يمكن القول بأن «The Goldfinch» هو أكثر الأفلام المبنية على روايات ترقبا لهذا العام، حيث باعت رواية «دونا تارت» الحائزة جائزة «بوليتزر» ملايين النسخ منذ إصدارها في 2013، ما زاد من الضغط على نسخة الفيلم منها، وعلى الرغم من تصوير العمل بسخاء كبير، واحتوائه على العديد من النجوم الكبار الذين يقدمون أداء رائعا، إلا أنه لا يتمكن من الوصول إلى مستوى النسيج الغني لشخصيات الرواية، وتنطلق أحداث كل من الرواية والفيلم في غرفة بفندق أمستردام، حيث نرى البطل ثيودور ديكر (آنسل إيلغورت) يتناول الأدوية ويتجرع المشروبات ويحلم بأن والدته لا تزال على قيد الحياة، لكن في حين أن البطل يروي قصته في الرواية بشكل خطي، إلا أن نسخة الفيلم هذه (التي تأتي من إخراج جون كراولي وسيناريو بيتر ستروهان) تختار أسلوب الذهاب والإياب بالزمن، فتتنقل بين شخصية ثيو (أوكس فيغلي) البالغ من العمر 13 عاما وشخصيته الأكثر نضجا التي نعرفها والذي نجده الآن مرتبكا ووحيدا وخائفا على مستقبله.
تأتي الحبكة بشكل مكثف شبيه بالروايات، أو بملحمة مترامية الأطراف تمتد على ما يقارب 800 صفحة، ورغم أن نسخة الفيلم تتخلى عن السرد، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل لكشفها خلال مدة الفيلم، ويعود السبب في ذلك إلى حياة «ثيو» الاستثنائية، والتي تجري أحداثها عبر 3 مدن، والمليئة بالدراما والتراجيديا وأحلك أنواع الكوميديا، وتبدأ رحلته في اليوم المشؤوم الذي يزور فيه «ثيو» الصغير متحفا فنيا، فتنفجر قنبلة وتتسبب بمقتل والدته، ولأسباب لن نكشفها هنا، يغادر «ثيو» مسرح الجريمة مع لوحة فنية للرسام كاريل فابريتشز تحمل اسم The Goldfinch، قد يبدو هذا تمهيدا لفيلم من أفلام هيتشكوك، وهناك بالتأكيد لحظات من التوتر الموزعة في أرجاء الفيلم، لكن لا يكفي أن الرواية تتحايل حول عناصر هذا النوع من الدراما بدلا من اعتناقها بالكامل، بل إن الفيلم أقل اهتماما حتى في بناء التشويق هنا، لذا تكون اللوحة المسروقة مجرد حبكة تدفع أحداث الفيلم وترسل «ثيو» في مغامرة شاقة.
أول محطة يذهب إليها هي «آل باربورس»، وهي عائلة من نيويورك تستقبل الصبي اليتيم، وتتمحور المشاهد الأولى في «The Goldfinch» حول جهود «ثيو» للاندماج في تلك الحياة، ثم نتعرف بشكل مختصر على كل فرد من الأسرة، لكن لا يتاح لهم الكثير من الوقت ليتمكنوا من تأسيس أنفسهم قبل أن يكمل الفيلم أحدثه، وهذا أمر محبط لأن «آل باربورس» مثيرون للاهتمام حقا، وهنا يجب على الفيلم أن يكمل مساره، لأنه ما أن يبدأ «ثيو» في التأقلم مع حياته الجديدة، يظهر والده «لوك ويلسون»، ويأخذ الصبي إلى لاس فيغاس ليتجاهله بعد ذلك تماما مع انغماسه في المشروب والمقامرة والتفاته لصديقته الجديدة «سارة بولسون»، من هنا فصاعدا يتنقل الفيلم بين الماضي والحاضر.
يصادق «ثيو» مراهقا أوكرانياً غريب الأطوار يدعى بوريس (فين وولفهارد)، ويتعاطى الصديقان المخدرات ويدعمان بعضهما البعض خلال الأوقات الصعبة، في حين يتحول «ثيو» في الزمن الحالي إلى تاجر تحف ناجح، ويعتقد أنه عثر على الحب مع كيتسي باربور (ويلا فيتزجيرالد).
تربط اللوحة المسروقة بين الفترتين الزمنيتين، حيث إنها الشيء الثابت الوحيد في حياة «ثيو»، فتربط الفتى مع «بوريس»، وتساعد في دخوله إلى عالم الفن، وتساهم في تعجيل أحداث الخاتمة وأسباب اختباء «ثيو» في تلك الغرفة.
يتم الكشف عن الكثير من الأمور من خلال اللوحة، حيث تصور طائرا مقيدا بوعاء طعامه بشكل شبيه جدا بالطريقة التي تقيد بها «ثيو» بتلك المأساة في ماضيه.
يمثل الفن والمكائد موضوعين رئيسيين في الفيلم، مع تحدي سرقة اللوحة لمفاهيم الملكية والأصالة، كما تشكك إعادة خلق «ثيو» لنفسه بالطبيعة الحقيقية للهوية، ورغم انه يتم طرح حبكة فرعية تربط بين الفن العظيم والمال القذر، إلا أنه لا يتم استكشافها بالكامل. وتعتبر الصدفة والاختيار والمصير جزءا مهماً من الأحداث، مع مصادفات غير متوقعة تضفي على القصة لمسة سريالية، وتحول عالم «The Goldfinch» إلى مكان يرتبط فيه الجميع مع بعضهم بعضا بطريقة ما، كما يعتبر الحزن والخسارة جزءا أساسيا من القصة، حيث يصارع «ثيو» مع توتر ما بعد الصدمة.
ينجح أوكس فيغلي بالتقاط ألم الشخصية وارتباكها بدور «ثيو» الصغير، حيث يلوم الفتى نفسه على مقتل والدته، لكن آنسل إيلغورت لا ينجح بتقديم نفس المستوى من الأداء بدور الشخصية الأكبر سنا، فيشبعها بالسحر والروعة لكنه أقل إقناعا عندما يحل الظلام، وهذا ليس خطأ إيلغورت بالكامل، ففي الرواية نتمكن من معرفة ما يدور في عقل «ثيو» ونسمع مونولوجا داخليا مليئا بشعور الذنب والتعليقات الساخرة والملاحظات الذكية، لكن هذه المعلومات غالبا ما تكون مفقودة على الشاشة، ما يحول الشخصية إلى بطل سلبي محبط.
من ناحية أخرى، تقدم نيكول كيدمان أداء أنيقا ومليئا بالحدة بدور والدة «ثيو»، في حين يضفي جيفري رايت لمسة من الدفء بدور معلمه في مجال التحف، ويلعب لوك ويلسون وسارة بولسون دور عائلته البغيضة في لاس فيغاس بأداء ملائم جدا. وفي حين لا يتمكن فين وولفهارد من أداء اللهجة المطلوبة بدور بوريس الصغير، إلا أن أنيرين بيرنارد يعوض عن ذلك بدور الشخصية البالغة، وبالتالي يتألق الفيلم في الفترة الوجيزة التي يظهر بها على الشاشة.
يمنح المخرج جون كراولي الأحداث ميزة ملاءمتها لكل الأزمنة، فبالرغم من حقيقة أن الفيلم تجري أحداثه بين الزمن الحالي والماضي القريب، إلا أنك تشعر بأن القصة يمكن أن تجري في أي وقت من المئة عام الماضية، لكن بسبب تغييره لبنية الرواية وإلغاء مسألة سرد الأحداث، يضيع الكثير في رحلة تحويل الرواية لفيلم، كما أن تقديم الفيلم لحادثة انفجار المتحف بشكل متقطع وعلى مدار الأحداث يخفف من وطأته كثيرا، ولا نشعر إطلاقا بحس حقيقي من الرابطة بين الأم وابنها قبل حدوثه، كذلك المشاهد الأخيرة في أمستردام تعاني من بعض الإشكالات، وتبدو النهاية المليئة بالأكشن متعجلة للغاية وغير مرضية ولا تصل لذروة فعلية بشكل يسبب الإحباط، لذا في حين أن The Goldfinch يعتبر فيلما جيدا، إلا أنه لا يسعنا سوى أن نتساءل ما إذا كان من الأفضل تقديم هذه القصة على شكل مسلسل قصير، فطبيعة المسلسلات التي تعتمد على الحلقات تسمح للجمهور بقضاء المزيد من الوقت في Park Avenue أو لاس فيغاس أو حول المجرمين الذين يملأون السوق السوداء للفن، وللغوص في الدقائق والتفاصيل التي أضفت الكثير من الروح والحيوية لرواية «دونا تارت».