حبيب البستاني*
يدخل الحراك يومه السادس والعشرون، وبين الكلام الكثير والعالي السقف وهيجان الشارع الذي وصل إلى ذروته مع قطع الطرقات وشل الحركة الاقتصادية والتجارية في البلد أحاديث ونظريات ومقالات تتحدث عن الشعب تارة وباسمه تارة أخرى، حتى ضاع المواطن بين الكم الهائل من المطالب وأولوية الأهداف، فمن مطالب إجتماعية بحتة إلى أهداف سياسية بحتة، من المطالبة بلقمة العيش وفرص العمل والضمانات الاجتماعية والحياتية ومكافحة الفساد إلى ضرورة التغيير السياسي من الحكومة إلى المجلس وضرورة إجراء إنتخابات نيابية مبكرة ومقولة " كلن يعني كلن ".
وإذا كان الحراك أوالثورة استطاعت من تحقيق أولى أهدافها القائلة بإسقاط الحكومة فإن الأمور ما لبثت أن عادت إلى الكلاسيكية السياسية التي يتطلبها تشكيل الحكومات من وقت للتكليف والتأليف وما بينهما من تذليل عقبات وتقريب وجهات النظر بغية إنضاج الطبخة الحكومية.
خطورة العجلة وترف الوقت
وإذا كان البلد لا يتحمل من جهة خطورة العجلة فهو كذلك لا يملك ترف الوقت، المشاكل في الشارع تتسارع والأزمات الإقتصادية تتفاقم حتى بلغت سلامة النقد ومالية الدولة والمصارف في آن. ومن جديد الأزمة أنه وللمرة الأولى ومنذ أزمة بنك إنترا في سبعينيات القرن الماضي والتي وبالرغم من نظرية المؤامرة التي تحدثت في حينه عن الهجمة النيوليبرالية لتي قادتها الولايات المتحدة لضرب الرأسمال الوطني آنذاك، فإن أسباباً موضوعية ليس أقلها تدني احتياطي المصرف النقدي إلى ما دون 3.5% مما سرع بانهيار إمبراطورية يوسف بيدس.
من هنا كان لا بد للبدء بحلحلة العقد عقدة عقدة، وبغض النظر عن صلاحيات الرئيس قبل الطائف وفيه وبعده فقرر فخامة رئيس البلاد أخذ كرة النار بيديه، بغض النظر عن وجود أو غياب رئيس الحكومة، وهنا نتحدث عن تواجد دولته للتصدي للمشاكل وأخذ المبادرات والإجراءات الكفيلة بفرملة الانهيار ووضع القطار على سكة الحلول، فالمشاكل لا تبالي بالوضع القانوني والدستوري للحكومة وفعاليتها كونها حكومة تصريف أعمال. وهكذا وانطلاقاً من مبدأ ان الطبيعة لا تعرف الفراغ La nature a horreur du vide، قام الرئيس بما يمليه عليه واجبه الوطني وحسه بالمسؤولية بالبدء بالتصدي لللأزمات والمشاكل، فكان للاجتماع المالي – الاقتصادي في قصر بعبدا الذي تبعه مقررات الحاكم المركزي الذي طمأن اللبنانيين من أنه لا خوف على الودائع، كل هذا إن دل على شيْ إنما يدل أن السفينة ما زالت برغم العواصف والرياح العاتية تسير في اتجاه بر الأمان.
حكومة الأزمة
وهنا ايضاً تبرز أكثر وأكثر حكمة الرئيس في إجراء الاتصالات مع الأفرقاء المعنيين بغية أن يأتي التكليف منزهاً عن عقبات التأليف. وأياً تكن نتيجة الاتصالات التي يجريها فخامته فإن الدور الذي يؤديه هو بالتأكيد في سبيل مصلحة البلد والناس. فبين حكومة يفرضها الشارع ولا تحظى بثقة البرلمان وتضرب عرض الحائط نتائج الانتخابات ومواقف الكتل النيابية، وحكومة تراعي الأحجام النيابية اختار فخامته العمل على حكومة تراعي الإثنين معاً فتشكل وجوهها الجديدة والكفؤة مصدر اطمئنان للشارع، وفي نفس الوقت ترضى عنها الكتل البرلمانية وتحظى بالثقة.
فما نعيشه وما يطلبه الشارع ليس انقلاباً أومحاولة إنقلابية يلغي المؤسسات وينقلب عليها إنما هو أكثر من حراك وأقل من ثورة، بحيث يتم التغيير إنما من خلال المؤسسات.
أهداف الحكومة
لقد وضع فخامة الرئيس أهدافاً رئيسية ثلاث للحكومة العتيدة وهي :
إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية
مكافحة الفساد وإعادة المال المنهوب
ألعمل على إنشاء الدولة المدنية
وتعتبر هذه الأهداف خارطة طريق لأية حكومة لكي تستعيد ثقة الناس وثقة المجتمع الدولي، ويعتبر فخامته أن هذا الحراك الكبير يساعد على تحقيق الأهداف الإصلاحية التي طالما نادى بها وإنها لفرصة عظيمة قد لا تتكرر لتحقيقها.
من هنا فإن المطلوب من أية حكومة جديدة وبغض النظر عن التسميات والشكل والأشخاص هو أن تستعيد ثقة الشعب وأن تحقق خارطة الطريق الإصلاحية التي تحاكي مطالب الناس كل الناس لا سيما الشباب منهم.
كاتب سياسي*