يحمل كتاب «الزمن في السرد السينمائي» لسعاد شوقي بين دفتيه دراسة نقدية رصينة محورها الزمن في السرد السينمائي، عبر تناول نماذج متميزة من الأعمال السينمائية، بالإضافة إلى قيام المؤلف بإلقاء الضوء على مختلف التوجهات الفنية التي أضافت للفن السابع.
وتعود أهمية الكتاب، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، إلى أنه يمثل أول دراسة باللغة العربية تتعرض لعنصر السرد في الفن السينمائي، فعلى الرغم من أهمية هذا الموضوع، والذي حظي بإسهامات بحثية عديدة في الدراسات الغربية للسينما، إلا أنه لم يحظ بنفس الاهتمام في الدراسات العربية، حيث يسد هذا الكتاب نقصا في المكتبة العربية لدارسي السينما ومحبيها.
وتؤكد المؤلفة سعاد شوقي أن الفن السينمائي لا يختلف كثيرا عن بقية الفنون، فهو غير مستثنى من هذا المعنى، فرغم أن له خاصية متفردة عن بقية الفنون، إلا أنه يتعامل بشكل مختلف عنها تماما، وهذا نتيجة وجود الكاميرا، وهي الأداة غير الموجودة في جميع الفنون الأخرى، ذلك أن المتفرج عندما يقوم بشراء تذكرة السينما، فهو بذلك يكون قد بدأ تجربته الخاصة في استقبال ما يعرض عليه في نشاط ذهني متواصل عبر زمن مفقود، حيث لا يستطيع المتفرج وهو يبدأ تجربته مع السينما أن يتحكم في الزمن السردي الذي تتحول من خلاله الأحداث المعروضة أمامه، ذلك على العكس من تجربة نفس المتلقي مع أي زمن آخر حيث تتحول الأحداث تصاعديا من خلال خط زمني يتقدم إلى الأمام.
وفي نفس الوقت، فإن المؤلفة تؤكد أن الفن السينمائي يقدم للمتلقي نوعا من التوحد مع تجربة خاصة تجعل المشاهدين قادرين على التوحد مع الصور التي تعرض عليهم، وهي صور تكشف عن مجالات جديدة من الواقع ينبهر بها المشاهدون، ولعل ما يتميز به الفن السابع أيضا هو أن تأثير هذا الفن يدوم على متلقيه، ويظل هؤلاء المتلقون منبهرين دائما بما تعرضوا له من تجربة سينمائية.
وتشير المؤلفة إلى أن السرد هو الكيفية التي تروي بها القصة عن طريق القناة التي تربط بين الراوي والمروي له، كما أن الحبكة تعني في المقام الأول التأكيد على علاقة السببية.
وعلى الرغم من شعبية فن السينما في مصر، إلا أن محاولات بعض رواد السينما المصرية لتقديم تسلسل السرد السينمائي بشكل مختلف قوبل بالرفض، أو على الأقل بعدم القدرة على الاستيعاب من الجمهور، ومن هذه التجارب أفلام «الليلة الأخيرة» لكمال الشيخ (1963)، و«الاختيار» ليوسف شاهين (1971)، و«زوجتي والكلب» لسعيد مرزوق (1971)، وغيرها.
ولا شك أن السرد السينمائي هو الأساس في تميز السينما المعاصرة في تناولها للموضوعات المختلفة عن السينما في الفترات السالفة.
ويشير الكتاب إلى أن بعض المخرجين قد تناولوا نفس الموضوعات التي تناولتها أفلام سابقة بتجربة سرد زمني مختلفة عن نمط السرد التقليدي، والسرد في هذا السياق يمثل عملية ديناميكية تحشد كل الأشكال والعمليات والتفاصيل التي يتضمنها الفيلم، وذلك بهدف واحد هو توصيل الفكرة التي تدور حولها أحداث الفيلم، والسرد يأتي في سياق أسلوب يحرك مكونات الفيلم، أي الوسائل النصية المستخدمة في تقديم الأفلام، كما أن هذا الأسلوب يأتي بتحديد الخصائص المكررة في مجموعة من الأفلام.
ووفقا للمؤلفة، فإن منطق السرد في الفيلم يجعل المتفرج يرى بعض الظواهر في صورة أحدث فيكوّن علاقة بينهما، وهذه العلاقة قائمة على السببية، فكل حدث يكون نتيجة لحدث آخر، ووجود الحبكة في الفيلم يجعل المتفرج يفكر بطريقة منظمة، وعن طريقها يكون من السهل استنباط أو حتى توقع الأحداث القادمة في الفيلم، فالسرد هو معرفة كل شيء عن القصة التي يقدمها الفيلم بشكل محسوس ومرئي أو بشكل غير محسوس من غير الاستنتاج، بل إن المؤلفة تعتبر في تناولها لهذه النقطة المهمة أن درجة الاتصال بين الفيلم والمتفرج تتوقف على مدى قابلية السرد مشاركة المتفرج ومساعدته في تلقي المعلومات.
لكن أحيانا يكون السرد بشكل مختلف عما تعوّد عليه المشاهد، فمن الممكن أن نجد جزءا من الحبكة يدور حول ما تعرفه شخصيات عن شخصيات أخرى في أجزاء مختلفة من الفيلم، وعلى الرغم من أن هذا قد يسبب بعض الإجهاد الذهني للمشاهد في الكثير من الأحيان، إلا أن متطلبات النص تجعل مثل هذه الطريقة في السرد مبررة ولها هدف ودلالة يشعر بها المشاهد.