2024- 12 - 25   |   بحث في الموقع  
logo مقدمات نشرات الاخبار logo مِنحة تشريعيّة “للبدايات البيضاء”!.. بقلم: د. رنا الجمل logo جنبلاط وترشيح عون.. توقيت خاطىء؟.. عبدالكافي الصمد logo الايجابيات الرئاسية تتراجع.. من يقصد باسيل بمرشح التوافق؟!.. غسان ريفي logo : تهنئة من القلب في عيد الميلاد logo العودة إلى دمشق: المدينة التي كرهتها وأحببتها دوماً (1) logo هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد وقف النار logo المجلس الوطني التركي..حبل النجاة الآخير لقسد قبل الزحف العسكري
ماذا بعد كلمة السيد حسن نصرالله المتماهي مع إرادة الرئيس؟ (جورج عبيد)
2019-10-26 14:06:45



لا تحتاج كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إلى إضاءة، فقد أضاءت بحصافة ووساعة كاملة على معاني التظاهرات ببهائها الملحوظ وهالتها الساطعة ومضمونها المحقّ، الذي يعني كلّ مواطن في علاقته مع السلطة وفي علاقته الطبقة السياسيّة، وفي معيشته المسحوقة بالكامل من قبل الدولة عينها فيما الدولة بهيمنة الطبقة السياسيّة متوغلة في حمأة الفساد ومحتكرة من فاسدين ومفسدين ممجوجين.


 


ميزة الكلمة، مضافًا عليها خطابه الأخير في بعلبك في ذكرى أربعين الإمام الحسين، أنها جاءت محتضنة لمطالب الناس، ومؤيّدة لحرية التظاهر، ومتبنيّة للمعاني المكنونة في بنيتهم. لم يفصل سماحته ذاته عنهم، بل قرّر التكامل معهم، والتعاطف مع كلّ محروم وجائع. في الجوهر، لا يفصل الرجل نفسه عن الفكر الشيعيّ المعاصر، المنطلق من الحرمان والفاقة والعوز، والمتأصّل في بنية الأرض، والعامل على تنميتها وتثميرها والحفاظ عليها بالزراعة والانتاج. حسن نصرالله غير منفصل عن الآباء الكبار المؤسسين لهذا الفكر، التائقين لحضارة القلب والعقل، والمدافعين بشراسة وقوّة عن الأرض والعرض، من الجنوب إلى البقاع إلى كلّ مدى، ويبقى موسى الصدر الإمام المغيّب الملهم الكبير لكلّ انبثاث بلغ في امتداده على مناطق البؤس والفقر حدود الثورة، فالإنماء المتوازن يبطل الفقر.


 


من الطبيعيّ إذًا على من ذاق مرّ الفقر، وولد في حيّ فقير، وعاش في كنف أسرة تكبدت شظف العيش، أن يقف عند خاطر المتظاهرين في بيروت وفي معظم الساحات. لقد جاءت كلمته من هذا الناحية تبيانًا لسموّ الرؤية وشموليّة الفكر. فاكتمل احتضانه للمتظاهرين بمطالبهم المحقّة باحتضان فخامة الرئيس العماد ميشال عون لحقّ التظاهر ومضمونه. فالمتظاهرون قفزوا فوق المصنّفات الطائفيّة المقيتة، وأمسوا عابرين للطوائف في تكامل وطنيّ بديع لا يسوغ إنكاره، بل يجب التعويل عليه، والانطلاق منه نحو جدّة لبنان. فالجدّة دومًا هي المبتغى ومطرح التوق. الفرنسيون نموا في تاريخهم على الجدّة منذ الثورة الفرنسيّة الأولى، ولا ينسون التكوين الفرنسيّ الجديد، مع مونتسكيو وروسو وسواهما، ليقفز التكوين من الجمهوريّة الأولى إلى الثانية... لبنان بلا جدّة موبوء ومحنّط ومجترّ لظلم التاريخ ولعنته، وقد اعتاد أن يتكوّن بإرادة الغير وليس بإرادة اللبنانيين واتفاقهم. إنّ المتظاهرين العابرين للطوائف مدعوون لهذا التكوين الجديد، لنتحرّر من جمهوريتين، أولى كوّنها الفرنسيون بجغرافيّتها ودستورها إلى أن نالت استقلالها في 22 تشرين الثاني 1943، والثانية أبقت على جغرافية الأولى وعدّلت في دستور 1926 بواسطة اتفاق الطائف، ومزّقت صكّ الميثاق الوطنيّ بتسويات الآخرين على أرضح وحسابه وخصوصيّته، ومنذ ذلك الحين ولبنان رازح في مدى الخلل وجريرة الفساد، ومأخوذ من وصاية إلى أخرى. التكوين الجديد يجب أن يتحدّد بإرادة الطبقة الأولى من المتظاهرين، والمؤلّفة من اللبنانيين المتحسسين للواقع الاجتماعيّ والماليّ والاقتصاديّ بالأعباء والتداعيات، والمتعطّشين لنظام سياسيّ جديد يعيد الاعتبار لحقّ الإنسان وكرامته في العيش الكريم بعيدًا عن اصطفاف الطوائف وعدد من الأحزاب، هنا وثمّة.، هذه الطبقة ينبغي أن تكون نواة الولادة والتجدّد بعدما تبيّن بأنّ الحركة الانسيابيّة للأحزاب بدأت بعملية الاقتناص، وراحت تأكل من المطالب والحقوق وتجهضها بأعمال الشغب وقطع الطرقات، أي قطع الشرايين المتلاصقة بعضها ببعض، وتحرّف التظاهرة الحقيقيّة عن أهدافها السامية نحو هدف مشبوه يختصر بأمر واحد، إسقاط العهد برئاسة العماد ميشال عون، وهنا تظهر الخطورة بشدتها وخصوبتها وإنتاجيّتها.


 


سماحة السيّد أعلن أنه محتضن لما يريده المتظاهرون من حقوق تمثّل الكرامة البشريّة المنبعثة من الكرامة الإلهيّة. لكنّ "اللاءات" التي أطلقها لا تعني المتظاهرين الأقحاح، اللصيقين بلبنان وحقّ لبنان في النموّ الطبيعيّ بعيدًا من إفساد الفاسدين وفسادهم، وحقّ الإنسان في الحياة والرعاية، بل تعني من بأخذون التظاهرات إلى فحوى السفارات بمضامينها وخططها ومعاييرها، وهم من الأحزاب المعروفة الواضحة بأطروحاتها السياسيّة الملتبسة وعقائدها الملتوية. لم يسمِّ سماحته طغمة الفاسدين المتحكّمين بالتظاهرات والمهيمنين على رؤاها، والمشتبه بعمالاتهم وعمولاتهم. فالعميل والمتآمر من يقطع طريقًا ن هنا أو هناك وليس المتظاهر المهموم بحياته وحياة أسرته وعائلته. نحن جميعنا أسرى الفقر والفاقة، وقد محقت الطبقة الوسطى محقًا كاملاً، سواء كنا كتابًّا أو مفكرين أو عاملين أو مزارعين... لقد أقلقتنا المشقّات وكبلتنا وأماتت طموحاتنا وأفقدتنا مشاريعنا، وباتت الحريّة مطلبًا كبيرًا كما الخبز وقد أبعدت عمولات بعضهم في بعض المناطق طغمة المبدعين والنهضويين والمعماريين، وأصحاب المشاريع العظيمة واالمضيئة. وعلى هذا من يقطع طريقًا هو الذي يأخذ لبنان إلى مشروع احتراب كبير خطّطت له الولايات الأميركيّة المتحدة بالتآزر مع السعوديّة وإسرائيل، ويجوّف التظاهرات من حقوقها وضرورتها. السفير الروسيّ ألكسندر زاسيبكين في حديثه إلى جريدة الأخبار في الرابع من تشرين الأوّل صرّح علانيّة: "لبنان مأخوذ إلى فوضى خلاقة أميركيّة". آن الوقت للفهم بأن قطع الطرق في لبنان إجهاض للتظاهرات الحقيقيّة من مضمونها الخلاّق والخلوق، وسوق للبلد نحو الفوضى الهدّامة وليست الخلاقّة. لقد حذّر سماحة السيّد من هذا عينًا، وهو الضنين بحماية المتظاهرين، مشاطرًا فخامة الرئيس هذه الرؤية، ذلك أنّ الأمور راحت تتتعقّد كثيرًا على كلّ المستويات، وتظهر المعلومات، وهي خطيرة، بأنّ عددًا كبيرًا من المصارف متورّط باستكمال العناصر المؤديّة إلى تطويق العهد إنفاذًا للعقوبات الأميركيّة، بالإضافة إلى قطاعات أخرى يترأسها عدد من رجال اعمال يغذّون الشغب بالمال. وبعضهم على ما يظهر متأثر إلى حدّ بعيد بوليد فارس مستشار ترامب سابقًا المتهلّل لما يحدث في لبنان، وقد أظهر ذلك علانية.


 


إضاءة السيد تعنينا بصورة مباشرة، وهو ركّز فيما ذهب إليه فخامة الرئيس بصورة مباشرة بدعوته المتظاهرين لتأليف لجنة أو مجموعة تمثّلهم وتحمل مطالبهم إلى طاولة قصر الرئاسة في بعبدا، فيقدّمونها بكل ثقة واحترام، ثمّ يسمعون لما سيبديه الرئيس من هواجس ومخاوف تعني اقتصاد لبنان وماليّته. إنّ عدم سماع الرئيس بانفتاحه والسيد برصانته لحماقة كبرى، لكونها ستقيم المتظاهرين ولبنان في عبثية قاتلة. البقاء في الشارع دون هويّة كمن يريد قبض الريح، أو كمن يرقص في جوف الجحيم فالهويّة مصدر كلّ كلام ولاحم لانبثاث الرؤى وانكشافها. جميعنا متفقون على أنّ النظام السياسيّ اللبنانيّ مبعثر وقد بات حطامًا بفعل تآكله واهترائه، إنّه جثّة غير قابلة للحياة، والجثّة لا تحمي الأجساد المتحرّكة والناطقة على الجغرافيا اللبنانيّة. ولكنّ تغيير النظام يبدأ بتنشيط مبدأ الحوار مع رئيس الجمهوريّة الذي ترفضه جهات سياسيّة مؤثّرة وتمنع من حدوثه لتصطاد في شرعية وجوده. والطريق إلى التغيير طويلة ولن تكون بين ليلة وضحاها. وعلى الرغم من أنّ الورقة الإصلاحيّة التي قدمتها الحكومة اللبنانيّة لم تكن على مستوى الآمال المعقودة، لكنّها تضمنّت أمورًا إيجابية وطيبة ومفيدة، وقد أعطيت المهل الزمنيّة لتطبيقها فلماذا إسقاط ما هو حميد وجيّد ومجد؟ لماذا وكما قال سماحة السيّد حتى لا يتمّ إبطال ما حققته التظاهرة من ماكسب تجلّت ببنود أساسيّة وجوهريّة تعنينا وتعيننا، عوض أن ينطلقوا إلى الحوار مع رئيس الجمهوريّة للعمل على تطويرها؟


 


أمّا الاتجاه نحو إسقاط العهد والحكومة، أو الدعوة لانتخابات مبكرة، فهذا أخطر ما سيبلغه لبنان ومعه المنطقة وهي في قلب الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ ومطلّة بدورها على التسوات. تلك العناوين المطروحة من هذه الزاوية غير بريئة من الالتباس والتورّط، الالتباس مع الخارج والتماهي به، والتورط بمضمونه لينفجر على الأرض اللبنانية وتنفجر به ويتجه اللبنانيون إلى حرب جديدة. وبالتحديدات الواضحة، إن تلك المطالب تعني القوات اللبنانيّة وتعني الحزب التقدميّ الاشتراكيّ وتعني عددًا من رجال اعمال وشخصيات ملتبسة بمواقفها ومشكوك بانتمائها. ولنعد بالذاكرة إلى خلف، لأنّ مضمونها سيضيء على ما يحدث الآن. حين استدعي الرئيس سعد الحريري إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وحدث معه ما أهانه وأهان لبنان معه، كان الهدف من الاستدعاء تطويق العهد وتجويفه وإدخال لبنان في حرب أهلية انكشفت مفرداتها ببعض الوثائق المنصوصة من ذلك الحين، واتضح كيف أن القوات اللبنانية متورطة بذلك. وفي حادثة البساتين وقبرشمون، أعدّت العدّة من خلال محاولة اغتيال جبران باسيل وليس صالح الغريب، لدخول لبنان حربًا أهليّة تبدأ بين المسيحيين والدروز وتتوسّع نحو اتجاهات عديدة، وقد تماهت تلك الحادثة مع إيقاظ ملفّ العمال الفلسطينيين وتفجير قضيّة حقوق الضباط المتقاعدين، وهذا الأمر لم يسد في تاريخ الجيش اللبنانيّ. وكلّ ذلك مندرج في مفهوم الفوضى الخلاّقة والتعبير لبرنارد لويس، وقد استعارته كوندوليزا رايس منه سنة 2006 خلال حرب إسرائيل فراج في خطابنا. فعلى أيّ أساس يريد بعضهم إجراء انتخابات مبكرة ووفقًا لأيّ قانون؟ وهل يعلم بعضهم أن معنى الفراغ، وإذا ما تمّ إسقاط العهد، وهذا لن يتمّ ، يعني عودة لبنان إلى المساحة الفاصلة ما بين المتصرفيّة وتكوين لبنان الكبير من قبل الفرنسيين، وهنا تتجلّى الفوضى بمضامينها العبثيّة.


 


ما يحدث الآن استكمال لهذه الخطّة ولكن ضمن نقاط موسّعة أكثر. ليس الأميركيون مهتمين بخبزنا وحياتنا وعيشنا، بل بالشراء والبيع على حسابنا وإجراء التسويات بدمائنا، فيما الإسرائيليون عبر صحفهم يراهنون على تفجير الداخل اللبنانيّ، والخليجيون وتحديدًا السعوديون يعملون صبحًا مساءً لكي يفرغ الداخل من محتواه الفريد، والهدف: تطويق ميشال عون بصورة شخصيّة، والانقضاض على مفهوم الرئيس القويّ، الذي حرّر لبنان من التكفيريين عبر فجر الجرود، وأعاد التوازن إلى الفلسفة الميثاقيّة ليعود لبنان إلى الخصوصيّة الجوهريّة المناقضة لوجود إسرائيل، والانقضاض على تفاهم الرئيس مع رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي وعلى الرغم من الندوب والفجوات في سيره، لكنّه أمّن استقرارًا للبنان، وإن بحدوده الدنيا، والانقضاض على احتضان الرئيس لفلسفة المقاومة بمعناها السامي ودورها الراقي من على أعلى المنابر، وهي التي أمنت النصر للوطن الصغير، والانقضاض على مشرقيّة ميشال عون المتناقضة مع يهوديّة القدس، والمتحسسة لقوّة التلاقي مع سوريا وهي قوّة للبلدين معًا، للانقضاض على مطالبته النازحين السوريين بالعودة إلى سوريا، فيما المجتمع الدوليّ يرفض ذلك ويطالب على العكس باندماجهم أي تذويبهم في المجتمع اللبنانيّ، للانقضاض على مطالبته بحقّ أن تكون للفلسطينيين دولة يعيشون فيها، وأخيرًا للانقضاض على ضرورة ترسيخ المسيحيين المشارقة في بلدانهم، فالمسيحية من هنا انطلقت وهي متلاقية دومًا مع الإسلام الحقّ في تكوين المشرق.


 


لقد التمس سماحة السيد هذه الرؤى، وما بعد الخطاب لن يكون كما قبله، والمسؤولية ملقاة على الجيش اللبنانيّ تحديدًا والقوى الأمنيّة للعمل على ضبط الأمن، وفتح الطرقات وتأمين المصالح... فحذار من أخذ لبنان إلى الاحتراب، فهذا يعني دخولنا في أتون الموت. فمن يتورّط باستخدام العناوين الاجتماعيّة والمطالب المحقّة نحو الانفجار، وأخذ لبنان إلى الفراغ المزعوم، فهذا يجب أن يلفظ من بيننا ويرمى في قمامة التاريخ.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top