إعداد: محمود منير
من منا لا يذكر آرنولد شوارزنيغر في دوره الأبرز في تاريخه السينمائي «Terminator» الذي كان تحفة من إبداع جيمس كاميرون وشاركته البطولة منذ نحو 28 عاما حينها النجمة ليندا هاميلتون؟ ولعلنا نتذكر جيدا ألعاب الفيديو المستوحاة من تحفة 1991 السينمائية تلك، لم يخل منزل من منازلنا من شريط VHS مسجل عليه ذلك العمل الرائع ولعبة الفيديو أيضا، وأخيرا عاد «Terminator» من جديد.
لطالما تمحورت سلسلة «Terminator» حول محاولة الحفاظ على الأمل لمستقبل البشرية في مواجهة الهجوم الآلي الذي لا يرحم، ويعتنق أحدث الأجزاء «Terminator: Dark Fate» تلك الفكرة بطريقة تقود السلسلة إلى اتجاه جديد مع التخلي عن العديد من السمات التي اشتهرت بها هذه الأفلام حتى الآن.
إن الفيلم مثير ومليء بالأكشن وروح الدعابة ويلتقط روح ووتيرة أول جزأين اللذين كانا من إخراج جيمس كاميرون بطريقة لم تنجح بها أي من الأفلام الأخيرة الثلاثة، إنه ببساطة أفضل فيلم «Terminator» منذ «Judgment Day».
أحد الأسباب الرئيسية هي أن «Terminator: Dark Fate» لا يضع آرنولد شوارزنيغر في محور كل شيء، بل انه يظهر لاحقا فيه وبالقدر الكافي تماما من فترة الظهور على الشاشة، وفي حين استخدمه أول فيلم «Terminator» في دور الشرير وقدمه فيلم «Judgment Day» على أنه النسخة الجديدة من «T800» كشخصية حامية بطولية، إلا أن ظل الممثل الشهير بقي مهيمنا بشكل كبير، ربما أكثر من اللازم، على الأفلام الثلاثة اللاحقة، حتى عندما تراجع لمجرد دور صغير أعيد ابتكاره رقميا.
ما يجعل «Terminator: Dark Fate» ينجح حيث فشلت أفلام «Rise of the Machines» و«Salvation» و«Genesis» هو أنه أولا يعرف الأفضل عندما يتعلق الأمر بآرنولد «T800»، وثانيا أن أول فيلمين نجحا لأنهما كانا فعليا حول «سارة كونر» وليس حول آلة القتل التي يحمل الفيلم اسمها. يعيد «Terminator: Dark Fate» ليندا هاميلتون كشخصية «سارة كونر» المحطمة والتي أصبحت أكبر سنا وهذا هو أفضل وأذكى شيء يقوم به الفيلم لضمان نجاحه بشكل خلاق في المكان الذي فشلت به أفلام السلسلة الأخيرة.
ما زالت تلك الكاريزما والقسوة التي يمتاز بها كل من آرنولد شوارزنيغر وليندا هاملتون والتي أحببناها حولهما منذ عقود مضت موجودة، لكن مرور كل هذا الزمن من ناحية أخرى لم يضف سوى المزيد من الجاذبية على شخصيتيهما على الشاشة، وتتمكن هاملتون على وجه الخصوص من إذهالنا كما فعلت «سارة» في أول ظهور لها، حيث تستغل بشكل رائع كل المرارة والدمار اللذين مرت بهما «سارة» التي أنقذت العالم في نهاية «Terminator2» لكن لم تحصل على النهاية السعيدة التي قد تتوقع أن النصر سيمنحها إياها، إذ كان للمستقبل والطبيعة البشرية خطط أخرى.
من الجيد ان «سارة كونر» لم تمض العقود القليلة الماضية تفكر في أمجادها، فبشكل مشابه لجيمي لي كيرتس في فيلم «Halloween» سنة 2018، تعطي عودة هاميلتون بدور «سارة» مصداقية وثقلا دراميا لهذا الجزء والتي افتقرت لها الأفلام التي تلت «Terminator 2»، وهي تتمكن مرة أخرى من الاستحواذ فورا على انتباهنا واحترامنا وتعاطفنا من اللحظة التي تظهر بها على الشاشة، وتعرف «سارة» أن شيئا سيئا سيحصل في مرحلة ما وهي جاهزة لمواجهته بأي وسيلة قاتلة تقع يدها عليها، لكنها ليست سوى وجه واحد من أوجه «Terminator: Dark Fate»، حيث يعود شوارزنيغر هنا بدور «T800» آخر، ومن دون أي حرق يمكنكم معرفة أن «Terminator: Dark Fate» يستكشف الديناميكية بين الإنسان والـ «Terminator» من دون التقليل من أهمية التوتر الكامن في العلاقة بينهما.
بعد ذكر ما سبق، يجدر القول إن هذا العمل يجد أيضا طريقة لشرح شيخوخة شوارزنيغر وفي نفس الوقت يتعمق بمهارة في تلك الفكرة بهدف المرح وحس الفكاهة، لكن يتوقع «Terminator: Dark Fate» من المشاهدين أن يقفزوا فوق بعض الفجوات في عملية تطور الشخصية خارج الشاشة.
بالرغم من عودة هاميلتون وشوارزنيغر، إلا أن «Terminator: Dark Fate» ليس مجرد تمرين بالحنين إلى الماضي، ففي حين أن القصة قد تضرب بعض الأوتار المألوفة (فهناك آلي مدمر يسعى لقتل امرأة تحمل مفتاح نجاة البشرية المستقبلي ضد الآلات، الأمر الذي ينجم عنه مطاردة مطولة)، إلا أن الفيلم يتخلص أيضا عن قصد من أوجه أخرى مألوفة بهدف الابتعاد عن تكرار نفس الشخصيات والاستمرارية التي استكشفتها السلسلة خلال العقود القليلة الماضية، كما يخوض «Terminator: Dark Fate» مقامرة كبيرة في هذا المجال، لكنها مقامرة حكيمة نأمل أن تمنح هذه السلسلة فرصة جديدة للحياة، وإذا انتهت السلسلة هنا فإن «Terminator: Dark Fate» يقدم الخاتمة المثالية لها.