سبق ان تعهد لبنان أمام المجتمع الدولي (الدول المانحة) بإجراء مجموعة اصلاحات بنيوية من شأنها خفض العجز العام في الموازنة مقابل الإفراج عن هبات وقروض مؤتمر سيدر الذي تبلغ تقديماته ما يقارب 11,6 مليار دولار اميركي .
ولكن مع تباطؤ مسار الحكومة اللبنانية في الاصلاحات التي وعدت بها وتأخرها عن الإيفاء بتعهداتها وموجباتها التي قطعتها على نفسها أمام الدول المانحة تعرقلت تقديمات مؤتمر سيدر كما وتعرقلت الجهود المبذولة بهذا الخصوص، وقد ترافق كل ذلك مع رفع سقف الشروط والمطالب لبعض الدول المانحة متزامناً مع تهديد واضح مصدره بعض الوكالات المالية و العالمية بتخفيض التصنيف الائتماني للبنان في حال لم يتبلور مسار الأمور بالإتجاه الصحيح ... مع العلم أن وكالة ستاندرد أند بورز أبقت على تصنيف لبنان كما هو B سلبي B مرجحة تراجع ثقة المستثمرين ما لم تتمكن الدولة اللبنانية من إجراء اصلاحات بنيوية تطال هيكلية الإقتصاد ككل والتقليل من العجز في الموازنة . في حين أن وكالة فيتش قد عمدت في 23 آب الجاري الى تخفيض تصنيف لبنان درجة واحدة من B سلبي الى C.C.C..
وبالرغم من هذه المؤشرات السلبية، يرى خبراء اقتصاديون في هذا المجال انه لا يوجد اليوم اي خطر جدي يتهدد الليرة اللبنانية وان مصرف لبنان لايزال يمسك بقواعد اللعبة كما ولا يزال يملك الوسائل اللازمة للحفاظ على الاستقرار المالي ، وهذا ما هو مرتبط بشكل وثيق بالاحتياطي من العملات الاجنبية الذي بلغ حجمه مايقارب 38.5 مليار دولار وهو ما يسمح لمصرف لبنان بالتدخل في الأسواق المالية كمشتر أو بائع كلما اقتضت الضرورة ذلك لتأمين استقرار سعر صرف الليرة .
إذاً الوضع الاقتصادي في لبنان لايزال ممسوكاً مبدئياً ولا يدعو الى القلق، بحيث يتضح من خلال الأرقام، وإن كان الدين العام قد قارب الـ 85 مليار دولار ، أن حجم القطاع المصرفي لايزال قوياً ومتماسكاً وهو بحدود الـ 240 مليار دولار هذا عدا عن أن الناتج المحلي هو تقريباً بحدود الـ 50 مليار دولار . وأن ما يدعو الى التفاؤل أيضا هو التغيير الذي طرأ على أنماط التعامل مع الازمة المالية الراهنة بحيث أصبحنا اليوم أمام ذهنية مختلفة في مقاربة الملف الإقتصادي أو ما يصح تسميته باستراتيجية بعبدا الإقتصادية والتي تحمل في مضامينها التزاماً كاملاً بالبنود الإصلاحية لهيكلية الدولة المالية المتداعية والتي تضمنت مجموعة إصلاحات إقتصادية ومالية قد تكون كفيلة مبدئياً لمواجهة تداعيات الواقع الإقتصادي ذات المؤشرات السلبية وهو ما يشكل بدايةً أكثر من جيدة نحو الحوكمة الرشيدة للادارة المالية للدولة والقطاع العام . وبذلك تكون الدولة قد خطت اولى خطواتها العملية باستراتيجية إقتصادية واضحة باتجاه علاج الأزمة جراحياً وليس بإدارتها بالمسكنات الموضعية .