لطالما خطط الإنسان لما يريد تحقيقه في الحياة، ولطالما تمنّى في قرارة نفسه أن تساعده الحياة على تحقيق أحلامه...
ماذا يريد الإنسان من الحياة؟
سؤال يجيب عنه كل امرئ بإجابة تتلوّن بمختلف ألوان الأمنيات والتمنيات
والأحلام التي تجسّدها مخيلته. ففي هذه الإجابة تعبيرًا عن البحث الدائم عن السعادة وعن هناء
العيش وتحقيق النجاحات في شتى مفاصل الحياة، وذلك بحسب مفهوم كل إنسان للسعادة
والنجاح، وما يمكن أن يحققهما في الحياة...
علوم الإيزوتيريك علوم حياتية تطبيقية هدفها انارة سبيل الإنسان لفهم نفسه
أولًا، ثم فهم الحياة وغوامضها وأسرارها، وذلك في ضوء كون الإنسان محور الحياة
والوجود...
لقد عوّدتنا علوم الإيزوتيريك على مقاربة المواضيع من زوايا مختلفة، وعلى
كشف النواحي الخفيّة للمظاهر الحياتية كافة. وانطلاقًا من النظرة الشاملة لأهميّة
دور الإنسان في الحياة وتأثيره المباشر في مسيرتها، تطرح علوم الإيزوتيريك السؤال
بشكل مختلف:
ماذا تريد الحياة من الإنسان؟
لا بدّ لهذا السؤال أن يُحدث صمتًا لدى المرء قبل محاولة الإجابة عنه... كم
هو بسيط هذا السؤال! إنّه السؤال الأول نفسه، لكنّه يقلب الأدوار بين الإنسان
والحياة... فكيف للإنسان الذي ما اعتاد سوى الطلب من الحياة، والأخذ الدائم من
خيراتها أن يعطي لها؟! وهل يمكن للحياة، هذه المسيرة الأبدية، هذه الطاقة الموجِدة
لكل كائن حيّ أن تحتاج شيئًا من الإنسان؟
... ... ...
وبعد التفكّر، قد يجيب كثيرون أن الحياة تريد من الإنسان أن يكون صالحًا مع
أخيه الإنسان، وأن يحيا بسلام ويساعد في التطور العلمي الذي يحسّن شروط الحياة
ويحافظ على استمراريتها في الإنسان والمخلوقات كافة...
واستفاضة في الإجابة، قد يتم تعداد الفضائل المختلفة والصفات الحسنة
والأعمال الخيّرة على أنّها متطلبات الحياة من الإنسان، سواء اتخذت هذه الفضائل
والصفات منحًى دينيًا أم اجتماعيًا.
توضح علوم الإيزوتيريك التي ناهزت مؤلفاتها المئة مؤلّف بقلم الدكتور جوزيف
مجدلاني (ج ب م)، أنّ الحياة تريد من الإنسان مساعدتها في تحقيق أهدافها... فالحياة
ما وجدت سوى لاحتضان مسارات التطور المختلفة في الكون، وعلى رأسها التطور
الإنساني... نعم، إنّها تريد من الإنسان أن يعي هدف وجوده وأن يعمل على تحقيقه...
الحياة تريد من الإنسان:
·
أن يحيا الحياة كمشارك فاعل ومؤثّر في
مسيرتها. كل شيء متصل بكل شيء ويؤثّر ويتأثر بكل شيء... فكيف بالحري دور الإنسان،
المخلوق الأكثر تأثيرًا على وجه الأرض؟ ففي وعيه لهدفه وسعيه لتحقيقه، يساهم
الإنسان في دفع عجلة التطور وفي إيصال مركب الحياة إلى البر المقصود...
·
أن يبحث عن الخيوط الخافية التي تتحكم بمسرح
الحياة وبأحداثه. فالبحث في غوامض الحياة والتوق إلى معرفة الأسباب خلف النتائج، سيقود
الإنسان إلى توسيع وعيه والتحكم بمسار حياته بنسبة الوعي المتفتح في نفسه. وإذا ما
بحث جدّيًا عن هذه الخيوط الخفية، سيجد أنّه يمسك بأطرافها لاوعيًا منه... فالحياة
تريد من الإنسان أن يعلم أنّه الكاتب لقصة حياته وسيّد مصيره. فهو حرٌّ في رسم تفاصيلها، لكنّه محكوم بنتائج
أعماله. فحصاد اليوم هو زرع الأمس...
·
أن يرتقي عموديًا في فهم نفسه إلى جانب توسعه
أفقيًا في النجاح العملي والمادي. فالحياة في بُعد المادة (الجسد) وتجاهُل
الباطن (البُعد اللامادي للإنسان، أصل الوجود المادي) هو تمامًا كالترفّع عن
المادة، والعزلة ونكران حاجات الجسد، كلاهما مسيرة عرجاء في درب الحياة المستقيم.
·
أن يعيش الحبّ بين الجنسين كمسار حتمي نحو
التكامل، وكدرب عودة نحو الوحدة. لأن المرأة والرجل نصفي الحياة البشرية،
ونصفي الإنسان الكامل، يوحّدهما الحبّ، كما تكشف علوم الإيزوتيريك في كتاب "المرأة
والرجل في مفهوم الإيزوتيريك" للدكتور جوزف مجدلاني (ج ب م).
·
أن يعرف أنّه جزء من كلّ، "وأن الحياة التي تسري فيه هي نفسها
التي تسري في جميع الكائنات وفي الطبيعة والكواكب والأكوان..." كما ورد في
كتاب "الإيزوتيريك يثقّف ملكًا" للدكتور جوزف مجدلاني (ج ب م).
·
أن يفهم التوازن كقاعدة للحياة في كافة
أبعادها. فالتوازن بين العمل والراحة، وبين الفكر والمشاعر، وبين المرأة والرجل
وبين المادة والباطن... هو المدخل إلى الحكمة العملية في الحياة، والتي هي بمثابة
النور الكاشف لتخطي عثرات الحياة والنجاح في تجاربها...
وأمور أخرى كثيرة تعينه على فهم حقيقة وجوده وجوهر وجودها، أي الحياة...
ولتوعية الإنسان إلى ما تقدّم، لا تترك الحياة وسيلة إلا وتعتمدها وذلك عبر
اجتذاب اهتمامه، واستثارة فضوله، واستفزاز فكره، واستمالة مشاعره، وارشاده في
يقظته، وفي أحلامه أيضًا... وفي بعض الأحيان تعمد الحياة إلى "هزّ" كيان
الإنسان ومعاكسة ارادته وحتى "صفعه" إذا ما دعت الحاجة، لإعادته إلى
الدرب القويم، وذلك كلّه مثلما تفعل الأم الساهرة على توعية أبنائها وتجنيبهم دروب
السوء...
في ضوء ما تقدم، وإذا ما وعى المرء بحق ما الذي تريده منه الحياة، سيصبح ما
يريده هو من الحياة أكثر جلاءً وأكثر واقعية وأقلّ إبهامًا وضبابية... وسيرتكز ما
يريده من الحياة إلى قواعد منطقية بدل أن يقتصر على أمنيات هائمة من دون ركائز...
وإذا ما عرف المرء هدف وجوده على الأرض والمتمثل بتفتيح وعيه البشري نحو سمو الوعي
الإنساني ثم الروحي... والذي تستفيض علوم الإيزوتيريك بشرح المنهج العملي الحياتي
لهذا الهدف ولطريقة تحقيقه، لأيقن أنه ما من فارق بين ما تريده منه الحياة وما يجب
أن يبتغيه هو منها... فما يطلبه الإنسان من الحياة من سعادة وهناء العيش ونجاح
ليسوا سوى سرابًا إن لم يعِ الهدف الأول والأهم، أي تطوير نفسه خارجيًا وداخليًا،
ظاهريًا وباطنيًا، بشريًا وإنسانيًا... وهي (السعادة والنجاح وهناء العيش) حقيقة مُعاشة ونتيجة حتمية لتطابق هدف
الإنسان وهدف الحياة... فسرّ السعادة يكمن في المعرفة، معرفة الحقائق الوجودية
الكبرى، ومعرفة الدرب المؤدّية إليها، مهما بدت طويلة... فالحياة درب نحو حقيقة
الإنسان وما عليه سوى الاسترشاد بمعالمها وسلوكها بالإتجاه الصحيح...