خلال الحرب الباردة (بين أميركا وروسيا منذ منتصف الأربعينيات وحتى أوائل التسعينيات في القرن الماضي)، استطاعت طائرة الاستطلاع الأميركية طراز «لوكهيد SR – 71» التحليق أعلى وأسرع من أي طائرة أخرى في العالم، والآن وبعد مرور 55 عاماً على إقلاعها لأول مرة، لا تزال في صدارة الطائرات من حيث السرعة.
وتمكنت الطائرة المصممة بسرية في أواخر الخمسينيات، من التحليق إلى أقصى ارتفاع ممكن في الفضاء، وتجاوز صاروخ موجه نحوها. وتحتفظ إلى اليوم بسجل أعلى ارتفاع لرحلة أفقية، وأقصى سرعة لطائرة غير صاروخية، حسب ما نقلته شبكة «سي إن إن» الأميركية.
وكانت «لوكهيد SR – 71» جزءاً من أسطول طائرات التجسس المخصصة لمراقبة حدود العدو، دون أن يتم إسقاطها أو حتى كشفها، وذلك في زمنٍ لم يعرف الأقمار الصناعية أو الطائرات من دون طيار.
ولُقبت «لوكهيد SR – 71» بـ«بلاك بيرد» أو «الطائر الأسود»، نسبة إلى طلائها الأسود القاتم. وقال بيتر ميرلين المؤرخ في مجال الطيران ومؤلف كتاب «تصميم وتطوير بلاك بيرد» إن الطائرة «ما زالت تبدو وكأنها شيء من المستقبل، رغم أنها صُممت في الخمسينيات».
وأوضح ميرلين أن الطريقة التي ينحني بها جسم الطائرة تجعلها تبدو عضوية أكثر من كونها ميكانيكية.
وفي (أيار) عام 1960. أُسقطت طائرة تجسس أميركية من طراز «U – 2» في المجال الجوي السوفياتي أثناء التقاطها صوراً جوية. وفي البداية، قالت الحكومة الأميركية إنها طائرة أبحاث جوية ضالة، ولكن انهارت تلك القصة بعد أن أصدرت الحكومة السوفياتية صوراً لقائد الطائرة الذي أُلقي القبض عليه ومعدات للمراقبة داخل الطائرة.
وكان للحادث تداعيات دبلوماسية فورية إبان الحرب الباردة، وعزز من الحاجة إلى طراز جديد من طائرات الاستطلاع التي يمكن أن تطير بشكل أسرع وأعلى. وأشار ميرلين إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية أرادت طائرة «يمكنها أن تحلق فوق ارتفاع 90 ألف قدم أو نحو ذلك، بسرعة عالية وغير مرئية للرادار بقدر الإمكان».
ووقعت مهمة تصميم مثل هذه الطائرة الطموحة على عاتق كلارنس «كيلي» جونسون، أحد أبرز مصممي الطائرات في العالم، مع وحدته السرية من المهندسين من شركة «لوكهيد». وتوفي جونسون عام 1990، وهو العام الذي تقاعدت فيه طائرات «بلاك بيرد» من الخدمة.
وقامت «بلاك بيرد» برحلتها الأولى في 30 (نيسان) 1962 وصُنع منها 13 طائرة، وكانت بمثابة برنامج سري للغاية، تديره وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
ونظراً لأن الطائرة قد صُممت للتحليق بسرعة تزيد على ألفي ميل في الساعة، فإن الاحتكاك الجوي المحيط كان سينتج عنه ارتفاع درجة حرارة جسم الطائرة إلى حرارة تؤدي إلى إذابة هيكل الطائرة التقليدي. ولذلك كانت الطائرة مصنوعة من التيتانيوم، وهو معدن قادر على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، وهو أيضاً أخف من الفولاذ.
وفي عام 1976. حققت «لوكهيد SR – 71» الأرقام القياسية التي لا تزال تحتفظ بها، وهي التحليق على ارتفاع يبلغ 85 ألفا و69 قدماً بشكل مستمر، والوصول إلى سرعة قصوى تبلغ ألفين و193.2 ميل في الساعة.
وفي عام 1990، توقف البرنامج مع إعادة إحيائه لمدة قصيرة في منتصف التسعينيات، بعد أن توفرت تقنيات مثل أقمار التجسس والطائرات من دون طيار، وأثبتت إمكانية الوصول الفوري إلى بيانات المراقبة.
وحلقت آخر طائرة من طراز «SR – 71» بواسطة وكالة «ناسا» في عام 1999. واستخدمت «ناسا» طائرتين من أجل إجراء أبحاث طيران عالية السرعة وعالية الارتفاع. ومنذ ذلك الحين، شقت الطائرات المتبقية من أسطول «بلاك بيرد» طريقها إلى المتاحف.