«جون رامبو» شخصية عشناها وبطل قلدناه في صغرنا بارتداء تلك الشريطة الحمراء حول الرأس التي تميز بطلنا بها، ولم يفوت أحد من مواليد السبعينيات ولا جزءا واحدا من أفلام «رامبو» معتبرينه بطلا لا يقهر حتى ان هوليوود أنتجت فيلما حول هذا الحنين بعنوان «Son of Rambow» سنة 2007 الذي دارت أحداثه حول طفل يعيش قصة البطل في خياله مبتكرا مغامراته الخاصة مما أعاد الحنين لجيل كامل عاصر فترة الثمانينيات، ولطالما كانت قصة «جون رامبو»، التي بدأت عام 1982 مع فيلم «First Blood» من إخراج تيد كوتشيف، قصة غير اعتيادية، وقد تم تقديم رامبو (سيلفستر ستالون) في بادئ الأمر كجندي سابق مجروح عاطفيا، لطخه العنف الذي عاشه في حرب فيتنام وجعله يشعر بأنه فارغ، وعندما يخرج «رامبو» سكين الصيد ويبدأ بتقطيع أوصال رؤساء أقسام شرطة البلدات الصغيرة التي يقوم بانقاذها بتكليف من رؤسائه، كان الهدف تصوير ذلك على أنه الصدع المأساوي الأخير في روح رجل محطم، لكن الجمهور تحمس أكثر حول العنف المثير بالفيلم وعلى كفاءة «رامبو» كجندي أكثر من مأساته، مما أدى في الأجزاء التالية لـ «First Blood» إلى تحويل البطل المتعرض للصدمة إلى آلة قتل لا ترحم وخالية من المآسي، قاتل قاس ورمز للقوة العسكرية الأميركية بلا منازع، فتحولت الشخصية التي كان يفترض من الأصل أن تمثل رمزا للدمار الذي يمكن أن تحدثه الحرب بجندي، إلى مدفع رشاش بشري لا يمكن قتله، ويجمع أحدث أفلام السلسلة «Rambo: Last Blood»، من إخراج آدريان غرانبيرغ، بين الشخصيتين، ففي بداية الفيلم نرى «جون رامبو» يعيش في مزرعة ويمتطي الأحصنة ويعيش ارتباطات عائلية واضحة مع ابنة أخيه المراهقة (إيفيت مونريال) ومع امرأة يبدو أنه مهتم لأمرها ومنجذب اليها (أدريانا بارازا)، فيبدو كما لو أن «رامبو» وجد السلام الداخلي أخيرا.
لكنك قد تظن ذلك، فتجد أنه حفر بنفسه متاهة من أنفاق الموت المحاطة بالأسلحة تحت ملكيته في أريزونا تحسبا لأي مكروه متأثرا بحياته السابقة، والتي سيتم استخدامها بكل تأكيد في ذروة أحداث شديدة العنف في أواخر الفيلم، حيث سيقتل «رامبو» عشرات الأشخاص بطرق شديدة الدموية.
إن مستوى الدموية في هذا الجزء شديد الكثافة، حيث يأخذ صناع «Last Blood» حذو الفيلم الذي صدر 2008 ويختارون تحويل ساحة معركة «رامبو» إلى فيلم دموي، لكن بحلول الوقت الذي يسارع فيه صناع الفيلم لتقديم الآكشن شديد الدموية في ذروته، يشعر المشاهد مدى ارتياحهم في تصوير المشاهد المروعة المليئة بالأطراف المقطوعة والرؤوس المتفجرة، ومشهد تشريح واحد على الأقل.
إذا كانت فكرة رؤية «رامبو» يقضي على عدة أطنان من اللحم البشري تبدو محمسة، فاعلم أن الضحية الأخيرة ستكون مريرة، حيث ان العنف الذي يقدمه الفيلم مبالغ فيه لدرجة أنه ليس ممتعا أو ترفيهيا، إن«Last Blood» يبدو كما لو أنه عمل مراهق ساخط يقتلع أجنحة الذباب فمن هم أولئك الأشخاص الذين يقتلهم «رامبو»؟
يأتي دافع الفيلم من حبكة تشبه إلى حد كبير قصة «Taken» من ناحية الإطار وحبكة الأب الأكبر والآكشن الذي يرافقه لإنقاذ ابنته والاستهتار بالثقافات الأخرى، عندما تذهب شخصية «مونريال» إلى المكسيك للعثور على والدها، وسرعان ما تتعرض للخطف والبيع في سوق الرقيق الأبيض على يد اثنين من زعماء الجريمة المكسيكيين هما (سيرجيو بيريز مينشيتا وأوسكار جينادا) اللذان يمتلكان شخصيات أشبه بأن تكون كرتونية، فيصبح على «رامبو» محاولة إنقاذها، وبالتالي مواجهة زعيمي الجريمة هذين والبدء بمواجهة متصاعدة بسرعة.
القائمون على الفيلم جعلوا المكسيك تبدو وكأنها أرض مقفرة تعج فيها الجريمة والموت، ومعظم الشخصيات اللاتينية التي تظهر على الشاشة تكون مجرمة أو تمثل صورة نمطية سائدة، قد نتفهم أن أفلام «رامبو» نادرا ما قامت بمراعاة الثقافات الأخرى، لكننا الآن في 2019، أي في زمن أصبحت به هذه الصور النمطية السائدة مسيئة أكل عليها الزمن وشرب وغير ملائمة إطلاقا.
لانصاف ستالون، يقدم لنا النجم أداء مليئا بالحيوية كما يتطلب دوره، حيث تسمح المشاهد الأولى للممثل الذي بلغ الآن 73 عاما بإعطاء «رامبو» بصيصا من الإنسانية الكامنة تحت هيئة ذاك المحارب الذي عانى الكثير من الصدمات، وهو بصيص كان غائبا إلى حد كبير من أجزاء رامبو السابقة، وفي نفس الوقت يعطي شعورا بالتهديد، فـ«جون رامبو»، بالرغم من أنه في السبعينيات من عمره ستعتقد أنه قادر على مد يده نحو عنقك بيديه العاريتين واقتلاع عظم الترقوة خاصتك بكل سهولة لو شعر أن عليه ذلك.
مع مدة الفيلم التي تصل إلى 89 دقيقة، لن يتركك «Last Blood» تنتظر بكل تأكيد، فإذا كنت قد ذهبت لمشاهدته من أجل العنف والدموية، فستحصل على ذلك حتى قبل أن تنهي مشروبك، لكن إذا ذهبت من أجل فيلم عميق التفكير يركز على المأساة والشخصيات والذكاء وتأثيرات الحروب فإنك ستجد ذلك أيضا، ولكن إذا أتيت من أجل أي شيء كان موجودا في «First Blood» الأصلي، فعلى الأرجح ستجد ما تريده في سينما أخرى، أو فقط في منزلك، على بعد مسافة آمنة عن «Last Blood».