بيروت - جويل رياشي
مع بداية فصل الخريف، عادت الحياة بقوة إلى صالات السينما اللبنانية، التي تشهد كثافة في العروض والإقبال سواء على الأفلام الأجنبية، وبينها الفيلم الحديث «الجوكر» المتوقع أن يتصدر ترشيحات جوائز الأوسكار، أو الأفلام العربية، واللبنانية منها حصة وازنة.
«بالصدفة»، أول تجربة سينمائية للمخرج باسم كريستو والنص لصاحبة الغزارة في الكتابة كلوديا مرشليان، وأيضا إطلالة سينمائية أولى للفنانة كارول سماحة، هي التي استهلت مسيرتها من خشبة المسرح، قبل التركيز على الغناء، أما دور البطولة، فللمتألق بديع أبو شقرا، مع حضور مميز للقدير منير معاصري، ودور «غير شكل» (رغم المبالغة في الأداء) لباميلا الكك في شخصية «فتاة التوحد».
أحداث عدة اختارتها مرشليان لشد الانتباه وتعزيز الحبكة، الصدفة تقود أبوشقرا من وسط بيروت المعروف بـ«سوليدير» الى أحد أحزمة البؤس، التي تلف العاصمة من مدخليها الشرقي والجنوبي.
يطارد أبوشقرا عبر دراجة هوائية لصا متنكرا، هي فتاة، وللأخيرة حكاية اجتماعية قادتها الى احتراف السرقة، التي رأت فيها وسيلة لادخار المال، والارتباط بفتى أحلامها أو بالأحرى «رئيس العصابة».
يجد أبوشقرا نفسه في منزل سماحة بدور فرح حيث تعيش مع ابنتها وشقيقتها، وتهتم المرأة التي عانت التعنيف من زوجها، بباميلا الكك المصابة بالتوحد، والتي ليس لها إلا جدها غاندي (منير معاصري).
المبنى المؤلف من طبقتين متهالك ومهدد بالانهيار في أي لحظة، شأن مبان عدة في لبنان.
قصص عدة، من بينها محاولة لمى لاوند «المتصابية» تجديد شبابها مع موظف في الأمن عندها، الذي ينساق معها لتأمين مستقبله مع خطيبته التي تعيش في القرية.
في الحي المنكوب أيضا حكاية رجل عاجز جنسيا، ينتظر عودة زوجته من مواعيد تتكرر مع عشيقها سعيا للإنجاب.
أبو شقرا اللاهث لاستعادة حقيبته، يكتشف فجأة ما كان يغفل عنه بحكم عمله صاحب شركة خدمات أمنية تتولى مراقبة الناس، وما يتخلل ذلك من التدخل بطريقة أو بأخرى في الحياة الشخصية للآخرين.
يراقب الحي بكاميرات حديثة، وينجذب الى سماحة التي تعمل في كي الثياب في مصبغة، وتعاني أوجاعا في يدها، فيرى فيها امرأة حزينة تخلت عن أحلامها، من دون أن تستسلم لواقعها، بل تصر على الاهتمام بالآخرين وبينهم الكك.
يتحول أبو شقرا حلّال مشاكل، في انعكاس للمبادرة الفردية التي تعوض تقصير السلطة المحلية في قضايا اجتماعية وإنسانية عدة.
مواضيع كثيرة، بينها الزواج المدني غير المتاح في لبنان، وغياب مؤسسات الرعاية الاجتماعية والحب المحرم، تشد المشاهد في الصالة، من دون تغييب النهاية السعيدة التي تختتم بها عادة الأشرطة العربية.
تجربة ربما يصح وصفها بالسينما التجارية، لكنها تحاكي واقعا اجتماعيا وتشجع الصناعة اللبنانية.
موسم واعد بأشرطة لبنانية عدة، بعضها أبهر المشاهدين من خلال العروض الترويجية، والعبرة أن الصالات تشهد إقبالا يعكس شوق اللبنانيين لـ«الفن السابع»، الذي يبدو انه لم يتأثر بعدوى «الموبايل» التي ألحقت سلسلة أضرار بقطاعات عدة.