كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
بعد حوالى الثلاث سنوات في حضن أمه، حيث يلازم الطفل أهله طول الوقت، في البيت، خلال الزيارات المختلفة، حتى خلال النوم (في بعض الأحيان)، تأتي ساعة الانفصال عنهم، خاصة عن الأم حيث يكون الطفل قد بنى علاقة عاطفية قوية معها. وقبل عدة أسابيع من هذا الإنفصال، تفسّر الأم لطفلها بأنه أصبح «كبيراً» ويجب أن يدخل إلى المدرسة، ليتعرف الى أصدقاء جدد ويلعب معهم، ويتعلم القراءة والكتابة… خلال هذه المرحلة يظهر عند الطفل خوف من الابتعاد عن أمه، ويسمّى هذا الأمر في علم النفس «قلق الإنفصال»، الذي تشعر به الأم أيضاً.
وما يجب معرفته هو أنّ هذا النوع من القلق ليس مَرضياً، وطبعاً لا يعتبر اضطراباً عقلياً، بل هو نوع من «الذكرى» من الماضي الذي عاشَه خلال الولادة، وكانت نتيجتها الانفصال عن والدته. كما يجب معرفة أنّ هذا النوع من القلق نَجده بكثرة عند الأطفال ما بين عمر السنة والنصف والثلاث سنوات أو أربع، حيث يظهر الطفل سلوكاً تعلقياً، لا يمكنه الابتعاد عن والديه ولاسيما عن أمه، ويبقى ملتصقاً بها طوال الوقت، خائفاً الابتعاد عنها وخَوض تجربة الانفصال مرة أخرى.
اليوم الأول في المدرسة
يبدأ إضطراب قلق الإنفصال عن الأم منذ ولادة الطفل، وكلما كانت الولادة عسيرة كلما كان قلق الإنفصال أصعب عنده. ولكن طبعاً لا يمكن تعميم تلك المعلومة على جميع الحالات.
عندما يحين دخول الطفل لأول مرة إلى المدرسة، يستعيد القلق الذي عاشه، وقد يستمر إلى الصف الثالث إبتدائي، خاصة إذا كانت الأم أيضاً تشعر بقلق الإنفصال عن طفلها. ويتفاوت قلق الإنفصال عن الأهل ما بين طفل وآخر، فنرى مثلاً بعض الأطفال يكتفون ببضع دقائق من البكاء ثم يبدأون باللعب والتسلية مع زملائهم في الصف، بينما نرى أنّ هناك أطفالاً يستمرون بالبكاء حتى الوصول إلى مرحلة الاستفراغ والهلع النفسي. كما تختلف مدة «قلق الإنفصال» بين تلميذ وآخر، فنرى بعض الأطفال يشعرون بقلق الإنفصال في أوّل أيام المدرسة، ويختفي هذا القلق في نهاية الأسبوع. بينما نجد بعض الأطفال يعانون هذا الإنفصال لأسابيع وحتى لشهور، ويطالبون طوال الوقت بعدم الذهاب إلى المدرسة، ويطالبون أهلهم، وخاصة الأم، أن يبقوا إلى جانبهم. ومن أخطر نتائج قلق الإنفصال عند الطفل:
– الإنسحاب الاجتماعي، أي يصبح الطفل انطوائياً بسبب القلق الذي يعيشه.
– صعوبة في التركيز، لأنّ كل تفكير الطفل مُنصَبّ في مكان واحد وهو «لقاء الأم مجدداً».
– عدم التفاعل الإجتماعي، أي عدم اللعب مع أصدقائه والتبلّد.
دور الأهل في البيت
للأهل دور أساسي في التخفيف من قلق الإنفصال عند الطفل، ومن النقاط التي يجدر إتباعها معه، نذكر:
1 – مساعدة الطفل في الإستقلالية اليومية من خلال الإستحمام لوحده. ويمكن للأهل إلقاء نظرة عليه، ومساعدته عندما يطلب ذلك.
2 – ممارسة الإنفصال، أي ترك الطفل لوحده لبعض الوقت قبل ذهابه إلى المدرسة. بهذه الطريقة، يَعتاد على أنّ لديه حياته الخاصة، وهي ليست مرتبطة بأمه فقط.
3 – ممارسة النشاطات مع الطفل خاصة النشاطات التي تقوي الإستقلالية عنده، مثل الرسم لوحده في غرفته أو تركيب المكعبات لوحده بدون مساعدة.