كنا في الماضي القريب ، عندما ينطق اسم افريقيا يتبادر الى الذهن مباشرة الحروب والمجاعات
والفتن التي عاشت افريقيا ويلاتها ، سابقا عندما نريد ان نسفه امر ما او حتى حكم كرة القدم نصفه بانه افريقي . لكن
اليوم وغدا تغيرت الامور راسا على عقب ، اصبحت افريقيا تتقدم على البرازيل والصين وعلى كل البلدان التي تسمي نفسها عربية واسلامية ، اقتصاديا
وتنمويا، حيث ان الاقتصاد الافريقي استطاع ان يتجاوز الاقتصاد الهندي والبرازيلي
اضعافا مضاعفة وهما من الاقتصاديات القوية اليوم في العالم ، فاثيوبيا التي كانت الى عهد غير بعيد تنعت
بانها بلد التمييز العرقي والاقتتال الطائفي ، اصبحت اليوم من الاقتصاديات الكبرى في افريقيا وحققت هذه
السنة معدل 8 في المئة من النمو الاقتصادي ،
نفس الشئ بالنسبة لساحل العاج
وانغولا والموزمبيق وغانا ورواندا
، كلها بلدان حققت معدلات اقتصادية هامة
واستقطبت استثمارات اقتصادية دولية هائلة . مؤخرا فقط استطاعت عدد من الدول
الافريقية مراجعة حساباتها مع ثرواتها الداخلية التي كانت تنهب و تسرق في الداخل والخارج وحققت انتقالات ديموقراطية
ومصالحات سياسية مشهودة ، عددا من الدول
الافريقية استطاعت ان تقرر سياسات عمومية صارمة اتجاه الاستفادة من التروات
الداخلية عصب الاقتصاد الافريقي والعالمي
ونهجت سياسات اقتصادية تصحيحية واصلاحية ،
يكفي ان نعرف مثلا بان دولة فقيرة مثل النيجر تمتلك اكبر احتياطي دولي من
اليورانيوم الذي يعتبر مادة حيوية في الاستخدامات التكنولوجية والعسكرية ومادة
اساسية في الابحاث الدولية ، لكن هذا البلد سلطت عليه لمدد طويلة حكومات وسياسات
تفقيرية و شجع الاستعمار الاجنبي الاقتتال
الداخلي بين مكونات المجتمع من اجل
الاستفادة من ثروات هذا البلد الذي يعيش على الفلاحة والاقتصاد الفلاحي بدل
الاستفادة من اموال الاورانيوم.
معدل النمو
الافريقي لسنة 2018 كان هو 4.9 في المئة ، هذا النمو الاقتصادي ساهم فيه ارتفاع اسعار
المواد الاولية خاصة البترول والذي تعتبر
بعض الدول الافريقية مصدرا له لكن النمو
الاقتصادي الهام شمل كذلك بلدانا افريقية لاتمتلك البترول لكنها طورت اقتصادها
الوطني مثل زامبيا والنيجر و البنين . الباحثون والخبراء الاقتصاديون
يتوقعون نموا اقتصاديا افريقيا في السنوات المقبلة و يقارنونه بالاقتصاد الصيني
والهندي لذلك نجد المجلة الكندية المختصة la presse في احد
اعدادها تقول بان نيجيريا بعدد سكانها
البالغ 150 مليون نسمة اذا ما سار اقتصادها على نفس المنوال
التصاعدي سيتجاوز كندا وايطاليا سنة 2050 .
هناك مؤشرات اقتصادية هامة تعرفها القارة السمراء وتساعد على استقرار الاقتصاد و بداية التنمية
الاقتصادية والاجتماعية اولها انخفاض
الفقر المدقع حيث انه في سنة
2008 ،47.8 من الساكنة كانت تعيش
باقل من 1.25 دولار لليوم
فيما اليوم يعيش الفرد الاثيوبي والمالي والنيجيري والسيراليوني باكثر من ذلك بكثير . المؤشر
الثاني هو الظهور التدريجي لطبقة متوسطة
صاعدة ومؤثرة لذلك قال صندوق النقد
الدولي بان 65 مليون افريقي لهم
دخل اكبر من 3000 دولار سنويا
وسيكونون اكثر من 100 مليون افريقي
في السنوات المقبلة وقد يصل الى
240 مليون افريقي يعيشون باكثر من 3000
دولار في السنة في سنة 2040 اي سيحققون
سوقا عالمية باكثر من 1700 مليار دولار..
هذه المؤشرات الاقتصادية المشجعة و النمو
الاقتصادي المتصاعد وهذه الارقام تسيل
لعاب الشركات الاوروبية التي تطمح
للاستفادة من سوق استهلاكية بشرية تبلغ
735 مليون افريقي ، خاصة وان الشركات
الاوروبية المعنية بالاتصالات مثلا تطمح
الى ان تكون افريقيا سوقا رابحة مثلها مثل السوق الاسيوية . هذا مايبرر الصراع
الصيني الاوروبي الامريكي على القارة الافريقية ، حيث ان المعاملات الصينية اليوم
مع اقتصاديات افريقيا يتجاوز 166 مليار دولار سنويا وقد غزت المنتجات الصينية كل
الاسواق الافريقية كما ان الصين هي المورد الرئيسي للبترول والغاز الافريقي اليوم
، لذلك فهناك حرب اقتصادية صامتة صينية
اوروبية من جهة وصينية امريكية من جهة اخرى
، كما ان الراسمال التركي يحاول جاهدا اقتحام الاسواق الافريقية عبر بيع
مواده التكنولوجية وربح صفقات البنيات
التحتية الكبرى.
تدفق الرساميل
المالية نحو افريقيا عرف تطورا ملحوظا وانتقل من
8 الى 48.2 مليار دولار ما بين سنة
2011 و2012 كما اكد ذلك تقرير البنك الدولي لسنة 2013 ، ثلاث ارباع الراسمال المالي عبارة عن استثمارات مباشرة خاصة المتوجهة الى قطاع المعادن حيث تحتوي القارة الافريقية معادن ثمينة يحتاجها الاقتصاد الغربي من اجل تطوير
تكنولوجياته . المؤشر الثالث على تعاظم قوة الاقتصاد الافريقي هو نمو
نخبة اقتصادية متعلمة متخرجة من
كبريات الجامعات الكندية والامريكية و تقود كبريات الشركات الاقتصادية الكبرى في
افريقيا ولها نفس وطني اصلاحي هام ، لكن
هناك تحدي كبير امام الاقتصاد الافريقي وهو الارتفاع الديموغرافي الكبير الذي
تشهده القارة اذ ان القارة من المحتمل ان يكون عدد سكانها في سنة 2050 ملياري نسمة وعدد المدن المليونية في افريقيا يتجاوز 38
مدينة والنمو الاقتصادي رغم قوته و
ارتفاعه لايمكن ان يتسجيب لحاجيات متزايدة امام نمو ديموغرافي قياسي . كما ان 70
الى 80 من الافارقة النشيطين يعملون في القطاعات الغير مهيكلة وتحتاج بلدانهم معجزات اقتصادية لتكوينهم
وتمدرسهم وتطبيبهم ، كما ان معدلات الامية في صفوف النساء ماتزال مرتفعة وتصل
كمعدل عام 40 في المئة ، كما ان استمرار انظمة غير ديموقراطية ولا تعمل بمبادئ
الحاكمة والشفافية يعطل فرص الاقلاع
الاقتصادي ، ولكن رغم كل هذه التحديات يجمع المراقبون الاقتصاديون على ان افريقيا
ستكون قارة الالفية الثالثة بامتياز .