كتب جوزف طوق في “الجمهورية”:
… وماذا يفعل سيمون أسمر الآن بكل محبّتنا وتعازينا ومشاعرنا الجيّاشة وإحساسنا العميق بالخسارة وأسفنا وتباكينا، وماذا يفعل خصوصاً باستعراضاتنا بالحزن والبكاء والنحيب والحسرة… لو كان مخرج هذه الحفلة التي فُتحت أبواب مسرحها مباشرة بعد رحيله، لو كان جالساً في غرفة التحكّم وعينه على الكاميرات، التي تكاد تمسح دموعنا وتربّت على أكتافنا الثكلى، والله لو كان المخرج لأمر بوقف التصوير وطردنا تعسّفياً إلى منازلنا، ومسح المسرح من خبثنا، وأتى ببعض الأوفياء الذين يستحقون التأسّف على رحيله، وبالتأكيد ليس نحن المتنططين من شاشة إلى شاشة ومن منبر إلى منبر ومن صحيفة إلى مجلّة نصطاد سمكة من موجة النحيب الجماعي.
سيمون أسمر مات مرتّين… مات المرّة الاولى عندما خرج من الأضواء وأصيب بانتكاسة مادية حادّة، أبعدته عن صالونات بعض الفنانين والإعلاميين والسياسيين المخملية، وحبسته في همومه ومخاوفه قبل أن تأخذه إلى السجن عام 2013 حيث مكث أكثر من 10 أشهر، يتمنّى زيارة من صوت صنعه أو من نجم لمّع صورته أو من صديق سانده عندما كان امبراطور الشاشة والمسارح. مات المرة الاولى، ولم يجد احداً يبكي على حاله أو يرثيه أو يغسل جسده أو يحنّط مأساته، مات المرّة الاولى، فغابت أقلام الصحافة عن محنته، وغابت التلفزيونات عن وضعه، وغابت أصوات الفنانين عن وجعه، وغابت جيوب المقتدرين من خيره عن مساعدته… مات المرّة الاولى وذهب إلى دفنه وحيداً، حمل نعشه ومشى إلى مقبرته وهو يشتهي خيراً من لحم كتاف غذّاها ودعمها وأطلقها وعرّضها حتى ما عادت تدخل أبواب المحتاجين.
لكن، عندما مات في المرّة الثانية، وتأكّدنا أنه لن يحتاج إلى أي دعم معنوي أو مادي أو مهني، عندما تأكّدنا أنه لن يكلّفنا سوى بعض الكلمات الممزوجة بالحزن والنفاق، دبّت فينا العزيمة وهجمنا ألوفاً مؤلّفة لتقديم واجب العزاء برجل كان يتمنّى منّا الوفاء.