصلح المتجاوب مع الشارع، وبعد ذلك يكشف عجزه بتقديم الاستقالة. وفي هذا لم يكن الأميركيون وحيدين في الطلب بل اشترك معهم السعوديون والإماراتيون.
2-على الشارع الهائج والمائج. ليس الشارع مستقلاًّ عن سعد الحريري ولا سعد منفصلاً عنه. إنّه وبكلّ رحابة يتّكئ ويتوكّأ ويتوكّل ويتكّل عليه في الضغط السياسيّ الذي يمارسه على رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بصورة خاصّة وعلى رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي وسائر الأفرقاء السياسيين، متمظهرًا بأنّ أوراق القوّة بحوزته، وهو عامل وعامد لاستعمالها كأوراق ضغط فاعلة من قلب الشارع لفرض شروطه هو. وإلاّ فالفراغ الحكوميّ.
3-على تحالفه مع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ والقوات اللبنانيّة. وتؤكّد معلومات جليّة بأنّ العلاقات بين القوات والرئيس الحريري لم تنقطع على الرغم من العتاب الشديد بينهما، كما أنّ العلاقة بينه وبين وليد جنبلاط متينة ولم تشبها شائبة، وفي قضيّة البساتين-قبرشمون، وعلى الرغم من اتصال سعد الحريري بجبران باسيل وقد كان متواجدًا مع صحبه في ديرالسيدة في شملان، إلاّ أنّه لم يخترق المشهد بموقف علنيّ يؤنّب من افتعل المشكلة، بل كان يسير على حفافي القضيّة في الشكل وفي المضمون كان يحاول التخفيف على حليفه وصديقه وليد جنبلاط. وتبيّن من كلّ ذلك بأنّ الأميركيين والسعوديين والإماراتيين (بحدود ضئيلة) يشجعون تيار المستقبل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ والقوات اللبنانيّة وعددًا من الشخصيات المحسوبة عليهم بأن يتوكّاوا على الشارع في استنهاض ما أسموه بثورة الأرز، وإعادة الحياة إلى جسد الرابع عشر من آذار، ليكون قوّة ضغط بوجه العهد وحزب الله، وقوّة تطويق بوجه التسوية في سوريا، لتكون من ضمن آليات الضغط الأميركيّ نحو الداخل السوريّ.
 
ليس واردًا على الإطلاق بأن يترك سعد الحريري جنّة الحكم. في عقله ومخطّطه، رئاسة الحكومة مداه الكامل حتى نهاية العهد، وما بعد العهد. في هذا المجال يطرح السؤال التالي: لماذا يواكب رئيس الجمهوريّة بدعمه ومساعدته في توضيح الرؤى للجمهور المتظاهر في الشارع، لماذا لم يفعّل الورقة الإصلاحيّة مستفيدًا من دعم الرئيس ميشال عون وأمين عام حزب الله حسن نصرالله له، بدلاً من المغامرة والمقامرة في تقديم استقالته، والذهاب بها بعيدًا؟ وقد وردت معلومات مؤكّدة بأنّ فخامة الرئيس كان متفاجئًا بها وبطريقة تقديمها الخالية من اللياقة واللباقة والأصول. لقد رجا الرئيس ورنا لكي يزوره ويبحث معه في هذا الأمر قبل المضيّ به نحو النهاية ليفهم الظروف المانعة من الاستمرار في بقائه والهواجس المنكونة في صدره وقد أمست حواجز مانعة من الاستمرار. والحريري يعرف ويدرك محبّة الرئيس الفائقة له، فهي التي دفعته لينقذه من براثن الأسر في السعوديّة، وقام بالمستحيل ليستعيده إلى لبنان وإلى موقعه الكريم في السلطة.
 
أمّا الرئيس الحريري، فقد أخفى المآرب المذهبيّة لفترة بإحكام قويّ، واتكل على حراك رؤساء الحكومات السابقين في الداخل والخارج وبياناتهم المدافعة عن حقوق الطائفة السنيّة. طيبو النيّة ظنّوا، وببراءة ظاهرة، بأنّ الرجل معترض على "النتعات" المتعاظمة ضمن بيئته السنيّة، حرصًا منه على صمود التسوية الأولى بجوهرها الوجدانيّ-الطائفيّ، فهو من يمثّل الوجدان السنيّ بأكثريته المطلقة، وهذا الوجدان تلاقى ما سائر الوجدانات في تكوين العهد والسلطة، وقبل بدوره بقانون الانتخابات القائم على النسبيّة، وقد جاء قبوله على حساب وجدانه. ولكي نكون منصفين، لم يكن التيار الوطنيّ الحرّ مسرورًا بانحسار وهج الرئيس الحريري بعيد نتائج الانتخابات النيابيّة، وقد تحالف معه في أكثر من منطقة، وقد احتضنه رئيس الجمهوريّة من جديد وتآلف وتعاضد معه في تأليف الحكومة الثانية على الرغم من الصعوبات والتعقيدات التي برزت في ذلك الوقت عند القوات اللبنانيّة والحزب التقدميّ الاشتراكيّ ومحاولة الأخير تقويض كتلة الأمير طلال أرسلان. وبنتيجة ذلك، عادت المآرب المذهبيّة عند الرئيس الحريري وظهرت بعد مجموعة قراءات نقدية أجراها لا سيّما في علاقته بجمهوره وتأثيره عليه، لم يكن كظم الغيظ سهلاً، وفي الأساس لم يكظمه، بل على العكس تمامًا فقد عادت الرؤى المذهبيّة للانبلاج المتوتّر، ليكون تذكرة دخول من جديد على ديار "مملكة الخير"، التي لفظته واحتقرته وأبعدته عن جنتها، فيستمدّ منها موجوديّة جديدة تتيح له الاستمرار حتى يحين اوان الانفجار ليبشّر بالانهيار.
 
كان الرجل يعدّ العدّة للانهيار، وتقول مصادر سياسيّة، بانّه كان على تنسيق كبير مع المصارف في لبنان، وقد استجمعها من حوله ليستهلكها كورقة ضغط جوهريّة تقف عندها ديمومة حياة الناس بكلّ معانيها وابعادها. لم يكتف سعد بالمصارف فقط لدعم توجّهه الانقلابيّ، بل بدوره، استجمع عددًا من النقابات والجهات حوله، كنقابة المخابز وأصحاب المطاحن وأصحاب المستشفيات وأصحاب المحطات وموزّعي النفط، ليكونوا بدورهم أدوات ضغط وابتزاز، وكان في كلّ ذلك ينسّق مع القوات اللبنانيّة بطلب سعوديّ ومع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ، ولم تكن حركة أمل في مرحلة من المراحل بعيدة عن توجهه. وكلّ ذلك كان يتمّ بالتنسيق الكامل مع الأميركيين ودول الخليج، وهو مستدخل في أنظومة الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ، والسعوديّ-الإيرانيّ، هذا يفسّر عينًا ما رمى إليه السفير الروسيّ في بيروت ألكسندر زاسبيكين بأنّ الأمور لا تهدأ إلاّ بحوار سعوديّ-إيرانيّ، كما يفسّر أيضًا معنى إصرار وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف على أن تكون الحكومة المنتظرة تكنو-سياسيّة وليست تكنوقراطيّة كما اشترط سعد، وهي رسالة موجّهة لمن هم خلف سعد.
 
لقد اندرج سعد الحريري في جوف الصراع مستندًا إلى تلك الأدوات بفسادها وإفسادها. يرمي رئيس الحكومة المستقيل بالدرجة الأولى إلى تطويق التحالف المتين والمكين بين رئيس الجمهوريّة ميشال عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بهذا الكمين اللئيم. همّه ليّ ذراع "الرئيس القويّ"، كوجود ومفهوم، بمحاولة استبعاده لجبران باسيل من الحكومة كوزير قويّ و"مشاغب" بحسب مفهومه. ذلك أن جبران أعاد للمسيحيين بدعم من الرئيس حضورهم ورسّخ منطق التوازن، فيما الحريري مجاف ورافض لفعاليّة التوازن على كلّ المستويات. والرئيس الحريري بدوره مدرك تمام الإدراك بأنّ لي ذراع الرئيس يقابله في الوقت عينه إضعاف موقع أمين عام حزب الله حسن نصرالله بإصراره على استبعاد التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله من الحكومة والإتيان بحكومة تقنوقراط برئاسته هو. والهدف إضعاف الوجود المسيحيّ القويّ في لبنان كضمانة للوجود المسيحيّ المشرقيّ، وضرب رأس المقاومة كقوّة ردع بوجه إسرائيل، وهو بسلاحه انتصر على المنظمات التكفيريّة في سوريا وصولاً إلى مساندته الجيش اللبنانيّ في معركة فجر الجرود.
 
من هنا، إنّ سعد الحريري عامد على إحراق اي إسم يسميه هو أو يسميه سواه تحت ستار أنه غير ممانع، فيستعمل الشارع بوجهه، حتى في النهاية يلتفّ الجميع حوله ويدعونه "مخلّصًا" ومنقذًا، ويسيرون في شروطه. لقد أحرق محمد الصفدي، وقد يحرق السفير الألمعيّ نواف سلام، إذا لم يحز الاسم برضى الطائفة السنيّة الكريمة، وهو عاكف على البقاء لحماية منظومة الفساد التي احياها في بيئته وفريقه، بأسماء باتت معروفة لا ضرورة لتكرار ذكرها، وهو عينه من يعطّل الجلسة التشريعيّة في المجلس النيابيّ، حتى تنضج التسوية ضمن سلّة واحدة تعيده من جديد إلى السلطة.
 
وأخيرًا، لقد قال قائد الجيش العماد جوزاف عون كلمته القاطعة والحاسمة والجازمة. ممنوع إغلاق الطرق في لبنان. بهذا القول، فتح القائد الطريق نحو الحسم السياسيّ المتوازن بين الجميع. هل من حلّ ممكن؟ على الأفرقاء المعنيين أن يضغطوا على سعد ليقولوا له: لقد قبلت بان يكلف محمد الصفدي أو ربما نواف سلام بتأليف حكومة تكنو-سياسيّة، فلا تضغط من الشارع لكي تولّف حكومة تكنوقراطيّة وفقًا للمفهوم الغربيّ، فيما قبلته لسواك اقبله لنفسك، وإلاّ فلن يكون لك وجود في رئاسة الحكومة، ونحن على استعداد لترشيح شخصيّة قادرة على تأليف حكومة برضى الأكثريّة السياسيّة، وليكن الصراع سياسيًّا بين السلطة والمعارضة ضمن المنظومة الديمقراطيّة الصحيحة والراقية. وعلى هذا فحذار الشارع وجذبه لاحتراب مقيت.
 
 
 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top