لارا الهاشم -
لم تنجح محاولة البعض المساواة بين الخرق الاسرائيلي غير المسبوق للقرار ١٧٠١ من جهة وبين تسلّح حزب الله واستحضار الاسراتيجية الدفاعية من جهة اخرى، بتليين موقف لبنان الرسمي حيال توصيف العدوان الاسرائيلي. فالموقف الرسمي لاقطاب الدولة كان واضحا، لناحية اعتبار ما حصل اعتداء على لبنان والتأكيد على حق اللبنانيين بالدفاع عن استقلالهم وسيادتهم بكل الوسائل. هو موقف خرج به المجلس الاعلى للدفاع غداة اعلان رئيس الجمهورية ان لبنان يحتفظ بحقه بالدفاع عن نفسه لأن ما حصل هو بمثابة "اعلان حرب".
لكن ما يتعرض له حزب الله من ضغوط خارجية على صعيد العقوبات اضف اليها الاستفزازات الاسرائيلية المتزايدة مؤخرا عبر تحليق طائرات الاستطلاع بشكل مكثف في مختلف الاجواء اللبنانية منذ العدوان على الضاحية فجر الأحد، لا ينفصل عن المواقف الداخلية التي تخدم أمريكا ومن خلفها اسرائيل بشكل غير مباشر. ولعلّ أبرزها هو تركيز بعض القوى على موضوع المعابر غير الشرعية تزامنا مع اتهام الحزب باقحام لبنان في سياسة المحاور.
هذا التركيز الممنهج يرى فيه الكاتب والإعلامي فيصل عبد الساتر إطلاق نار سياسي على حزب الله للقول أنه يستفيد من هذه المعابر لتهريب السلاح والقيام بتجارات معينة. في سياق متصل يميّز عبد الساتر بين مطالبة الحكومة اللبنانية وبعض القوى فيها وأولها وزير الدفاع بضرورة ضبط المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، وبين ما سبق وطرحته قوى أخرى عن سطو حزب الله على مطار بيروت والمرفأ. "فهذه القوى استجابت لدعوات أطلقت من خارج الحدود اللبنانية وتحديدا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وهي لا تنطلق من حرصها على المعابر او على خزينة الدولة، بل تهدف الى تسليط الضوء على حركة حزب الله.
وبالتالي فان القول أن حزب الله يسطو على المطار والمرفأ هو افتراء ويصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها اسرائيل، لوجود التباسات لا بد من توضيحها".
كمراقب وليس كناطق باسم أي جهة سياسية يتحدث عبد الساتر، معتبرا أن بعض هذه الأطراف كان يردد نفس ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية. لا بل وأكثر، فان هذا البعض كان الصوت الآخر الذي يريد أن يضيّق على المقاومة عبر العقوبات وعبر الأصوات الداخلية التي تريد أن تحاصرها من الناحية الشرقية، أي لجهة حدود لبنان مع سوريا. فيما الايحاء بأن الهدف هو الحرص على مالية الدولة هو لحرف الأنظار عن الحقيقة، لأن التهريب والتهرب الجمركي تقوم بهما جهات محمية من داخل الحكومة إن كان في المطار أو في المرفأ. أما التلميح بأن حزب الله يقوم بتهريب الأسلحة أو غيرها عبر الحدود فهو اصطياد بالماء العكر ويفتح أعين الأميركيين والاسرائيليين ولو عن غير قصد.
فصحيح أن الحزب يستخدم بعض الطرقات العسكرية الخاصة والتي تدخل ضمن استراتيجيته بعد أن أعلن جهاراً انخراطه في الحرب السورية، لكن الخبرة في الواقع الميداني تدحض ادعاءات استخدامه معابر غير شرعية للتهريب. يقول عبد الساتر " أن ما بين أقصى الشمال وأقصى الجنوب مسافة ٣٠٠ كم تقريبا، معظمها مفتوح تاريخيا أمام المتسللين من وإلى سوريا منذ تأسيس الدولة اللبنانية. من جهة المصنع حتى أقصى الجنوب تقسّم الجبهة إلى أكثر من منطقة يجري من خلالها تهريب أشخاص وبضائع حاولت الأجهزة الأمنية ضبطها. علما أن هذه المناطق لا تقع تحت تأثير حزب الله أو تحت جناحيه اذا جاز التعبير. أما من المصنع باتجاه آخر الحدود شمالا أي باتجاه الهرمل فليس هناك من طرقات مفتوحة بين لبنان وسوريا باستثناء الطريق الدولي، أي طريق جوسي-القاع.
وإذا صح أن التهريب يتم عبر هذا الطريق، فلا بد من أن تكون الشاحنات الكبيرة ظاهرة و مرصودة من قبل الأجهزة الأمنية على طريق رأس بعلبك والقاع، الأمر الذي يتم التبليغ عنه او الإشارة اليه بتاتاً من قبل أي جهاز. التباس آخر يلقي الضوء عليه عبد الساتر لناحية الشمال اللبناني، حيث تتشارك بعض قرى الهرمل وعكار ووادي خالد وأكروم الأراضي مع سوريا بسبب تداخل الحدود. إلا أن وعورة الطرقات وضيقها يجعلان من مرور الشاحنات الكبيرة مهمةً صعبة أو حتى شبه مستحيلة لأنها ستكون مرصودة من قبل الأجهزة الأمنية المنتشرة على طول الحدود. أما تهريب الدخان والبنزين والمازوت الذي يعتاش منه أهالي تلك البلدات تاريخيا فلا يساوي شيئا من قيمة التهريب والتهرب الإجمالي" الذي يحظى بحمايات سياسية تعجز الأجهزة الأمنية والعسكرية أحيانا عن كسرها".
في الخلاصة، يفاخر حزب الله بمشاركته في الحرب على سوريا على عكس بعض خفافيش الليل الذين أمدّوا المسلحين في القصير والزبداني بالسلاح مع بداية الحرب، ونقلوه بسيارات رسمية. كما أنه يعبر بآلياته إلى الأراضي السورية حيث يتواجد علنا. من جهة أخرى بات حزب الله يمتلك منظومة عسكرية قادرة على مواجهة اسرائيل وردعها ومرورها ليس رهن المعابر غير الشرعية. وعليه، فان التصويب على تحركاته يقع في خانة التشويش والتضييق عليه خدمةً لأجندات خارجية، في وقت يمرّ فيه لبنان بأدق المراحل الأمنية والاقتصادية وحيث يعمد العدو الاسرائيلي على زعزعة الأمن و الاستقرار.