يحتفظ علماء الجيولوجيا بأدلة توثّق لأسوأ يوم شهدته الأرض، وهو بالطبع قبل 66 مليون سنة.
يتمثل السجل في قطعة صخرية مستخرجة من حفرة مدفونة في خليج المكسيك، وهي عبارة عن رواسب تشكلت بعد سقوط كويكب ضخم واصطدامه بكوكب الأرض.
ويلقي ذلك الضوء على حدث يعتقد الباحثون الآن أنه المسؤول عن انقراض الديناصورات وسيادة الثدييات.
واستطاع فريق أميركي بريطاني مشترك إعادة سرد الكارثة بدقة عالية، بعد قضاء عدة أسابيع في عام 2016 في استكشاف بقايا حفرة تكونت بفعل الاصطدام.
وتقع هذه الحفرة، التي يبلغ عرضها 200 كيلومتر، اليوم أسفل شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. وتوجد أفضل الأجزاء المركزية المحفوظة منها قبالة سواحل ميناء تشيكشولوب.
واستطاع فريق الباحثين استخراج كتلة كبيرة من الصخور تحتوي على جزء معين يوثّق بشكل أساسي اليوم الأول للحدث الذي يسميه علماء الجيولوجيا بداية “حقبة الحياة الحديثة”، أو كما يحب البعض الآخر الإشارة إليه باسم “عصر الثدييات”.
ويعد هذا الجزء مزيجا من مادة متهشمة. ويقول العلماء إنهم يستطيعون من خلال ترتيب محتويات هذه المادة تكوين صورة سردية واضحة عما حدث.
ويغطي حطام الزجاج قاع الحفرة، وهي صخرة مذابة بفعل الحرارة والضغط، تداخلت في القاع خلال الثواني والدقائق اللاحقة للحدث.
وأدى ذلك إلى تشكيل الكثير من الصخور المذابة والمفتتة نتيجة حدوث انفجارات صاحبها اندفاع للماء فوق المادة الساخنة.
وتدفق الماء من بحر ضحل كان يغطي المنطقة في ذلك الوقت، مدفوعا إلى مسار بعيد مؤقتا عن مساره بفعل الحدث. بيد أن الماء عندما انحسر إلى الداخل وتلامس مع الصخر الساخن إلى درجة الغليان، حدثت ردود فعل عنيفة، شيء أشبه بما يحدث في حالة البراكين، عندما تتفاعل الحمم المنصهرة مع مياه البحر.
وتشمل هذه المرحلة فترة الدقائق الأولى وحتى 60 دقيقة، في الوقت الذي واصلت المياه تدفقها وملأت الحفرة. وتكون الجزء العلوي الأساسي بطول 80-90 مترا من جميع الحطام الذي كان في هذه المياه.
كما يوجد دليل يقع يمين الجزء العلوي الأساسي بطول 130 مترا يشير إلى حدوث تسونامي، مع ملاحظة أن جميع الرواسب تغوص في اتجاه واحد، على نحو يشير إلى أنها ترسبت بفعل نشاط عالي الطاقة.
ويقول العلماء إن التأثير أدى إلى تولد ذبذبة ناتجة من موجة عملاقة، اصطدمت بالسواحل الممتدة على بعد مئات الكيلومترات من الحفرة، فكان لهذا الدفع الخارجي ذبذبة انحسار، وغطى الحطام الذي حمله التسونامي قمة التسلسل الصخري.
ويقول شون غوليك، من جامعة تكساس في أوستن إن “كل هذا لايزال في اليوم الأول”.
وأضاف لبي بي سي: “يتحرك التسونامي بسرعة طائرة نفاثة. أربع وعشرون ساعة فترة كبيرة لكي تتدافع الأمواج وتنحسر مرة أخرى.”
ويثق فريق غوليك في التفسيرات التي يقدمها التسونامي لأن اختلاف الرواسب عبارة عن علامات في التربة، والفحم – دليل على الحرائق العظيمة التي حدثت على الكتل الأرضية القريبة بسبب تأثير الحرارة، وجميعها عاد إلى الحفرة بفعل ذبذبة موجة الانحسار.
ومن الأشياء التي لفتت نظر العلماء وجود عنصر الكبريت، وهو شيء لا يراه الفريق في أي مكان آخر في مركز الحفرة. وهذا يثير الدهشة لأن الكويكب ضرب قاع البحر الذي يتكون ثلثه إلى نصفه من معادن تحتوي على الكبريت، مثل الجبس.
ولسبب ما لابد وأن يكون الكبريت قد قُذف أو تبخر على نحو خاص، بيد أن ذلك يدعم فقط النظرية الشائعة عن كيفية انقراض الديناصورات.
ومن شأن تبخر الكثير من الكبريت الممزوج بالماء أن يؤدي إلى تبريد المناخ بشكل كبير، ما يجعل الحياة صعبة للغاية على جميع أنواع النباتات والحيوانات.
ويقول غوليك: “ساد نموذج مناخي عالمي يسيطر عليه فقط مئة غيغا طن من الكبريت الذي تبخر في الغلاف الجوي وأدى إلى تبريد المناخ بواقع 25 درجة مئوية لمدة 15 عاما على الأقل، وجعل معظم الكوكب في حالة تجمد”.
ويضيف: “يصل التقدير المعتدل لكمية الكبريت المنبعث إلى 325 غيغا طنا. وهذا حجم أكبر بكثير مقارنة بأي بركان مثل كراكاتاو الذي يمكن أن يبرد المناخ أيضا لفترة قصيرة.”
واستطاعت الثدييات التغلب على هذه الكارثة، أما الديناصورات فلم تستطع وانقرضت.