أدريا الكبرى قارة مفقودة تنتشر في أكثر من 30 دولة، وبعد 10 سنوات من البحث والدراسات، تمكنت مجموعة من الجيولوجيين من إعادة بناء ماضيها الذي تسبب فوضى في منطقة البحر المتوسط.
على مدار عقد من الزمان، درس الباحثون في أوروبا الصخور في منطقة شاسعة، تمتد من إسبانيا إلى إيران، بحثاً عن أدلة عن القارة القديمة، وتمكّنوا تدريجياً من تحديد مصيرها.
اكتُشفت كتلة اليابسة بالفعل بواسطة موجات زلزالية في الماضي، لكن دراسة بقاياها وإعادة بناء ماضيها لم يحدث من قبل.
أدريا الكبرى تصطدم مع أوروبا
البقايا الوحيدة المرئية من القارة هي الحجر الجيري والصخور الأخرى في سلاسل الجبال الأوروبية.
لكن معظم القارة مدفونة تحت جنوب أوروبا.
قال دوي فان هينسبيرجين، الباحث الرئيسي والجيولوجي في جامعة أوتريخت في هولندا لموقع BBC Mundo : «نشأت معظم سلاسل الجبال التي درسناها من قارة واحدة انفصلت عن شمال إفريقيا منذ أكثر من 200 مليون عام».
أحد الأجزاء المتبقية من القارة موجود في ضفة تمتد من تورينو، عبر البحر الأدرياتيكي، إلى كعب الحذاء الذي يشكّل إيطاليا.
تعرف هذه المنطقة من قبل الجيولوجيين باسم «أدريا»، ولهذا السبب أطلق فان هينسبرغن على القارة الضائعة أدريا الكبرى.
ولأكثر من عشر سنوات، قام فان هينسبرغن وفريقه بجمع وتحليل الصخور من أدريا الكبرى، حيث فحص الباحثون اتجاه المعادن المغناطيسية الصغيرة المحاصرة داخل الصخور، مما يشير إلى كيفية تشكيلها منذ مئات الملايين من السنين.
وقام الفريق أيضاً بتجميع الصخور الكبيرة التي انفصلت ذات مرة عن طريق تحريك الطبقات التكتونية تحت الأرض.
وقال فان هينسبرغن: «إن ذلك يشبه اللغز الكبير، وقد تم خلط كل القطع مع بعضها البعض وأمضيت السنوات العشر الماضية في حل اللغز وتجميع هذه الأحجية مرةً أخرى»، واستخدم الباحثون البرامج لإنشاء خرائط مفصلة للقارة القديمة.
تاريخها عنيف ومعقد
ولكن لدى أدريا الكبرى تاريخ عنيف ومعقد، وفقاً لفان هينسبرغين.
أصبحت القارة كتلة منفصلة عندما انفصلت عن شبه جزيرة جندوانا التي كانت تضم ما يعرف الآن بأميركا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا وأنتاركتيكا وشبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية.
بعد هذا الصدع، الذي حدث قبل حوالي 240 مليون عام، بدأت قارة بحجم مماثل لغرينلاند في التحرك شمالاً.
منذ حوالي 140 مليون عام، كانت القارة مغمورة إلى حد كبير تحت بحر استوائي، حيث تحولت الرواسب المتراكمة إلى صخور.
ومنذ ما بين 100 و120 مليون سنة، اصطدمت هذه الكتلة العظيمة بما يُعدّ حالياً أوروبا، وحطمت قشرتها.
انزلقت تحت أوروبا بسرعة 4 سم في السنة
انتهى الجزء الأكبر من أدريا الكبرى بالانزلاق تحت أوروبا، ولكن بعض صخور القارة المفقودة، التي «كُشطت» خلال الاصطدام، كانت منتشرة على سطح الأرض.
على الرغم من وقوع التصادم بسرعات لا تزيد عن 3 أو 4 سنتيمترات في السنة، إلا أن هذا الضغط كان كافياً لتدمير القشرة التي يبلغ عمقها 100 كيلومتر وإرسال بقية القارة إلى أعماق كبيرة في طبقة وشاح الأرض.
ويشير العلماء إلى وجود أجزاء من أدريا الكبرى على عمق يبلغ حوالي 1500 كيلومتر.
بعد أكثر من 200 مليون سنة، أعاد الجيولوجيون في جامعتي أوتريخت وأوسلو، ومعهد الجيوفيزياء ETH، في زيورخ (سويسرا) بناء تاريخ أدريا الكبرى تدريجياً.
«كل شيء منحنٍ، مكسورٌ ومكدّس»
وكان من أعظم الصعوبات في دراسة القارة المفقودة هي أن الصخور مبعثرة ومتباعدة للغاية.
وأوضح فان هينسبرغن أن العلماء في العقد الماضي فقط تمكنوا من الحصول على البرامج اللازمة لمثل إعادة التكوين الجيولوجي المعقد ذلك.
وقال الباحث «منطقة البحر المتوسط هي ببساطة (فوضى) من الناحية الجيولوجية».
وأضاف: «كل شيء منحنٍ، مكسورٌ ومكدس».